سلسلة من كتاب “طنجة عبر التّـاريخ”.. (1) طنجة وسكان غمارة
جريدة طنجة – كتاب “طنجة عبر التاريخ” ( .المرحوم محمد بولعيش.)
الخميس 18يونيو 2015 – 14:22:27
فكتامة اسم مُشتق من كيتيم، وكيتيم هذا ابنٌ ليـابـــان بن يافيت بن نوح. ويابان وغومير أخوان وهما في نفس الوقت ابنا يافت بن نوح. فغمارة اسم مشتق من غومير بن يافت بن نوح. والريف اسم مشتق من ريفات بن غومير بن يافت بن نوح. فغمارة إذن سمّيت باسم حفيد نوح، والريف سمّي باسم ابن حفيد نوح.
وكتامة أيضا سمّيت باسم ابن حفيد نوح. فهذه الأسماء كلها وُجدت في عهد نوح وبعده بقليل. فهي أسماء مقدّسة بهذا الاعتبار. ولكن ليس كل من هاجر إلى غمارة فهــو غمـــاري الأصل، ولا كل من استوطن الريف فهو ريفي الأصل. وإنما الأماكن التي نزلها حفدة نوح وأبناؤهم كجبــال الــريف وجبال غمارة وكتامة، هي أماكن مقدسة لا غير. أما كل من أتى إليها واستقر بها فهو ليس كذلك، وإنما الأمكان فقط مباركة، ببركة حفدة نوح وأبنائهم.
فلنُنصت إلى حديث ابن خلدون بأذن صاغية، ولنتأمل فيما يقول عن هذه الناحية القريبة من ثغر طنجة. فهو يصفها لنا بإيجاز ويذكر من استوطنها من بطون البرابرة. ولقد تصرفت في النص شيئا ما، لأن بلد غمارة يجاور بلد نكّور ومدينة طنجة.
و يُجـاور بلَد نكّـور بلد غمارة، وإلى غمارة ينتسب الغماريون، وهم بطن من بطون المصامدة، من ولد غمار بن مصمود. وقيل غمار بن مسطاف بن مليل بن مصمود، وقيل غمار بن أصاد بن مصمود. ويقول بعض العامّة إنهم عرب غمروا في تلك الجبال فسمّوا غمارة، وهو مذهب عامي. وهم شعوب وقبائل أكثر من أن تنحصر.
أما غمارة في الواقع فقد تسمّت بهذا الإسم لأنها تنتسب إلى من نزلها، وهو غومير بن يافت بن نوح عليه السلام. وهو كما ترى حفيد نوح. أحفيد نوح جد المصامدة البرنوسيّين؟ الله أعلم!
والبطون المشهورة منهم: بنو حُمَيد، وبنو نال، وبنو وزروال، ومتيوة، واغصاوة، ومَجْكَسة. وهم يعتمرون جبال الريف بساحل البحر الرومي أي البحر الأبيض المتوسط من عن يمين بسائط المغرب، من لدنت غساسة، فنكّور، فباديس، فتيقيساس، فتطوان، فسبتة، فقصر المجاز إلى طنجة.
استوطنوا جبـالاً شَاهقة اتصل بعضها ببعض سياجا بعد سياج عرضا إلى أن ينحط إلى بسائط قصر كتامة ووادي ورغة من بسائط المغرب ترتد عنها الأبصار، وتزِلّ في حافاتها الطيور لا بل الهوام، وتنفسح في رؤوسها وبين قُنَنِها الفجاج، وسبل السفر، ومراتع السائمة، وفُدُن الزراعة، وأدواح الرياض.
و يتبَيَّـن لكَ أنّهُــم من المصامدة بَقـاءِ هذا النسب المحيط بسمة فيهم لبعض شُعــوبهم يُعرفون بمصمودة ساكنين بين سبتة وطنجة. وإليهم ينسب قصر المجاز الذي يعبر منه الخليج البحري إلى بلد طريف. ويعضده أيضا اتصال مواطنهم بمواطن غرواطة من شعوب المصامدة بريف البحر الغربي، وهو المحيط أي المحيط الأطلانطيكي، إذ كان بنو حسان منهم مستوطنين بذلك الساحل من لدن أزغار وأصيلا إلى أنْفى، ومن هنالك تتصل بهم مواطن برغواطة ودكّالة إلى قبائل درن، أي قبائل جبال الأطلس من المصامدة، فما وراءها من بلاد القبلة أي بلاد الجنوب. فالمصامدة هم أهل الجبال بالمغرب الأقصى إلا قليلا منها، وغيرهم في البسائط. ولم يزل مصامدة غمارة هؤلاء بمواطنهم هذه من لدن الفتح.
وللمُسْلمين فيهم أزْمـان الفتح و قـائــع الَملاحم وأعظمها لموسى ابن نصير، وهو الذي حملهم على الإسلام واسترهن أبناءهم وأنزل منهم عسكرا مع طارق بطنجة. وكان أميرهم لذلك العهد يليان. وهو الذي وفد عليه موسى بن نصير ورغّبه في غزو الأندلس. وكان منزله بسبتة. وذلك قبل استحداث نكّور. وكان في سكان غمارة هؤلاء بعد الإسلام دول قاموا بها لغيرهم. وكان فيهم متنبئون، ولم تزل الخوارج تقصد جبالهم للمنعة فيها والاعتصام.
وهكذا يبدو أن أصل سكان جبال غمارة هم المصامدة بل هم أصل جبال الأطلس بالمغرب الأقصى كذلك. فـالمَصامدة إذن هم سكان الجبال وانضاف إليهم شعوب و قَبـائـل أخـرى بـربريّـة و عربية و حَتَّـى القـوطيين النَّـازحين من إيبيريا إلى شَمـال المغرب.