كلام وُزراء !
جريدة طنجة – عزيز گنوني
الثلاثاء 19 ماي 2015 – 11:51:36
كلام أطلقه الوزيران على عواهنه، تقطيع وأوزان، لا صلة له بالمدن العتيقة التي لا يبدو من ممارستهما “الوزارية” الناجحة ، أنها كانت يوما في أجندتهما أو حتى في تفكيرهما، ثم إن حال المدن العتيقة على امتداد الخارطة الوطنية، يغني عن السؤال .
الوزير الصبيحي قال إن لدى المغرب “وعي تام” بأهمية تأهيل المدن العتيقة واستثمار التراث اللامادي وتفعيل الجسر الثقافي الجاد والهادف إقليميا وعالميا بشأن قضايا المدن العتيقة.
الشعب المغربي، نعم، واع بقيمة المدن العتيقية ورمزيتها ، لأنه شعب متحضر واختياره لنمط المدن التي صارت اليوم “عتيقة ” كانت تمثل أيامها، أرفع درجات الحضارة والرقي، تصميما وتشييدا وعمرانا وإطارا للحياة متطورا ومريحا، وخدمات اجتماعية فعالة . ولكن هذا الوعي لم يتوفر لدى حكومات هذا البلد المتحضر منذ الاستقلال، حكومات صرفت نظرها عن هذه المدن ولم توفر لها واجب الصيانة والرعاية والحماية، إلا في ما يتعلق بمدينة فاس، وفي ظروف خاصة، حتى بدأت هذه المدن تنهار وتختفي معالمها التي ميزت المغرب منذ اثني عشر قرنا ، وصارت أخبار سقوط الأبواب والأسوار والأقواس والبنايات التاريخية “تزين” صفحات الجرائد، ومع ذلك لم يتحرك “وعي” وزارة الثقافة ولا وزارة السياحة ولا وزارة الأوقاف والشؤون الدينية. وآخر ما روته الصحافة سقوط جزء من سور مراكش قرب القصر الملكي !…
وحين يذكر الوزير الصبيحي أن المغرب أولى عناية خاصة ومنذ سنين طويلة بالتراث اللامادي باعتباره مكونا رئيسيا للحضارة المغربية بما يمثله من غنى وتنوع ثقافي وحضاري ومن أجل حماية التراث الانساني عموما، فإن هذا الأمر ينطبق أيضا على الشعب وليس على الحكومات المتعاقبة التي يبدو أنها لم تكن تعرف معنى” الرأسمال اللامادي” حتى جاء ذكره على لسان جلالة الملك، في إحدى خطب جلالته الأخيرة.
وحين يقول الوزير الصبيحي إن المغرب دائم السعي إلى أنجع السبل للاستثمار الأمثل لمختلف مكوناته بما فيه المدن العتيقة من أجل التنمية المستدامة، فإن “البقر يتشابه علينا” خاصة ونحن نلاحظ بالملموس أن المغرب كدولة، يعني كمؤسسات للتدبير، لم يكن يخصص إلا “دريهمات” لوزارة الثقافة التي صارت تعرف ب “القريب الفقير” كما يقول المثل الفرنسي. هذا ما صرح به يوما في طنجة المرحوم الحاج أحمد باحنيني، والمرحوم الشيخ المكي الناصري اللذان توليا شؤون الثقافة في حكومات من حكومات الاستقلال……
وأصدقكم أنني أصبت بدهشة كبيرة حين صرح الوزير الصبيحي أنه يمتلك “استراتيجية وطنية” تقوم على مرتكزين: الحفاظ على الذاكرة الوطنية وإدراج التراث ضمن “الاقتصاد التراثي” !……
فهل سمع أحدكم، يوما، بهذه “الاستراتيجية الوطنية” وهل أظهرت لنا يوما وزارة الثقافة “حنة يدها” في العمل من أجل “ضمان توارث التراث ونقله للأجيال المقبلة”. التي من المنتظر ألا تجد من التراث إلا أطلاله ولن تعرف شيئا عن جمالية المعمار المغربي الأصيل. فالقصور ، طينية كانت أو صخرية، تتآكل بفعل عامل الزمن وتتهاوى كأوراق الخريف، بل إن قصبة طنجة تتدهور بالرغم من أن الصيحات الأولى لصيانتها انطلقت في الستينات، أي بعد “عودة” هذه المدينة الدولية إلى أحضان الوطن.
معلمة أخرى كان لها شأن كبير في تاريخ المغرب، أيام عظمته واتساع نفوذه ، قصر المجاز الذي سقط قوس من أقواسه التاريخية منذ قريب، في صمت وعدم مبالاة المسؤولين المعنيين، ما دفع الرأي العام المحلي والجهوي إلى استنكار موقف الحكومة من هذا الأمر، واعتبره تقصيرا في واجب الحفاظ على التراث التاريخي الوطني. ولقد علمنا أن إحدى الجمعيات الأهلية بدأت تقوم ببعض الأشغال الترقيعية في موقع القصر الصغير أو القصر الأول أو قصر المجاز كما سمي في تقارير الذين كان يشكل بالنسبة إليهم مفخرة المفاخر للدولة المغربية.
وما قيل في حق طنجة، يصح في حق تطوان حيث تتداعى معالمها التاريخية على مرأى ومسمع من الولاة والعمال والباشوات والقواد وطابور ممثلي الوزارات … وأخيرا أثرنا قضية “المطامر” التي تشكل جزء هاما من تاريخ صراع هذه المدينة ضد محاولات الغزو الاستعماري منذ القرون الوسطى. والشاون أيضا لها ما تقول في هذا المجال. أما القصر الكبير، فحدث ولا حرج !…. لعلها المدينة “الضحية” الأولى لسياسة الإهمال واللامبالاة التي سلكتها الحكومات المغربية وتسلكها، في حق هذه المدينة التي تصدح بنفائس تراثها الفريد والمتميز. وحين يئس سكان هذه المدينة من الالتفات إليهم أعلنوا أنه لم يبق لهم من أمل ، وقد تخطت البلاد فوق نصف قرن من الاستقلال، إلا أن ينتظروا زيارة ملكية تخلصهم من التهميش الذي يوجدون عليه.
فأين هي “استراتيجية” الوزير الصبيحي التي تقوم على “حفظ الذاكرة” بخصوص المدن العتيقة ؟
زميله في الحكومة، الحسن الحداد، وزير السياحة، سار على منواله حين جاء على ذكر التراث الحضاري والمدن العتيقة “التي تعد خزانا لثقافة نمط حياة وعيش يضرب جذوره في أعماق التاريخ”.
كلام إنشائي موزون ومقفى، إلا أنه ينتمي إلى أدب الانحطاط الذي يبقى إنشائيا لغاية أن يوصل صاحبة بصلة . قال له : زه وأعطاه ألف دينار ودينار !!!…..
وبعد “الاطناب” الزائد في حق “المدن العتيقة” التي “تسائله كتاريخ وكذاكرة وكفضاءات ثقافية “نموذجية” للحفاظ على الموروث الحضاري الراقي وتثمينه”، فاجأ الوزير الجميع بإعلانه أن وزارته، هو أيضا، اعتمدت “برنامجا وطنيا” موازيا لـ “استراتيجية” زميله الصبيحي، إلا أنه يتميز بكونه “برنامجا “طموحا” من أجل التنمية “المندمجة” (هذه الكلمة العزيزة على حكامنا ومسؤولينا والتي لا يخلو منها مشروع أو برنامج !..) من أجل تثمين مؤهلات المدن العتيقة.
بالله عليكم، هل سمعتم يوما ما، بهذا “البرنامج الطموح”، وهل شاهدتم وزارة السياحة تطلق في مدنكم “العتيقة” أشغال إصلاح وصيانة وترميم…. بهدف “تأهيل الموروث الثقافي الوطني” حتى تتمكن السياحة الوطنية من تعزيز تنافسيتها وتنويع عرضها !!!…
أم إن “أدبيات” خطب الوزراء تستمد “بريقها” من الخيال الشعري وليس من الواقع المعاش ، حتى تكون الخطب “جميلة” ومنمقة ومحفزة على التصفيق القوي والحار.
إنه كلام وزراء !!!….. !
_____________
بقلم : عزيز كنوني
azizguennouni@hotmail.com