أطنان من “الممنوعات” تلتهمها النيران بتطوان
جريدة طنجة – عزيز كنوني (أوراق مغربية)
الإثنين 11 ماي 2015 – 15:25:14
وإذا كانت الغاية من العنصرة” التراثية، تمثل شعائر وطقوس معتقدتيه، تقوم على البُخور بالنباتات الطبيعية، خاصة العطرية وتلك التي تتغذى عليها الماشية والنحل ومنها الحرمل والشيح والدفلى، يشمها الإنسان فيتطهر ويطهر بها بيته وبيئته وماشيته، فإن عنصرة جمركيي ودركيي تطوان كانت كافية لتخدير كل سكان المدينة.
”الممنوعات” التي تم حرقها وإتلافها كليا، بهذه المناسبة السعيدة، كان قد تم حجزها خلال الأيام القليلة الماضية، من طرف الجمارك والدرك، إما على الحدود مع سبتة التي يتولى المغرب حمايتها من “الغزو” الإفريقي، بمقتضى اتفاقيات وتفاهمات أورو ـ مغربية ، مقابل “العسة” المغربية على طول الشريط الذي يمر بإقليمي تطوان وشفشاون وبساحل الفنيدق والمضيق.
ومن بين تلك الممنوعات التي تحولت، في لحظات، إلى دخان “شيق” ورماد داكن، حوالي 12 طنا من مخدر الشيرا “السوبر” وحوالي 12 طنا من الكيف الكتامي المعتق، الذي صارت بذكره الركبان في بلاد العجم والعربان، وثمانية قناطر من طابا التي بدونها لن يكون الكيف كيفا ولن تتم عملية المزج و”التدريح” كما يلزم، وفق الأصول وكما يريده أهل “الدكة” والمعنى….وآخرها الموت !…
هذه الممنوعات “اصطادها” رجال الدرك وأهل الديوانة، بباب سبتة التي يحرسها المغرب، باسم الصداقة المغربية الاسبانية، ، أو على الطرقات التي يقطعها “العفاريت” السليمانية، وهم ينقلون “بضاعاتهم” المسمومة من “مواطن” الإنتاج إلى مسالك الاستهلاك و…….. “الهلاك” ! ..
تصوروا. 11 طنا من الشيرا، و11 طنا من الكيف !…”تحصل” خلال أيام قلائل. فكم غيرها من آلاف الأطنان “لم تحصل” ومرت “مرور الكرام” تحت أنوف رجال الدرك والجمارك، رغم الحراسة الدقيقة ورغم العم السكائر “البحري” الذي يبدو أنه ليس أحسن حالا من زميله “البري” الجاثم على صدور المرضى والأصحاء بمستشفى محمد الخامس.
لا، ليس هذا كل ما في الأمر، فالقائمة لا زالت طويلة، والبضاعة القوية آتية : 307 غرامات من الكوكايين، و 696 “لفافة” من المخدرات القوية، التي تطير بعقول البشر، و 1458 علبة سجائر “مهربة” ، من تلك التي يتم ترويجها، علنا، من طرف باعة متجولين ، في الشوارع المركزية ……..بكل حرية !…..
ولكن المفاجأة لم تأت بعد…..
المفاجأة هي أن النار أتلفت ما قيمته حوالي 13 مليار سنتيم، في عملية “إحراق” واحدة، دامت بضع دقائق، لتتحول الملايير إلى دخان ورماد. حقيقة أن سوق “الممنوعات” فضاء مفتوح على الكون، تروج فيها، يوميا، ملايير ملايير الملايير وهو أمر مغر بالنسبة للذين يهوون ركوب المخاطر، ومرهق بالنسبة للذين أوقفوا حياتهم على التصدي للمهربين المخربين من أجل شل حركاتهم والحيلولة دون إفلاتهم.
ولم تكن هذه العملية الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، بطبيعة الحال، في سجل الجهات المكلفة بمحاربة “التهريب” المستعصي على المحاربة في كل بقاع العالم، وخاصة في تلك التي …. يعني.. !. وتبقى النار، المحاولة الأخيرة لردع المغامرين، ، الذين يتصرفون بعقلية “اللي في رأس الجمل ، في رأس الجمالة” ! …..
السلعة التي رمي بها إلى ألسنة النار، هذا الأسبوع في مكان معزول من ضواحي تطوان، المدينة التي لابد وأن تكون قد “تكيفت” حلالا طيبا، ولو للحظات، هذه السلعة، تم وضع اليد عليها من طرف رجال ونساء الديوانة، والدرك، بمواقع برية وبحرية، خاصة بباب سبتة وعلى منعرجات طرقية بإقليمي طنجة وتطوان، وعمالة الفنيدق ، ومسارات أخرى حيث تتمركز السلطات المعنية، لرصد تحركات “المهربين” وإفشال مخططاتهم.
وكانت نفس اللجنة قد حضرت “عنصرة” أخرى عند نهاية شهر مارس الماضي بضواحي تطوان كذلك، حيث “أشرفت” على إتلاف أزيد من ثمانية آلاف كيلوغرام من مخدرات “خفيفة” و “قاصحة” وسجائر من النوع الذي تطلبه رئات منخورة أتت عليها النيكوتين السامة ، بين نفَس ونفس، حد الاختناق ، إلى أن يكون الأوان قد فات !……
“العنصرات” في مختلف جهات الشمال وبعضها في الجنوب، تعتبر في أدبيات الجمارك والدرك “حزما” في محاربة التهريب و”عزما” على القضاء عليه. ولكن التهريب “ظاهرة” كونية، وفي المغرب “بنيوية” و”هيكلية”، لا يتصور مواجهته بأنصاف الحلول، وبالتصريحات المطمئنة. إنها عملية معقدة يتداخل فيها السياسي والاقتصادي والديبلوماسي، والريعي ، …وأمور أخرى قد لا تُرى بالعين المجردة !..
_____________
بقلم : عزيز كنوني
azizguennouni@hotmail.com