ومن طُقوس ليلة” شْعبانة” ما يفسدُ أجواءَ شَعْبـان ..

قال سلمة بن كهيل: “كــان يُقال شهر شعبان شهر القُــرَّاء، و كــان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حـانوتـه و تَفــرَّغ لقراءة القرآن”؛ و قــال أبو بكر البلخي:” شهر رجب شهر الــزَّرع، و شهر شعبان شهر سقـي الـزّرع، و شهر رمضان شهر حَصـاد الـــزّرع”؛ و قـال أيْضًـا: مثل شهر رجب كـالـرِّيـح، ومثل شعبان مثل الغيـم، ومثل رمضان مثل المطر، ومَن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسقِ في شعبان فكيف يُريد أن يحصد في رمضان؟”.

ولما كان شعبان بمثابة فاتحة خير لـرمضان، شُـرِّع فيه ما يُشْرَع في رمضان من صيام وقراءة قرآن؛ تأهبا لصيام رمضان، وترويض النفوس على طاعة الرحمان.

وفي شعبان ليلة فضيلة هي “ليلة النصف من شعبان“. فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك ومشاحن”. وخرج ابن ماجة بإسناده عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله تبارك وتعالى ينزل لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر فأغفر له؟ ألا من مسترزق فـأرزقه ؟ ألا من مبتلى فأعافيه.. ألا كذا؟ حتى يطلع الفجر”.وعموما فشعبان شهر تنزل فيه البركات، وتكثرالحسنات وتكفرالسيئات..

أما ” شعبانة“باللسان المغربي الدارج ،فهي مناسبة للاحتفاء بهذه الليلة المباركة وتشكل لدى العديد من الأسر المغربية فرصة لإبراز الطابع الديني والرمزي لهذه المناسبة.

وإذا كانت تلك الشريحة ممن نور الله طريقها وهداها سواء السبيل تحتفي بهذه الليلة اقتداء بالسلف الصالح-صياما وصلاة وقراءة قرآن وإشاعة الخير و الإحسان ،فــإن شريحة من أتباع الشيطان ابتدعوا ّليلة شعبانة “لإشباع الذات بما لذ وطاب من الملذات، و إحياء طقوس بدائية ل اتخلـو من مُحرّمـــات و شُبهـات ؛ حيثُ دأبت بعض الطوائف الدينية والتراتبات الأخوية (جيلالة-عيساوة-حمادشة-كناوة )على إحياء هذه اللّيْلة بقَرْع الطُبــول، و نقر الدفـوف، و نَفْخ المَزامير ، و رفـع الأعــلام و إطـلاق البخور،وذبح الذبائح،وإعداد القدور و كذا تناول المخدرات والخمور و إشاعة الفسق و الفُجــور بُغْية التَقرُب من ملوك الجن في ليلة يحدد فيها مصير العديد من بنات حواء الفاقدات الشعور/الغير آبهات بما يحاك لهن في الخفاء من مكائد وشرور.

ولقد أسْهَم المــوروث الشعبي في تَفْريـخ إشاعات و معتقدات تحيل على أمور غيبية مثل كون ليلة” شعبانة “تحدد هوية من سيموتون في ذات الحول، ومن سيتزوجون، ومن سيرزقن بمولود…ورغم أن هذه الأمور تبقى في علم الغيب، إلا أن بعض المغفلين يؤمنون بها، ويتوسلون للجن من أجل إطلاعهم على عامهم القادم، وما ستجود به الأقدارعليهم…كما تقام في “شعبانة” طقوس يتم خلالها إنهاك الجسد بالرقص الصاخب”الجذبة” وذلك لتطهيرالنفس من العلل والشوائب وما يثقلها من ذنوب.

وحسب اعتقاد معلم كناوي مشهور فليلة “شعبانة” تقام للتقرب من الجن، الذي يعتبره مؤثرا في تحديد مصائر الناس أو على الأقل إطلاعهم على مصيرهم في السنة المقبلة الجديدة، ولذلك ينبغي التوسل من ملوك الجن لأجل تحقيق أمنيات العلاج وزوال الفأل السيء، وطلب النجاح في الأعمال وغيرها من الأغراض مثل الزواج، وذلك قبل أن يسجن الجن جميعهم طيلة شهر رمضان، كما تكون الليلة فرصة للسمو بالذات البشرية وإدخالها في جو روحاني،حتى يتمكن أصحاب الحال من تطهير ذواتهم عن طريق الرقص و”الجذبة” و”التحيار”، قبل الدخول في حالات الصرع وأعمال أخرى مفزعة كقطع اللسان وبقرالبطن،هذا فضلا عن شرب الماء المغلى والتهام الشوك و شظاياالزجاج.

والليلة لا تكتمل إلا ب “التوزيعة“، حيث يقوم أحد الحاضرين بذبح تيس قربانا تحت اسم من أسماء الجن والأولياء الصالحين، فيُؤكــل” طاير في السْمــا” كما يقال ببلاغة شعبية.

ولتقريب القارئ من هذه الصورة المشنية والمدنسة لقدسية هذا الشهرالفضيل نقدم للقارئ الكريم ورقة أعدتها باحثة مراكشية نقبت إسمها بلقب”مجدولين الغجرية”تصف فيها طقوس اكناوة في تقديم الولاء لملوك الجان مما جاء فيها:

يقوم السحرة- والعياذ بالله -كل عام بتجديد العهود بينهم وبين خدامهم
السفليين، حسب وقت فلكي معين ودقيق، وأغلب هذه الأوقات تكون إما بالمولد
النبوي الشريف او النصف من شعبان.
وتقام على شرف الملوك السبعة بالمغرب (الميامين والملكة السوداء عائشة /
الباشا حمو/ سيدي موسى / لالة مليكة/ لالة ميرة / شمهروش / البوهالي )
طقوس و بخور و ذبائح و أثـــواب خاصة لكل ملك.

قبل البدء بليلة “الجذبة” يقوم المقدم ب”التبيتة “أي تحضير التمر و الحليب و الفاكهة المجففة و البخور والملابس الخاصة بالرقص، و تبييتها في زاويته او خلوته ليلة كاملة ليأكل منها الجن ويشرب و يتبرك هو،أي المقدم، بالبركة التي تركها له الجن ليلة “التبييتة”،فيدعو مريديه وأتباعه وضحاياه ليحكم سيطرته عليهم بإظهار خوارقه السحرية..

ويحضر أعضاء فرقة اكناوة رافعين أعلاما ذات ألوان ترمز لملوك الجن السبعة (الأسود / الأحمر / الأصفر / الأبيض/ البنفسجي / الأزرق / الأخضر ) والمناداة على الملوك السبعة بأسمائهم ويشرعون في عزف مقطوعات حزينة ولاءا لملوك الجن واحتراما لسمومقامهم؛ كما تقدم لهم النذروالقربان من جمال وأبقاروأغنام ومعز.

بعد ذلك يتم إطعام الحضور، بعد أن يحظى المقدم بالرجل اليمنى من الأضحية ويطهوها في خلوته، تسمى ب”المسوس” أو الحلو حسب ما تم اشتراطه عليه؛ يقتسمها هو والجن ، ثم يرمي ماتبقى منها في مجاري المياه أوفي أماكن خالية.
تبدأ ليلة “الجذبة” بطرق أول باب من أبواب ملوك الجن ،وهو :

باب الملوك السود الميامين
ومنهم، البواب صاحب الباب، و الحاجة ميمونة، و ميمون الغمامي، و ميمون الأسود ،وميمون السحابي .
يلبس المقدم اللباس الأسود، وبخوره جاوي أسود، ففي باب الميامين ميمون الأسودهو الحاكم.
“فوفو دانبا” وهو من ملوك الجن الأفارقة
يحب النار وحرق الشخص المتلبس به بالنار، وعند الانتهاء لن تجد به أي أثر للحروق
اما أشدهم فتكا فهو ميمون الغمامي الذي يحفز على قطع اللسان و ذبح الإنسان لنفسه وبقر البطن.

باب الجن الأحمر (الباشا حمو / حمودة مول الجنوي)
وهذا الباب تتخلله مشاهد رعب ودماء ،لأن هذا الصنف من الجن سادي يحب الضرب والطعن وسفك الدماء.
يلبس المقدم اللون الأحمر ويجهز سيوفه وسكاكينه ،وعلى إيقاع
الموسيقى يطعن أطرافه ويشج رأسه ، اما البخور المفضل لحاله فهو الجاوي الأحمر،
كما يتناول شربة تسمى ب”شربة الباشا حمو” وهي مصنوعة من اللوز و ماء الزهر وقليل من الجاوي الأحمر.
باب الجن الازرق ” الغواصين” ملكهم سيدي موسى
يلبس المقدم اللون الأزرق ،ويضع فوق رأسه “زلافة”يرقص بها،وهي آنية مملؤة بماء البحر والجاوي الأبيض،ويمج من فمه ماء وكأنه يسبح بالبحر.

باب الجن الأخضر
يلبس المقدم لباسا مهلهلا ،إما أخضرا او ممزقا ومرقعابكشكول من الألوان،
يضع تحت إبطه قطعة من الخبز، و بيده اليسرى قطعة من السكر وبيده اليمنى عكازا
وهذا صنف من الجن الدراويش الزاهدين في الدنيا.

لالة مليكة أو مليكة الهواوية
هذه الجنية متأنقة تعشق الحناء والعطور والحلي واللباس الفاخر و اللون المفضل لديها البنفسجي. أغلب المسكونين بها من الزنادقة والشواذ جنسيا، و بخورها المفضل المسكة الحرة والعود القماري، تحب ماء الزهر والحلويات ، طريقتها في الرقص راقية، لأنها ملكة بنت ملوك.

باب الجن الأبيض (باب الشرفاء)
ملك هذا الباب هو شمهروش،لباس المقدم كله أبيض في أبيض: جلباب مغربي و سلهام، السبحة وعصاه باليد اليمنى،و القران باليد اليسرى،بخوره العود الحر.

باب اللون الأصفر وهوباب ميرة وأخواتها
يلبس المقدم اللباس الأصفر ويبدأ بالضحك من دون سبب،فإذا نطق بلهجة أمازيغية دل ذلك على أنه يحب الخواض؛أما بخورميرا فعشبة سرغينة.

باب الملكة السوداء
وهي عيشة / الدغوغية/ السودانية أو الحمدوشية ،تعد هي الملكة الحاكمة على جل الأبواب.
يلبس المقدم اللون الأسود، يطفيء الأنوار ويبدأ في الرقص الصاخب وهويسكب الماء على نفسه ،لأن هذه الملكة تسكن الوديان و الأنهار.

بخورها الحرمل و الجاوي الأبيض؛ تهوى التمرغ في الحناء ،وأكل الزيتون الأسود و الخبز المسوس.

هذه صورة مصغرة لطقوس اكناوية دنجوانية/جاهلية ،تختلط فيها الإناث بالذكور،فيقع المحظورمن أمور.ولتوضيح الصورة أكثر،ندعو القارئ الكريم إلى زيارة بعض المزارات ك(مولاي ابراهيم،لالة عيشة،مرشيش…)حيث تقام طقوس مماثلة،للوقوف على فضائح ومصائب ظاهرة ،وماخفي منها أعظم،على مرآى ومسمع السلطات المعنية وبتزكية منها.ففي أحد أعدادها نشرت جريدة “أحداث اليوم”مقالاتحت عنوان (مغاربة في حضرة “شمهروش” رئيس محكمة الجن بمرشيش).اقتطفنا منه خاتمته التي تصف ما يقع في تلك الليلة الماجنة من مناكرفي خفايا مغارات مرشيش :

“….عادة ما تنتهي الأمسية بليلة حمراء، سيتقمص فيها حراس مغارات مرشيش صفة ملوك الجان، فيقودون النساء المهووسات بالسحر والشعوذة واللواتي يهيآن سلفا لمضاجعة الجان في الغرف غير البعيدة عن مكان «الحضرة» لمعاشرتهم حتى يخرجوا منهن الجن الذي يحتل أجسادهن…
و مع ذلك فعندما لا تفيد الطقوس الاحتفالية ولا القرابين المقدمة في إخراج الجن من مساكنه الآدمية ينصح الإنس بمقاضاة الجن عند محكمة الجن.

المكان يتواجد بمكان غير بعيد عن «ولاد خليفة» مغارات متعددة كل واحدة تحمل اسم ملك الجان يحضرون إلى المكان ليعقدوا محكمتهم بحضور رئيس المحكمة وهو الملك «شمهروش» الذي يأتي قادما إلى مرشيش من أمليل من أجل ترأس انعقاد محاكمة الجان الخارج عن قانونهم. هناك يشعل الإنس الشمع الأبيض ويطلي المغارات بالحناء قبل انعقاد المحاكمة.

ضحايا المغارات وطقوسها يعدون بالآلاف من الأشخاص البسطاء الذين وقعوا في فخ المرض والمعاناة ودفعهم الجهل إلى زيارة مملكة «الجن» طلبا للعلاج أو لتحقيق حاجة في نفوسهم . فجر كل يوم أربعاء تتحول المنطقة إلى سوق مكتظ بالناس، وعلى هامش السوق محتالون ومشعوذون ونصابون وأيضا تجار يقتاتون على هامش الدجل”.

هذه نبذة موجزة عن بعض الطقوس الاحتفالية الشيطانية التي تستهوي في هذاالشهر المبارك السعيد كذا مغفل وبليد(ة)،مما يلزم محاربتها بيد من حديد في هذا العهد الجديد.