انهيار الأمة العربية: نقص في الثروات الطبيعية أم الثروات الإنسانية
جريدة طنجة – أمال المتدين ( الأمة العربية)
الثلاثاء 19 ماي 2015 – 16:53:47
إذا تحدثنا عن البلدان العربية و بــالضبط علاقة شعوبها ببعضها بغض النظر عن حكوماتها وسياستها ، فأبدا لم يسجل التاريخ تهكمات وإساءات لفظية أو مادية أو معنوية بين العرب مهما اختلفت أوطانهم ومهما كانت العلاقات السياسية مشحونة بين حكوماتهم ،فالقومية العربية كانت تسري في الدم ولا شيء يستطيع خدشها، أما اليوم وفي ظل حرية الإعلام العربي فيكفي أن تفتح صفحة فيسبوك لترى السب والشتم واللعن المتبادل بأبشع المفردات بين إخواننا العرب على نطاق واسع إذ تقذف حضارة بلد عربي وأهله وأخلاقه بالسب وربما يخرجوه من ملة الإسلام ،هذا الذي أقوله شيء كائن على مرأى ومسمع الجميع وان لم يكن السبب سياسيا فقد يكون بسبب مباراة كرة القدم أو ربما بسبب فنانة.
وما يزيد الطين بلة هو عندما يكون هذا السب والشتم من طرف مذيعين أو مسؤولين مرموقين وحتى من طرف المثقفين إلى حد كبير، إذ يخرجون بتصريحات ربما تفيدهم أو يستفيد منها أشخاص معينون ولا تزيد الدول العربية إلا عداوة، بل تؤدي إلى تشتت الشعوب العربية ولحد الآن لا نعرف ما الغرض من هذا التشتت ولماذا وكيف سايرنا ذلك؟ ومن المستفيد ؟؟
لقد فشلت البلدان العربية فشلا كبيرا في الاجتماع والتوحد على مستوى كل المجالات سواء السياسية منها أو الاقتصادية، إلا أنه توحد في الظروف السيئة التي تعاني منها الشعوب فغالب العرب إن لم نقل الكل يعانون في بلدانهم من تدني الصحة والتعليم والدخل الفردي، إذ أغلبية الدول العربية تتخبط في مستنقع العالم الثالث هدا المصطلح الذي صنعته لنا الدول الغربية واسترحنا فيه ، ففي سنة 5291أصدر السياسي الفرنسي ألفريد سوفيه مقالة أطلق فيها اسم العالم الثالث على كل الدول التي لا تنتمي إلى أوروبا وأمريكا الشمالية والدول الشيوعية . وفعلا الدول العربية أكدت وجود هذا التقسيم ووضعت نفسها في خانة العالم الثالث أو الدول النامية إذا حالفها الحظ .
إن تمركز بعض الدول في قوقعة العالم الثالث هو بمثابة لعنة تدفع الشعوب ثمنها باهظا ، ولعل هذه الأخيرة – أي الشعوب – تتحمل قسطا وافرا من المسؤولية من حيث هذا التصنيف ، فنحن نكتفي عادة بتحميل المسؤولية للقادة والحكومات فحسب، في حين أرى أن المسؤولية تكون مشتركة بين القادة والشعوب معا. وإذا كانت الحكومة والمسؤولين يشكلون الخيط الرفيع الناظم للعلاقة بين الشعب وقادته ، فهذا لا يمنع من وجود أمثلة لقادة ناجحين مدوا جسور التواصل المباشر مع شعوبهم، كما هو الشأن بالنسبة للعاهل المغربي الملك محمد السادس ، وشيوخ الإمارات والسيد رئيس تركيا و….و القائمة ليست طويلة. ولعل القاسم المشترك بين هؤلاء القادة هو مد اليد إلى الشعوب والتواصل المباشر معهم ، إذ ليس مستغربا أن تجد أحدهم أمامك وأنت في طريق عمومي أو في سوق معين ، أو على مستوى شارع مليء بالمارة.
و إذا تحدثنا عن فكرة الخروج أو إمكانية الخروج من هذه القوقعة فربما يجدر بنا استحضار شخصية لي كوان يو الأب الروحي ومؤسس سنغــــافورة الحديثة ،و لعله شخص استطاع أن يخرج وطنه من المعاناة ومن التعصب الديني والسياسي والعرقي ومن ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة ، وكذلك من مخلفات الاستعمار وأطماع الغير ، كل هذا مع قلة الموارد الطبيعية إن لم نقل انعدامها ،لقد استطاع لي كوان يو أن يصل بسنغافورة إلى دولة يحتذي بها في كل المجالات سواء منها الاقتصادية والسياسية أو الإنسانية والعمرانية، هده المعجزة الإنسانية التي قام بها هذا الرجل ودونها في كتاب يحمل 007 صفحة يسرد من خلالها سيرته الذاتية وهي سيرة سنغافورة، فهو يحكي فيه من بدايته الوعرة التي كانت تشبه حلما مستحيلا إلى أن أصبح اليوم واقعا ملموسا وحلما للآخرين، و بعد أن اطلعت على بعض من مضامين هذا الكتاب فإنني سطرت بالخط العريض على جملة قال فيها :» ولقد قمنا دائما باختيار العنصر الأفضل لأي مهمة أو واجب .مهما كانت انتماءاته أو أصله أو دينه» فعلا جملة عظيمة تنقصنا مضامينها في أوطاننا العربية، فأغلب المهمات تمنح بالتدخلات أو المصالح الحزبية وعلى ذلك تقسم الحكومات . وفي الأخير شخصية لي كوان يو تستحق التوقف عندها فهو مثال لكل الناس فقد بين بوضوح أنه لا مستحيل أمام الإنسان إذا هو احترم الإنسانية كما يجب .
أما إذا بحثنا عن التجربة العربية في هذا الموضوع فأكيد سنستحضر شخصية الشيخ زايد بن سلطان أول رئيس وموحد لدولة الإمارات العربية المتحدة التي تعتبر اليوم منافسا كبيرا للدول المتقدمة بل تفوقها أحيانا في بعض المجالات ، إذ أن الشيخ زايد رحمه الله لم يكن يعتني فقط بالضروريات والاحتياجات الأولية لشعبه كالصحة والتعليم والسكن والغذاء والأمن ، كما هو حال الدول العربية اليوم ،بل تجاوز هذه المطالب وسعى إلى ضمان السعادة والفرح لشعبه، إذ جاء على لسانه «واجبنا أن نحدث الأشياء التي تفرح الإنسان» فقد جعل زايد فرحة الإنسان واجبا على عاتقه مع أن الفرحة تأتي بعد الضروريات .
عندما نتكلم عما وصلت إليه الإمارات اليوم من تقدم وازدهار واحترام للإنسانية ، فإن أغلب التفسيرات العربية ستقول إن مصدر هذا التقدم هو الثروة النفطية ، وأنا أقول إن الإمارات أكثر تقدما من بلدان تفوقها من حيث الثروة النفطية، وكم من بلدان عربية تزخر بالثروات الطبيعية لا تملكها الإمارات إلا أن شعوبها بعيدة عما يعيشه شعب الإمارات اليوم من تسهيلات على جميع المستويات مع العلم أن الإمارات بحكم موقعها الجغرافي كمنطقة صحراوية ،عانت وقاست من الظروف الطبيعية التي لم يتسبب بها الشيخ زايد لتقف أمام حلم التقدم والتغيير، وقد جاء على لسانه : «لقد علمتنا الصحراء أن نصبر طويلاً حتى ينبت الخير، وعلينا أن نصبر ونواصل مسيرة البناء حتى نحقق الخير لوطننا».
إن حلم الشيخ زايد رحمه الله لم يتوقف أبدا بعد مماته ، بل استمر خليفته الشيخ خليفة على نفس الخطوات ، وكذلك كل شيوخ الإمارات استمروا في قهر المستحيل ،فقد جاء على لسان الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي الذي أعتبره مهووسا بالرقم 1 ويتشبث به « لا مكان لكلمة مستحيل في قاموس القيادة، ومهما كانت الصعوبات كبيرة، فإن الإيمان والعزيمة والإصرار كفيلة بالتغلب عليها» ، بهذا الإصرار والتلاحم بين القادة والمسؤولين والشعب الذي له دور كبير ،تخطوا دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تحقيق المستحيل ، فزائروها اليوم من كل مناطق العالم ينبهر بصرهم بما عليه الحياة هناك ، لكنني حقيقة خلال زيارتي لها ، لم انبهر بالأبراج والعمران بقدر ما انبهرت بالأمن والأمان ، ففي دبي لا مشكلة إذا تركت باب بيتك مفتوحا فتأكد سيبقى كما هو ولن يقفله أحد ، في حين في بعض البلدان ضروري أن تقفل باب بيتك ، وبما تحتاج لأكثر من قفل عسى تجده بأمان.
موضوعي اليوم فعلا هو محاولة لإثبات أننا نحتاج لثروات عقلية إنسانية أكثر بكثير من الثروات الطبيعية ، فالإنسان العاقل هو من يستطيع التعامل مع هذه الثروات للاستفادة منها جميعا ، يقول زايد رحمه الله : «إذا كـان الله عز وجل قد منّ علينا بالثروة فإن أول ما نلتزم به أن نوّجه هذه الثروة لإصلاح البلاد، ولسوق الخير إلى شعبها» . فعلا فان توجيه الثروة هو ما ينقصنا، فلعلكم تعلمون أن القسط الأكبر من الثروات الطبيعية يوجد في القارة الإفريقية إلا أنها هي القارة الفقيرة الأكثر تهميشا .
من يقرأ عنوان مقالتي ربما يجيبني ويقول أن الأمة العربية تملك ثروات إنسانية كبيرة ، لكنه يبقى في العدد الكم ، وأنا لا أقصد الكثرة بل ما أقصده هو المضمون ، و حتى إن كانت لدينا أدمغة عربية فإنّهــا لا مَحـــال ستكون مهاجرة ومحضونة في ارض أجنبية .
إن انهيار الأمة العربية على مستوى كل دولة على حدة أو على مستوى الفشل في تحقيق الوحدة العربية هو حقيقة كائنة ملموسة للأسف الشديد ، ربما هي نتاج لخطئي أنا أو أنت أو هم أو أنتم أم نحن… أو ربما ناتجة من أخطاء ضمائر مستترة تقديرها هو أو هي أو حتى هم، ومهما اختلفت هذه الضمائر الفاعلة إلا أننا يجب أن نشد على حلم التوحد والتطور، فلن يصير الحلم واقعا ملموسا إلا بنا إلا بعقولنا بأخلاقنا بقلوبنا ، فلنتحد ونترك أسلوب السب والشتم ولنُحــاول إصلاح أنفسنا أولا تم مجتمعنا، لنصل إلا مجتمع عربي كبير وموحد متقدم وقوي وآمن ، نعيد فيه مجد العروبة مجتمع قال فيه المرحوم فخري البارودي :
«لنا مدنيةُ سلفَـتْ سنحييها وإنْ دثرتْ * ولو في وجهنا وقفت دهاةُ الإنسِ والجان
* فهبوا يا بني قومي إلى العـلياءِ بالعلمِ * وغنوا يا بني أمي بلادُ العـربِ أوطاني»
وأظنه خير كلام أختم به مقالتي.