تنظيف مراحيض المدارس على لائحة “العقوبات الموازية” !
جريدة طنجة – عزيز گنوني
الأربعاء 10 يونيو 2015 – 10:19:02
في هذا الزّمــَان، وقد كُنّــا نـأمَل أن يهتدي الـقائمـــون على التعليم إلى أنسنة المدرسة ، طلعت علينا أخبار تــ “طُمئنُنا” إلى أن دار لُقْمـان لا زالت على حـالها إن لم تكُن قد ازدادَت مَساءة و مَضَرّة و مَثْلَبَة !…
مُؤسسة تعليمية، لا كــالمُؤسسات، ابتَدعت “منظومة للعقاب، على مِزاج مديرها “المُهــاب”، الذي أرغم طفلًا في الحــادية عشرة من عمره، على تنْظيف “مَطاهير” المدرسة، “عقابـًا له على قُبـولـه وَرقــة نقديـة أمَدّتـه بهــا زميلة في صَفه، وفي مثْل عُمره. ولم يكن الوحيد من بين اتـرابـهِ الّـذي قبل بالهَدية، بل إن غيره من اطفال القسم توصلوا بــأوراق نقدسة من زميلتهم “الكريمة”.
مُدير المدرسة، “خمم” وقدر، وراجع ملف الدوريات الوزارية المتعلقة في بالعقوبات المدرسية ، واهتدى إلى عقوبة “مُثْلَى” تجعل الطفل يُدير لسانه في فَمه سبْع مرات قبل أن يَقبل هدية من أي كـائــن كــان….
“أوريكا…أوريكا” !….
وضع المدير يده على العُقـوبــة المُنــاسبة للفعْل “المُجْــرم”، و أمـرَ الطفل بتنظيف مَراحيض المدرسة والذي يعرف حـالـة مـَراحيض يتَنـــاوب على استعمـــالها يوميــًا مئات الأطفال في مَدارس الدّوْلـة ومَدارس الخواص أيْضــًا، يقدر “جسامة” المُهمة التي أرغَم الطفل على القيام بها، عِقـابــًا له على جُرم لم يقترفه، ولكنه ترتيب مَقادير !…
تنظيف مراحيض المدرسة ــ بما تَحْملهُ هذه العَمليّة من مَهـانـة وحَكْرة واحتِقـار لطفل بين أترابه، وداخل مؤسسة تربوية كان من المفروض أن تربي في الطفل شعوره بالكرامة والأنفة والإباء والنخوة والعزة، وهو ما لم يحصل في “مدرستي الجميلة” التي تجر أطفالها إلى قاذورات وأوساخ المراحض الجماعية ــ ، عملية قاسية قد لا تتحملها أعصاب طفل في الحادية عشرة، وقد تترتب عنها أعراض مرضية ومضاعفات نفسية تسبب فيها “اجتهاد” مدير مدرسة و”تفننه” في استنباط عقوبات “رادعة” لأطفال في عمر الزُهور، تتكَفَّـل المدرسة بإعدادهم للمستقبل، مواطنين صـالحين فَخــورين ببـلادهم وبمدارسهم وغيورين على وطنهم.
وبم بكتف مدير المدرسة بـ “عقوبة” تنْظيف المراحيض و “تخميلها”، و “تسييقها” التي فرضها على الطفل المذكور، بل إنه أضاف عقوبة أخرى من عَنديته، جــادت بها أريحيته، وهي حِرمــانه من حصص الدِّراسة ليومين كاملين. هذا ما رواه العديد من المَنـابـــر الاعلامية التي أدانت العقوبتين معا كمــا شَجبت موقف المدير والنائب الاقليمي لوزارة بلمختار الذي يبدو أنه تعامل بـ “سلبية” مع شكاية أولياء الطفل، حين حاول إقنــاعهم بــأن العُقوبــات المـــوازية’ ضد التلاميذ الغير منضبطين، منصوص عليها في مذكرة وزارية ، ومنها العناية بحدائق المدارس وتنظيف الأقسام أو صباغة الجدران وما شابه ذلك.
وكما يبدو فإن هذه العقوبات الموازية، قد تمكن الوزارة من اقتصاد تكلفة الصيانة في ما يخص نظافة الأقسام الدراسية والحدائق المدرسية وصباغة جدران المدرسة وهذه العملية مكلفة جدا، ولا طاقة للوزارة بتأمينها، وهو ما يلاحظ في العديد من البنايات المدرسية. والحال أن عمليات صيانة المؤسسات التعليمية يمكن أن يتم التوافق حولها بين الإدارة وجمعيات أولياء التلاميذ، دون أيما حاجة لإدراجها في خانة “العقوبات” المدرسيةن موازية كانت أم أفقية أو “عمودية” ( ! ) ….
على أن هذهِ المُذكّرة لمْ تَغْفَل التَّنْصيص على أن العُقوبـــات “المُستنبطة” وفق مزاج المسؤولين “التربويين” لا يجب أن تشكل إهـانـة للتَّلاميذ أو تَحط من كَرامتهم كما أنّـهُ يجب أن تَحفظَ لهُم حَقّهُم في مُتـابعة حِصصهم الدراسية كاملة. وهو ما لم يتم في حَقِّ الطفل المُجْبَر على تنظيف مراحيض مدرسته بأمر من مدير المؤسسة .
أولياء الطفل المُعاقب بهَذه الطريقة المُتَخلّفَة، التي تعود بنا إلى أيام “اقتل وأنا أدفن” حين لم يجدوا من تجاوب لدى النائب، وجهوا رسائل تظلم إلى جهات معنية وإلى مدير الأكاديمية الذي وعد بفتح الملف وأرسال لجنة بحث لتقصي الحقائق ومعالجة الموضوع بالمتعين واللازم !…..
حـالــة هذا الطفل مع مُدير المؤسسة التربوية التي يدرس بها، تدعونا إلى وقفة تأمل في ما آلت إليه منظومة التعليم والتربية، على يد مربي هذا الزمان…. كما تدعونا إلى العودة بالذاكرة إلى تعليم أيام زمان ومعلمي أيام زمان ومديري أيام زمان حين كان التعليم ، تصورا وتدبيرا ومناهج في يد الأجانب، وكانت العقوبات جزء من المنظومة التعليمية، فكان يطلب من التلميذ “الغير المنضبط” إنجاز فروض منزلية كتصريفه لمائة فعل مختلف “أزمنة” الصرف العربي والفرنسي، أو يطلب منه “تصحيح” نصا إملائيا تركت فيه عن قصد أخطاء لغوية أو نحوية ، أو أن يفؤض عليه حفظ واستظهار محفوظة بالعربية أو الفرنسية، أو أن يعطى كتابا مناسبا لسنه ومداركه ويطلب منه تقديم عرض حوله أمام زملائه في القسم…..
هذه بعض “العقوبات” التربوية التي تقوي مدارك الطفل “المذنب” بدل أن تضعف ثقته في نفسه وتجعله أضحوكة بين زملائه الذين لن يترددوا في “اختراع” “كنيات” تلصق باسمه وتلحق به ضررا نفسيا بليغا، وقد تدفعه إلى الشعور بنوع من الكراهية للمدرسة فيقع في المحظور ويكون هو وأسرته ضَحـايـا مدير مدرسة أقدم على قرار غير محسوب العواقب بسنه لعقوبة “موازية”، قد تدخل في إطار مذكرة وزارية، ولكنها قد تخرج التلميذ من المنظومة التربوية بالكامل، وتدخله في دوامة من العقد النفسية التي قد يصعب الخروج منها بالمرة ! ) )….
على أي، الموقف صعب للغايــة. وأسرة الطفل تنتظر، ومَعها جمْعيات أولياء التَّــلاميذ، الإجْراءات التي ستتخذ على مستوى أكاديمية الجهة. إذ المطلوب أن يتحَمّل المُدير تَبعَـات قَراره الخــاطـِئ، و يُعــاقب بحَجم الأضْرار المــــادية والمعنوية التي تسبّبَ فيها للطفل ولأسرته، ولجميع تَلاميذ و تلميذات طنجة،
و مــاذا لو يُحْكم على المُدير بتَنْظيف مراحيض المدرسة التي يتولى إدارتها للمُدّة البـــاقية من السنة الدِّراسية الحــالية !!!….
قد يكون حلاً يُرْضــي جميـــع الأطراف، ويكون عبرة لمن يعتبر !
ربما……
_____________
بقلم : عزيز كنوني
azizguennouni@hotmail.com