“العقل في خدمة النقل”
جريدة طنجة – محمد العطلاتي ( . أقلام. )
الثلاثـاء 16يونيو 2015 – 11:14:51
كانت النقاشات عادة “مستشرية” و ديدنا “مستفحلا” في أوساط طلاب الجامعات،و لضبطها فإن الطلاب تواضعوا على قوانين و أعراف ملزمة تحكم نشاط”الحلقيات” سواء كان ذلك بالكليات أو في رحاب الحي الجامعي، قوانين لا يزيغ عنها إلا هالك و لا يحيد عنها إلا جاهل.
و كان من البدع المحمودة و الإبداعات المقبولة أن يتصل النقاش و يستمر في حلقيات حتى بعد فض الحلقيات المركزية بغية استكمال الخوض في مواضيع تبدأ بالسياسة و لا تنتهي في غالب الأحيان إلا بالفكر و قضايا الفلسفة.
قبل أكثر من ربع قرن، وكنت حينها “طالبا جديدا” في رحاب الجامعة،انخرطت ذات يوم في واحدة من الحلقيات الفرعية مستمعا لما يقوله الرفيق”البهجة”، قيدوم الطلبة آنذاك، في موضوع العقل و النقل، و ادعى هذا الرفيق، الذي رابط بالجامعة لسنوات عديدة، أن اعتبار المعتزلة فرقةً تُمجد العقل و تأسس على هديه توجهاتها الكلامية ،كلام عار من الصحة، فقد سوى “البهجة” بين المعتزلة و الأشاعرة و قال إن كلا الفرقتين تستند على المنقول و لا حضور للمعقول في ما عرف بعلم الكلام المنسوب لهما.
يبدو لي الآن و بوضوح لا يعلوه الغبار أن رفيقنا “البهجة” كان على صواب،و على قدرة يحسد عليها من بعد النظر و استطلاع آفاق المستقبل المنظور، و الدليل ما أكدته الأحداث و أثبتته الوقائع، فالنقل صار عقيدة و مذهبا يدين به الجميع، لكن الأمر لا يتعلق بـ”النقل” كموضوع من مواضيع علم الكلام الذي وضع اللبنات الأولى للفكر الفلسفي عند العرب، بل باعتباره مرادفا للسطو على انتاجات الآخر و نسبتها لذات النفس السارقة.
خلال الأسبوع المنصرم تحدثت منابر تواصلية عن إقدام صحفي معلوم على سرقة افتتاحية نشرتها إحدى الصحف الفرنسية لكاتب مشهور، و كل اجتهاد هذا اللص الأدبي، الذي لم يحظ بـ”التوفيق”اللازم، أنه قام بتعريب الافتتاحية، إن لم يكن قد استعان بترجمان محلف أو غير محلف.
و خلال ذات الفترة تناقل الناشطون أخبارا، غير “سارة”، عن سرقة فيلم أمريكي كامل و نسبة إخراجه لمخرج مغربي يدعى الناصري،و الواقع أن المخرج المتهم بالسرقة “المخروجة” على وزن “الموصوفة” لم يقم بمجرد اقتباس من الفيلم الأمريكي، بل عمد إلى إخراج نسخة”عربية” كاملة وتسجيلها باسمه.
لكن يبدو أن أخطر عمليات النقل، عن سبق إصرار و ترصد، تلك التي كان أبطالها هم المشاركون في موقعة الباكالوريا، فقد نجح أحدهم في الحصول على أسئلة، أُعدت لاختبار التلاميذ في مادة الرياضيات، قبل الجميع، بل و حصل أيضا على الإجابات الصحيحة،و لأنه، كما يبدو، فاعل خير، فإن الطالب آثر اقتسام هذه الغنيمة، المحصل عليها بفضل معدات الكترونية متطورة، مع “الزملاء و رفاق الحنطة”، و هكذا كان الأساتذة يوم الامتحان، وهم يفرقون على طلاب الباكالوريا أسئلة الرياضيات، موضع سخرية التلاميذ، فالأساتذة، في نظر هؤلاء، لا يواكبون تطورات العصر و “مقالبه” التقنية.
لقد تأكدت التوجهات “النقلية” لدى جميع فئات المجتمع المغربي، بل إن الدولة ذاتها ترعى هذا التوجه و تأسس له بضرب الأمثال للناس، لعلهم ينقلون، فهي لا تتورع عن “نقل” قوانين البلدان الأخرى و نشرها بصحيفتها الرسمية، و حضور “العقل”، في هذا الباب، لا ينبغي أن يتحقق إلا بشرط ضمن مقولة فلسفية تنادي بـ”العقل في خدمة النقل”.