طنجة أكبر من الوالي وأكبر من العمدة…
جريدة طنجة – م.ع ( خبايـا تـوتـر العلاقة )
الإثنين 25 ماي 2015 – 09:31:28
وكانت قضية إعدام ساحة نواكشوط من طرف الوالي اليعقوبي، أياما معدودة قبل تدشينها من طرف العماري صحبة عمدة نواكشوط، أحد التجليات الكبرى لهذا التوتر، الذي يكاد ينفجر في العلن…
لكن دعونا بداية أن نعود للوراء لنبش خبايا الصراع الخفي بين قطبي تدبير الشأن المحلي بمدينة طنجة…
الوالي حصاد كان يميل لتفويض الاختصاصات لرؤساء الأقسام، وكان حريصا على إشراك المنتخبين في اتخاذ القرارات، حتى وإن كان لا يأخذ برأيهم في الكثير من الأحيان، كما أن حصاد كثيرا ما كان يتغاضى عن المخالفات التي يرتكبها المنتخبون، بل كان مبادرا إلى البحث عن مخرج لأي منتخب تورط في فضيحة ما، ربما لأنه كان مؤمنا بعدم الجدوى من توتير الأجواء بين سلطات الوصاية والمنتخبين، ولأنه كان منشغلا بتنزيل البنيات التحتية المهيكلة، التي ستخدم المدينة في الأمد المتوسط…
هذا الأسلوب بقدر ما كانت له من الإيجابيات، أبرزها إطلاق حرية المبادرة و الحفاظ على علاقة طبيعية مع المجالس المنتخبة ولو في حدودها الدنيا، بقدر ما كان لهذا الأسلوب العديد من السلبيات، أبرزها شعور المنتخبين بغياب المراقبة، وأن هناك من سيحميهم في حالة ارتكابهم للمخالفات، وهذا ما شجع الكثير منهم على التورط في فضائح كانت ستنتهي بهم في السجن لولا الموقف الصارم لحصاد بعدم جرهم إلى القضاء…
مع دخول اليعقوبي إلى مبنى ولاية طنجة خلفـًا لمحمد حصاد، تأكد أن للرجل أسلوبه المُغـاير إلى حـد التنـاقُض…
فبقدر ما كان حصاد يمنح مساحة من الحرية لمرؤوسيه، بقدر ما فرض اليعقوبي عليهم عدم مغادرة مكاتبهم من دون تعليمات مباشرة منه، بينما علاقته مع المؤسسات المنتخبة فقد ظهر منذ الوهلة الأولى أنه لا يكن لها الكثير من الود، وأنه من أنصار مدرسة التكنوقراط، التي تؤمن بالعمل في الميدان، ولا وقت لديها تضيعه في النقاش والجلسات العمومية والنصاب و المساطر والانتخابات والسياسية…
أكثر من ذلك أبدى اليعقوبي تشككا كبيرا في نجاعة كل ما يصدر عن المؤسسات المنتخبة، فجميع القرارات والصفقات التي تحتاج إلى مصادقته، باعتباره سلطة الوصاية، تظل مركونة لدى قسم الجماعات المحلية بالولاية، حيث لا يجرؤ أي مسؤول على تذكيره بها، تحت طائلة التعرض للعقاب القاسي، ولعل في قرار نفي رئيس قسم الجماعات المحلية السابق، مسود، من مبنى الولاية إلى مكتب حقير بقيادة أحد الغربي،عبرة لمن لا يعتبر…
أما فيما يتعلق بخرق ضوابط التعمير، مثلما كان مستساغا في عهد حصاد، وتمرير ملفات يشتم منها روائح “الـﮓـرمومة“، فإن اليعقوبي أبدى صرامة لم يتوقعها المنتخبون، بل أبدى تشددا كبيرا بعد ترسيمه في منصبه، وإن كان اليعقوبي لم يكن صارما بالقدر نفسه مع جميع من له حق التوقيع على رخص التعمير!…
طبيعة اليعقوبي المؤمن بمباشرة العمل الميداني بنفسه، والتدخل في كل كبيرة وصغيرة، خلق نوعا من عدم الارتياح لدى المنتخبين، الذين رأوا في ذلك تضييقا عليهم، وإظهارهم في صورة العاجزين عن حل مشاكل المواطنين…
وإذا كان منطق اليعقوبي يرتكز على ضعف المنتخبين وعجزهم عن إيجاد الحلول للمشاكل المتراكمة في المدينة، وهذا له جزء كبير من المصداقية، فإن المنتخبين بالمقابل يشتكون ضعف الوسائل ومحدودية السلطات التي بيدهم. فالوالي من حقه اتخاذ القرار والشروع في تنفيذه حالا، من دون احترام للمساطر وللإجراءات المعقدة، وله السلطة المباشرة على جميع المسؤولين وممثلي القطاعات الحكومية بالمدينة، بينما رئيس جماعة لا يحق له اقتناء نصف كلغ من الإسمنت، أو مصباح للإنارة العمومية من دون تأشيرة الوالي…
وكان من الطبيعي جدا في ظل هذا التناقض بين رهانات الوالي من جهة ورهانات المنتخبين من جهة ثانية، وفي مقدمتهم عمدة المدينة، أن يقع الاصطدام…
ثم جاءت مشاريع طنجة الكبرى، التي أسند أمر تنفيذ معظم صفقاتها للوالي اليعقوبي، علما أن جل هاته الأوراش تدخل ضمن اختصاصات الجماعة الحضرية لطنجة. وبالنظر لأسلوب اليعقوبي، المهووس بالاحتفاظ بجميع التفاصيل لنفسه، فإن المنتخبين صاروا في حالة شرود أمام المواطنين، وأصبحوا في مقام ” الأطرش في الزفة” على حد قول الإخوة المصريين…
وللموضوعية، فإن مجلس المدينة بموارده البشرية وبإمكاناته اللوجستيكية ليس في مستوى تحمل مسؤولية تنزيل مشاريع طنجة الكبرى، وبالتالي فإسناد هاته المهمة لمؤسسة الوالي كانت خيارا صائبا…
لكن من غير المقبول كذلك أن يتم تهميش المنتخبين وكأنهم زائدة دودية لا فائدة مرجوة منها، والحال أن ملك البلاد أكد في أكثر من مناسبة على تعزيز نظام الديمقراطية المحلية، وهو ما رسمها دستور 2011…
الذين ينطلقون من تبخيس دور المنتخبين، وإظهارهم في موقع العاجز عن تحمل المسؤولية، وأنهم لا هم لهم إلا تضخيم الأرصدة البنكية والتسابق نحو اقتناء أفخم السيارات، هم صادقون إلى حد ما فيما يذهبون إليه…
والذين يطالبون باحترام اختصاصات المجالس المنتخبة، ووضع حد لتغول سلطة الولاة والعمال، لهم كامل الحق فيما يذهبون إليه، خاصة وأن الدستور اختار اللامركزية والديمقراطية المحلية أحد دعائم النظام السياسي ببلدنا…
ما العمل إذن؟
القانون ولا شيئ غير القانون، لا يعقل أن يبقى تداخل في الاختصاصات، ولا يعقل أن يتصرف مسؤولو الإدارة الترابية بدون ضوابط قانونية، هناك مبدأ أساسي في الدستور: ربط المسؤولية بالمحاسبة، وللي فرط يكرط، من الطرفين…
وبالعودة لطنجة، أعتقد أن المصلحة العليا للمدينة أكبر من أي صراع على الاختصاصات بين اليعقوبي و العماري، وأكبر بكثير على أي سباق نحو من يسجل الفوز بالضربة القاضية…
خدمة المصلحة العامة تقتضي من الجميع الالتزام بقوانين البلد، لا حصانة يستمدها أي طرف من أي جهة كانت، ولا إفلات من العقاب لأي كان مهما كان وضعه ولا طبيعة علاقاته…
فطنجة أكبر من اليعقوبي وأكبر من العماري…
نتمنى أن تصل الرسالة…