شهر الرحمة مع محمد كنون الحسني
جريدة طنجة – لمياء السلاوي ( . رقائق رمضانية . )
الثلاثاء 23 يونيو 2015 – 11:07:47
• دَعا رَمضانُ الخَيْرِ كلَّ مُرابِطٍ لَدَيْهِ .. فَلَبَّى المؤمنونَ على الإثْـرِ
و طـافَتْ بهـمْ ريـحُ الجِنـانِ عَليلةً ..تَهُبُّ مِنَ الـرّحمنِ .. ذائِعَةَ النَّشْـرِ
مـا أسْرعَ انقِضاء الأيـّـام ….. منذُ قَريب ودَعْنـا شهر رمضان ، و قلوبنا تَعْتصر ألمًا على فِراقه …ألمـًا لَما فَرّطْنــا فيهِ و عَزْمًا مِنّا أن يَكونَ لنا معه شَأن أخر إن أدركناه في العام الذي يَليهِ .. و هاهي الأيام تمر و يأتينا رمضان من جديد فلنستعد له و نتأهب للقياه ، كما نلقى عزيز غائب انتظرناه بشَوْقٍ ..
لَقد هَيّـأَ الله تَعــالى لَنا من المُناسَبات العظيمة، التي تُصقلُ الإيمــان في القلوب، وتُحرّك المشاعر الفيّاضة في النفوس، فتزيد في الطاعات وتُضيّق مجالات الشر في المجتمعات، وتعطي المسلمين دروسا في الوحدة والإخاء، والتضامن والصفاء، إنها منهل عذب، وحمى أمين وحصن حصين للطائعين، وفرصة لا تُعوّض للمذنبين المفرّطين، ليُجَدّدوا التّوبةَ من ذنوبهم، ويسطّروا صفحة جديدة بيضاء ناصعة في حياتهم، مفعمة بفضائل الأعمال ومحاسن الفعال، ومكارم الخصال.
وإن من أجلّ هذه المُنـاسبات زَمَنًــا، وأعظمها قَدْراً، وأبْعدها أثراً: شهر رمضان الكريم الذي نرتشف من رحيقه، ونشمّ عاطر شذاه.
ضَيفنا لهذا الشهر الفَضيل ، هو الأستاذ الدكتور محمد كنون الحسني ، رئيس المجلس العلمي لطنجة-أصيلة ،والذي سَينقلنا إلى تلك الأجواء الإيمانية ، ويحلق بنا لنصل معه إلى الذروة الروحية ، بتوجيهات و عبر نسأل الله تعالى أن يتحقق المراد منها .
هذا الشهر عظيم جدا فهو شهر الطاعة والإيمان والبركة والخير والإنعام والتطهير من الذنوب والآثام، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وإذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ) وعنه صلى الله عليه وسلم: ( إذا كانت أول ليلة في شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي مناد يابغي الخير أقبل ويابغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)، فطوبى لمن تعرض فيه لنفحات الرب وأخلص الطاعة لله بالجوارح والقلب وترفع عما يأتيه صرعى الشهوات وقتلى الغرور،وهنيئا لمن استغل أيامه ولياليه بالطاعة والعمل الصالح، ويمكن للإنسان أن يفوز بفضل رمضان وبمغفرة الرب فيه وثوابه إذا قام بأمور ثلاثة:
1. عبادة الله حق قدره وتعظيمه واستحضاره في كل وقت وحين, والتوبة إليه ومراجعة النفس فيما أقبلت عليه وخاضت فيه طوال السنة، وأن تصوم صوم المؤمنين المحتسبين, عن نية خالصة في الفعل ورغبة صادقة في الثواب والجزاء, مع الحرص على الواجبات والسنن من نية وإمساك وتعجيل الفطور وتأخير السحور, وقيام الليل , وحضور صلاة الجماعة في كل وقت , وإحياء ليالي رمضان بالصلاة والذكر, والاجتهاد أكثر في العشر الأواخر منه, وأداء زكاة الفطر.
2. قراءة القرآن الكريم وحضور مجالس العلم والتعلم والحرص على التعلم والاستفادة, وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر في هذا الشهر من قراءة القرآن وينزل عليه جبريل في كل ليلة لهذا الغرض, ففي الحديث: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن”.
3. الالتزام بالأخلاق الحسنة والمعاملة الطيبة خلال هذا الشهر, فرمضان مدرسة سلوكية تعلمنا الصبر على الجوع والعطش وكبح جماح الشهوة من طلوع الشمس إلى غروبها, ويطلعنا على معاناة الفقير المحتاج طيلة السنة حيث يجوع ولا يجد طعاما ويعطش ولا يجد ما يروي به ظمأه, ويعرى ولا يجد ما يستر به نفسه ويحميها من البرد والمطر, ويعلمنا كيف نحافظ على حدود الله ونحفظ أمانته فندخل بيوتنا ونقفل علينا أبوابنا ونجد الماء والطعام والزوجة، فنعرض عن كل ذلك امتثالا لأمر الله وحفاظا على أمانته, وبالإضافة إلى هذا وذاك أمرنا الحق سبحانه وتعالى بالتخلق بالخلق الحسن في هذا الشهر والتدرب على هذا الخلق ليكون دأبنا وشعارنا وخلقنا طيلة السنة.
هناك من الناس من أحال شهر رمضان إلى شهر أكل وشرب في الليل ، ونوم وكسل في النهار . فما توجيهكم في ذلك؟؟؟
شهر رمضان شهر العبادة والعمل والاجتهاد، يصوم الإنسان يومه ويقوم ليله، ويجتهد في نيل رحمة الله ورضاه،دون أن يغفل عمله ولا أن يتكاسل في كده وسعيه من أجل الرزق وتحقيق مصالح العباد، لأن العمل عبادة وفي خدمة الناس والاجتهاد في طلب الرزق أجر وثواب عند الله، فكيف يمكن للمسلم أن يعتبر شهر رمضان شهر الكسل والنوم والتقاعس عن العمل بدعوى الصيام، فالصيام عبادة والصلاة عبادة، والعمل عبادة، ولا يحصل المسلم على الأجر والثواب إلا إذا حافظ على صيامه وأقام صلاته، وحرص على الاجتهاد في عمله، بحيث لايفرق بين يوم صومه ويوم فطره، بل يجتهد وينتج في رمضان أكثر من غيره من الأيام.
أما ما يقوم به البعض من النوم طول اليوم أو التغيب عن العمل والتقصير فيه بحجة الصوم فليس من الدين في شيء بل هو خروج وابتعاد عن المغزى الحقيقي للصوم والغاية منه.
توبة الحواس برمضان ، كيف ننجح بتحقيقها..؟؟
إن الله سبحانه وتعالى فاضل بين الأزمنة فاختار منها أوقاتا وأياما وساعات خصها بمزيد من الفضل وجازى عن العمل فيها بعظيم من الثواب. ليكون ذلك أدعى إلى الاجتهاد في طلب مرضاة الله, واغتنام الفرص لاجتلاب ثوابه وأجره, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله. فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده).ولعل أعظم فرصة وأفضل زمان هو رمضان وقد أمرنا الله سبحانه بصيامه والتقرب إلى الله فيه بشتى أنواع العبادات، ومن أفضل مانتقرب به إلى الله فعل ما أمرنا به واجتناب ما نهانا عنه، فإذا عاهدنا أنفسنا في هذا الشهر على العمل الصالح فأول ما يجب أن نبدأ به كف جوارحنا عن السوء، فلا ننظر إلى محرم، ولا نتتبع عورات الناس، ونبتعد عن الغيبة والنميمة وكلام السوء، ولا نسعى إلا في الخير، فإذا فعلنا هذا وتدربنا عليه، وعاهدنا أنفسنا على الاستمرار على هذا النهج فسيكون أكبر ربح لنا من رمضان، ونكون قد حققنا المراد من العبادة في رمضان شهر التربية والسلوك.
رمضان هو عبادة ، و العبادة هي بالدرجة الأولى معاملة ، فكيف لنا أن نزكّي عبادتنا بمعاملاتنا مع الاخر؟؟؟
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” الصيام جنة , فإذا كان صيام أحدكم فلا يرفث ,ولا يصخب, فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم. وقال أيضا: “إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم وتجنب أذى الخادم وليكن عليك وقار وسكينة, ولا تجعل يوم فطرك كيوم صومك” ففي هذه الأحاديث وغيرها إشارات واضحة إلى أن رمضان ليس شهر صيام وقيام فحسب بل هو أيضا شهر أخلاق ومثل عليا يربي عليها الإسلام أبناءه ويدعوهم إلى التمسك بها, وجعل هذا الشهر محطة من محطات التعلم والتدرب على ذلك , فلا صيام لكاذب أو متكلم بالسوء في الناس, أو مفسد لما بينهم من ود وأخوة, أو شاهد زور, أو مؤذ للناس بلسانه أو بيده أو …
لأن الدين الإسلامي هو دين العبادة والعلم والأخلاق فمن فرط في شيء من ذلك فقد فرط في ركن من أركان هذا الدين.وقد جعل الحق سبحانه وتعالى هذا الشهر مناسبة لمراجعة النفس وضبطها وتعلمها الأخلاق الحسنة وتدريبها على ذلك حتى تمضي عليه طول السنة ومدى الدهر تمثل الإسلام خير تمثيل وعطي للعالم أجمل صورة عن الإسلام وأخلاق أهله.
اللهم ارزقنا قبل رمضان توبة، وقبل الموت توبة واللّهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
يتبع ………..