النباش يحظى بصفة شريك مُتميّز بمؤسسة عبد الهادي التّازي (1)
جريدة طنجة – محمد وطاش ( .مؤسسة عبد الهادي التازي. )
الجمعة 26 يونيو 2015 – 15:28:11
•بعْدَ الإعلان الرسمي ـ بمقر رئـــاسة جامعة محمد الخامس بالرباط، عن الإذن بتأسيس مؤسسة عبد الهادي التازي بتزكية مولوية شريفة، توصلنا من أسرة الفقيد العزيز، راعية هذا المشروع الرائد، برسالة كريمة، تحمل لنا بشارة سعيدة، هو ذا نصها:
(هكذا كان يحب أن يلقبُك فَقيدنا رحمة الله عليه)
تحية تقدير ووُد
فـإنّنـا نشكُر لَكُم عَـواطفكم ومشاعركم واهتِمامكم الكبير، وذلك لمــا نشَرتمــوهُ في جـريـدة الشمــال (عدد 787 الصــادر يوم الثلاثاء 2 يونيو 2015) تحت عنوان “مؤسسة عبد الهادي التازي منارة علمية تشع نورا بعاصمة البلاد”، وهذا فــإن دل على شيء، فإنّمــا يدل على الحُب الكبير والتقدير الذي تكنونه لفقيد العــُروبة و الوطن.
نحن على يقين بأن الدكتور عبد الهادي التازي كان يبادلكم نفس التقدير والاحترام، وخير دليل على ذلك هي تعليقاته دائما على عمودكم “نبش في الذاكرة بَحْثًـا عن لَحظـات عـابرة وأشيـاء غـابـرة”.
ونَظـرًا للحـب الّـذي كــانَ يَجْمعكم بالفقيد، تسْتــَأذنكم مؤسسة عبد الهادي التّـازي أن تجعل اسمكم من بين أسماء الشُرَكاء المُتميّزين!!
نجَدّد الشُكْر لكم ونتمنى لكم المزيد من التَّـوْفيق والعطــاء.
أهلّ الله علينا رمضان بــالخير والبركـــات، وأعاننا على أداء الباقيات الصالحـــات…
وإنه لمن دواعي الفَخر والاعتزاز أن يحظى شخصنا “النباش” بهذا الشرف العَظيم، حيث تم إدراج اسمه المغمور ضمن قائمة نخبة من أسماء الشُركاء المُتميّزين المـرمـــوقين، ممن تربطهم ذكريات جميلة، وأواصر محبة متينة بالفقيد العزيز تغمده الله بواسع رحمته.
عزيزنــا الـرَّاحل إلى دار البقاء، لاتنفك روحه الطاهرة عن معانقة أرواح أحبائه من الأحياء في دار الفناء، فبين الفينة والأخرى، تزورهم وهم نيام، وتزرع فيهم بذور المحبة والوئام، ففي منتصف شعبان، زارني المرحوم في المنام بابتسامته المشرقة المعهودة دون أن ينبس ببنت شفة، ثم اختفى عن الرؤيا، وقد خلفت ابتسامته العريضة نورا مشعا في دواخلي.
فرحلات محبُنـا التّـازي. أزليـة، تقطع فيها روحه الطـــاهرة ملايير السنوات الضوئية في ملكوت رافع السماوات، مخترقة المجرات لتصل الرحم بأحبتها وهم نيام، شبه أموات. فتبعث فيهم روح الحياة والمحبة والسلام.
وكعـربـُون على تلك المحبة الأبدية التي نكنها لمرشدنا المرحوم، وبعد استئذان أسرته الكريمة، ارتأينا أن نخصص هذا الركن، في هذا الشهر الفضيل، لنشر مقتطفات من كتابه المعنون بـ: “التحليق إلى البيت العتيق” نسأل العلي القدير أن يجعل كل حرف من حروف هذا الكتاب حسنة في ميزان الفقيد العزيز، ألحقنا الله به مسلمين.
التحليق إلى البيت العتيق (1)
مقدمة المؤلف:
كتبت هذه المذكرات منذ موسم حج 1959م = 1378هـ .. وكانت ثالث رحلة لي بالطائرة، بعد أولى إلى باريس في نوفمبر 1955م للسلام على جلالة الملك محمد الخامس عندما عاد من منفاه منتصرا في المعركة التي خاضها مع الشعب لا سترجاع استقلال المغرب، وبعد ثانية إلى دولة الكويت للمشاركة في الدورة الرابعة لمؤتمر الأدباء العرب، ديسمبر 1958م.
كانت رحلة مليئة بالفائدة، عرفتني أكثر ـ وكنت بحاجة إلى ذلك ـ على العالم الذي أعتز بالانتماء إليه، بما يزخر به من معطيات لم أجدها في فضاءات أخرى.
وقد فضلت أن تبقى هذه المذكرات كما كتبتها أول يوم حتى تبقى ذكرى للأسلوب والحدث، وحتى نعرف عن رحلات الرفقة وظروفها وصروفها.
فعسى أن يجد فيها القارئ ما كنت أؤمله من جعله ـ وبكل عفوية ـ في الصورة التي عشتها. إن الكاتب عندما يأخذ قلمه لا يكتب من أجله هو، ولكنه يكتب على أمل أن يشاركه القراء في الظروف التي كان يحياها. ذلك كان حافزي وأنا أسجل مذكراتي في جميع الرحلات الجوية التي قمت بها عبر العالم. وقد وصلت اليوم إلى ما يناهز ألفا وسبعين رحلة، فهل ستعيشون معي في هذه الرحلة التي فضلت أن أعطيها اسم (التحليق إلى البيت العتيق)؟.
د. عبد الهادي التازي
أداب الرحلات
لقد غنيت المكتبة العربية بأداب الرحلات، لكنها ـ أي المكتبة ـ أثرى وأغنى بنوع خاص. ذلك النوع هو الرحلة إلى البقاع المقدسة، فإن الإسلام ـ منذ كان ـ يعد الحج في فروضه المطلوبة، وجميل أن نستعرض هذه الرحلات سنة بعد سنة من أيام الجمال والبغال إلى المراكب الشراعية، إلى السفن البخارية، إلى الطائرة، فإن في ذلك تاريخا للتطور الذي استهدفت له الحياة.
ولقد حبب إلي أن أتحدث ـ وقد أتيحت لي الفرصة ـ عن هذه الرحلة كما تمت في موسم الحج لسنة 1378 هـ أي في شهر يونيه 1959م، وحسبي من ذلك أن أضيف حلقة إلى تلك السلسلة الطويلة من أدب الرحلات، ولقد حرصت على ألا أتاثر بأسلوب حاج سبقني حتى أحتفظ لرحلتي بالطابع الذي أردته لها.
لقد عرف المغرب منذ القدم وفدا رسميا يمثل الدولة في موسم الحج، ولعل أقدم ما بلغنا من صدى عن هذا الركب يرجع إلى أواسط العهد الموحدي، ولكثرة ما تملك المغاربة من هيام بتلك البقاع فقد تعددت الركاب المغربية، وهكذا فبعد (الركب الصالحي) من أسفي، تكون (الركب الفاسي)، منذ أوائل دولة بنى مرين، ثم الركب السجلماسي والمراكشي ثم الشنقيطي، ومن الطريف أن نقرأ عن مدى اهتمام المغاربة بوفدهم الذي كان يتألف من هيئة عليا فيها سراة البلاد، كما يتألف من عدد من رجال الفضل الراغبين في الحج، ويحمل الوفد عادة شارة خاصة به.
التّحليق إلى البيت العتيق
ويقصد الطريق من فاس عبر مدينة تازة إلى الحرمين الشريفين عبر المراحل التي تحدثت عنها معظم كتب الرحلات.
ويحمل الوفد على العادة ما يسمى (الصرة المغربية) بما تحويه من هدايا ثمينة، ورسالة اعتماد الوفد المرفوعة إلى خادم الحرمين من عاهل المغرب، ثم بعد أداء المناسك يكون يوم دخول الركب إلى المغرب يوما مشهودا.
عطفٌ مَلكي
دق جرس الهاتف قبيل زوال يوم الإثنين 3 ذي القعدة 1378هـ/ 11 مايو 1959م ” إن التشريفات الملكية تنتظرك..” وغادرت المكتب بعد أن عهدت لمساعدي بالاعتذار عني وقضاء مهمة كانت تنتظرني. كنت بعد دقائق لدى سعادة الأستاذ السيد أحمد بناني مدير التشريفات الذي سألني (في كلمتين) عن مدى استعدادي للقيام بحج البيت، وبطبيعة الحال أعربت له عن امتناني، ومضيت راجعا إلى بيتي مستعرضا في طريقي ما يلزمني في هذه الرحلة المحتملة.
تدابير صحية
وفي ضمن ما أحدث منذ أعوام تَشْريـعـات تقضي بـــالاحتياط من الأوبئة التي يمكن أن تهدد الحجاج، فإن اجتماع زهاء مليون من البشر في صعيد واحد من مختلف الجهات، في مختلف الأعمار، ومن دون رقابة طبية، أقول: إن ذلك الا جتماع جدير بأن تتخذ من أجله التدابير حتى يتم في أحسن الظروف، وبما أن المغرب المستقبل منخرط في منظمة الصحة العالمية، فقد أصبح عليه أن يضيف الجواز الصحي إلى جانب الجواز العادي، وهو عبارة عن دفتر أصفر يكون بمثابة شهادة دولية بحالك الصحي، وهكذا فقد طلب إلينا نذهب منذ الصباح الجمعة 15 مايو ـ دون فطور ـ للمكتب الصحي ببلدية المدينة، وذلك من أجل تحمل تلك الإجراءات الصحية التي أصبحت ضرورية للذين يقصدون تلك الديار.
بقية الإجراءات
وإذ كُنـا قد تَحمّلْنا مع النـّاس لسَعــات التلقيح، فـــإن شؤوننا الباقية ـ وهي أهم وأكثر تعقيدا ـ عهد بها إلى إدارة التشريفات الملكية، ولا نغفل عن أن تلك الشؤون كانت تتجمع في إعداد الجواز والتأشيرة من لدن سفارة المملكة العربية السعودية، ثم في تصريف العملة المغربية وترحيلها إلى بنك (لاندوشين) بجدة، وأخيرا اقتطاع ورقة الذهاب والإياب على متن الخطوط الملكية المغربية بالطائرة (الكونستطلاسيون)، وما من شك في أن قيامنا بمثل هذه الإجراءات من شأنه أن يتعب، لكننا لم نشعر إلا والأستاذ المسطاسي من التشريفات يزورنا وقد توفر على ظروف تحمل الجواز وورقة الطائرة، إلى جانب حوالة نقدية صلة من لدن جلالة الملك.
(يتبع)