لقاء حول ظاهرة “الشاب الطنجوي محمد العربي الصمدي”
جريدة طنجة – حوار مع محمد الصمدي رجُل سلطة سابق ( حاوره محمد إمغران )
الجمعة 15 ماي 2015 – 11:13:50
إنني مِثْلَ جميع الصمديين، أتساءَل من أين جاءت هذه الحملة وما هدَفها، فــالشاب المذكور رجل عادي وبسيط، هِنْدامهُ لا يُنـاسب سِنه ، وهُـو يـرْأس مَجموعَة من المُسَمّعين الجَيّديــن الـّذين لهم موهبة في ذكر الله على الطريقة الصوفية السنية بالمغرب والجزائر وتونس وحتى ليبيا. وهذه الحملة إما أن هذا الشاب نفسه هو من وراءها أو أحد المقربين منه! المهم هو أن هناك تخطيطا، ثم إن ظهور شاب آخر بنفس الإسم والشبه والأصل لم يكن صدفة بالتزامن مع هذه الزوبعة.
هل تَعرفون هذا الشاب؟
التقيت به مرتين، الأولى بمنزل نقيب الشرفاء على هامش وفاة زوجته، والثانية في جنازة عمه عبد السلام الصمدي، الموظف السابق بقباضة طنجة.
إذن هو مقرب منكم؟
أعرف جميع عماته اللواتي ازددن بمسقط رأسي، إضافة إلى أبناء عمه المرحوم، ومازالت لنا أملاك مشتركة، منها مطحنة تقليدية للزيتون وجنان مغروسة بالتين والزيتون والرمان بأهل الشريف ـ بني مرقي ـ دائرة مولاي عبد السلام بن مشيش.
إذن نسبكم واحد؟
إننا الطائفة الصمدية من حفدة سيدي عبد الصمد بن مولاي عبد السلام بن مشيش (المدفون بضواحي طنجة ـ بني مصور) وأصولنا من بني عروس، بعد عدة هجرات ما بين فاس وجبال الهبط والأندلس (حيث مازال اسم قريتنا ـ بني مرقي ـ موجودا بناحية مدينة فالنسيا BENI MARKO، وبالضبط بمكان غير بعيد عن منطقة باسم BENI AROSS بإسبانيا الآن. وجيلي وجيل والد الشاب محمد العربي الصمدي يعرفون جيدا أن الأجداد هاجروا إلى قريتنا في قافلة من 40 دارا والتي كانت تسمى “كنفاوة” حسب كتب الأنساب. وحاليا، كنفاوة هي حومة من بني ـ مرقي ـ وتقع على بعد 7 كلم من موقع معركة وادي المخازن، بعد عودتهم من الأندلس واستقرارهم بمسقط رأس أجدادهم ـ مؤقتا ـ في قرية ببني عروس، تسمى “تميزكيدة” “Mesquita” المعروفة، حيث بنوا أقدم مسجد بصومعة أسفل ضريح مولاي عبد السلام بن مشيش. واسم هذه القرية يجمع ما بين الإسم الأصلي الأمازيغي والعربي والإسباني في نفس الوقت.
س. ما أصل الزاوية التي أحياها محمد العربي الصمدي بطنجة البالية باسم الزاوية الصمدية المشيشية؟
إحياء زاوية تتطلـــب الكفــاءة الدينيــــة والروحية، أو بالأحرى لا بد من استيفاء خمسة شروط: خشية الله في السر والعلن، واتباع السنة قولا وفعلا، والنفور من التعلق بأمور الدنيا، والرضى بقضاء الله، خيره وشره، والتوجه إلى الله في المنشط والمكره. أما أن يطلق اسم الصمدية المشيشية على الزاوية، ففيه نظر، لأن الزاوية يجب أن يكون لها سند في عمود التصوف السني المغربي. وتاريخيا، أسس الصمديون زاوية واحدة بالفدان الكبير بأهل الشريف، لما لجأ إلى قبائل الشمال الجبلية مولاي عبد العزيز العلوي. كما كانت قريتنا المكان الذي ارتاح فيه السلطان مولاي سليمان العلوي، لما زار ضريح مولاي عبد السلام بن مشيش، لأن هذه القرية كانت هي الممر الضروري، وعبرها مرت جيوش يوسف بن تاشفين ويعقوب المنصور الموحدي إلى الأندلس بين سبتة ومراكش وفاس. كما أن قرية “بني مرقي” غير بعيدة عن قبر أحد أقطاب الصوفية وهو علي بن وفا المصري (السهوليين) واحتضنت نفس القرية عائلة عبد الرحمان المجذوب (المجاذبة) أضف إلى هذا أن المنطقة قبل تأسيس الدولة العلوية، كانت منطقة نفوذ إمارة غيلان الكرفطي بحكم الجغرافيا، وما استطاع الصمديون الحفاظ عليه كان هو رابطة الشرفاء الصمديين، ومازال موقع “الرابطة” (3 كلم عن قوية “بني مرقي” ـ أحسن موقع بإقليم العرائش) شاهدا على ذلك، والرابطة كانت أقوى من الزاوية. ولما فرضت الحماية الإسبانية على شمال المغرب ، اختاره الإسبان موقع “الرابطة” ثكنة لهم …! انتقاما من عدم استسلام “بني مرقي” رغم استسلام مداشر أخرى “كأورموث”.
ما هـــو سنــد الزاويــة الصمديـــة المشيشية؟
سندها هو سند التصوف المغربي ورائده هو مولاي عبد السلام بن مشيش والذي كان رسميا مفتي المغرب والأندلس على عهد السلطانين، يعقوب المنصور الموحدي وابنه الناصر. وقد احتفظ ابن مشيش بالقطبانية، مدة 30 سنة، دون أن يجهر بذلك، حيث اعتكف بجبل العلم مع أهله وتفرغ للعبادة والأذكار، وكان يدعو الله بما يالي: «اللهم إن قوما سألوك أن تسخر لهم خلقك، فسخرت لهم خلقك، فرضوا بذلك منك. اللهم وإني أسألك اعوجاج الخلق عني حتى لا يكون ملجئي إلا إليك». وقد ورث القطبانية عن شيوخ أولهم عبد الرحمان الزيات المدني، ثم أبو مدين الأنصاري الأندلسي، ثم عبد القادر الجيلاني عن مجموعة من الشيوخ، فهم أبو القاسم الجنيد.. والحسن البصري عن علي بن أبي طالب وأبي بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما يرتبط مولاي عبد السلام بن مشيش بنسب رسول الله عن طريق سيدي مزوار، وهو أول ادريسي نزح من فاس إلى جبال الهبط (7 كلم من قرية بني مرقي بآل الشريف أهل الصمديين) ثم مولاي ادريس، انتهاء بالحسن السبط، حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا السند هـــو لما قبل مولاي عبد السلام بن مشيش، فكيف تطور التصوف، بعد مولاي عبد السلام إلى حد الآن؟
إن التصوف هو علم الباطن الإسلامي ولبه ونواته وجوهره وروحانية الإسلام والطريق للوصول إلى المطلق، وهذا المنهاج اختاره جميع الصوفية السنيين الذين ورثوا مولاي عبد السلام بن مشيش وأساس تلميذه أبو الحسن الشاذلي والذين يجعلون من رسول الله (ص) مثال الإنسان الكامل في الإسلام. والذي نشر طريقة تصوف مولاي عبد السلام في المشرق هو أبو الحسن الشاذلي الذي اعترف لمريديه أبي العباس المرسي وابن عطاء الله الاسكندراني أنه ورث المشيخة عن شيخه بجبل العلم ببني عروس، بعد البحث عنه في كل مكان حتى أمره الإمام الواسطي ببغداد بالرجوع.. لأن قطب الزمان موجود بنفس بلدته.
ومعلوم أن الشاذلية انتشرت في المشرق، قبل المغرب على يد الشاذلي. وقد عادت الشاذلية المشيشية إلى المغرب على يد الجزولي، صاحب دلائل الخيرات مع شيوخه، بعد الغزو المسيحي للأندلس واحتلال البرتغال لمدن الشاطىء المغربي، لما ضعفت الدولة المغربية في أواخر عهد بني مرين وأيام الوطاسيين. ومن بعد الجزولي، جاء عبد العزيز التباع، ثم عبد الله الغزواني والذي أسس زاوية بباب الفتوح بفاس سنة 1519م مع بداية عهد الدولة السعدية، وهو القطب الذي زار مع مجموعة من مريديه جبل العلم، وخلال تلك الزيارة، تعرف بدقة على قبر مولاي عبد السلام بن مشيش، بعد أن وقعت نفس الحادثة مع مولاي ادريس (1465م) حيث تم اكتشاف جسد مولاي ادريس على حاله. فتحركت دينامية اجتماعية، جمعت بين الاهتمام بالأشراف وتأسيس الزوايا.
بعد هذا السرد التاريخي، هل يمكن أن تكون الزاوية الصمدية المشيشية امتدادا لما ذكرتم سلفا؟
أولا، شخص واحد لا يمكن أن يحيي زاوية، لأن الأقطاب الذين ذكرناهم، هم فطاحل في العلم والدين، وقد صاغوا تعاليم ابن مشيش في مختلف فروع التشكيلات الصوفية، طبقا للمدرسة الشاذلية المشيشية. والزاوية الصمدية المشيشية يمكن أن تشكل فرعا، لكن يجب أن تقدم نفسها كمشروع يستند إلى مجموعة من التراكمات دون أن تحيد عن امتداد الزوايا المغربية، ذات السند الشاذلي، وهي الجزولية (870 هجرية) و(الزوروقية 1500م) والعيساوية (1524م) واليوسفية (1525م) والشرقاوية (1700م) والفاسية (1600م) والعياشية والناصرية والريسونية والوزانية (1089هـ) والتي تراجع إشعاعها، ابتداء من القرن 19، حيث زاويتان بارزتان تحتلان الساحة الصوفية، وهما التيجانية (1230هـ) والدرقاوية (1823م) وهذه تمكنت من جمع فروع الشاذلية، ومنها تفرعت عدة طرق. بالشمال، هناك الزاوية الدرقاوية الصديقية وفي الجنوب الزاوية الدرقاوية الإلغية وبفاس الطريقة الكتانية (1345م) وبوجدة الهبرية وفي الجزائر الدرقاوية العليوية وهذه تدعي أنها أكثر قربا من الشاذلية المشيشية.
أين موقع زاوية محمد العربي الصمدي؟
محمد العربي الصمدي شخص ذاتي لا يمكنه أن يحيي زاوية، تحت اسم مشترك وليست له الإمكانيات ليقوم بمهمة الدلالة على الطريق إلى الله والالتزام الحقيقي بالتصوف، لأن عالم القطبانية والغوئية عالم علوي، يدرك بالرقي والسمو في كل شيء، وبالعلم أولا، وبالعمل ثانيا، والجمع بين الشريعة والحقيقة والتخلق والتفقه مع صحة القصد والمقصود والمجاهدة والتجرد من الأسباب والأخذ بالأسباب، وصدق التوجه إلى الله وخلوص نية الاستمداد من الله، والبعد عن الخوارق والنظريات الإشراقية. فقد أوصى مولاي عبد السلام بن مشيش تلميذه الشاذلي: “إذا عارض كشفه الكتاب والسنة، فعليه بالكتاب والسنة وأن يدع الكشف”
آخر كلمة عن موقف الصمديين!
إن الصمديين ساكتون، وفيهم فطاحل في مختلف العلوم. وطبعا لن يسكتوا طويلا عن بعض التجاوزات واستغلال نسبهم الشريف.