آدم وحواء
جريدة طنجة – حمزة الحَسّاني بنطنيش (قصة)
الأربعاء 29 أبريل 2015 – 11:11:44
انتظر حوالي رُبـع ساعـة ، وهُو يَسْتمع على سَمـاعـات أذنه للعَيْطة الجَبلية ، حتَّى وَقفت عليه سَيّـارة تحمـل لـوحــة تـرقيــم (33أ) من نوع فـاخر، رد التحية من مكانه في هُدوء، استأذنه الرجل في أن يقله معه، رَد بفصاحة لسانه الشمالي “الله يرحم يْماك” ابتسم صاحبه كثيرا، وقال: من أين؛ طنجة، أم تطوان ؟ رد محمد في عجب: طنجة ! هل أنت من هناك؟ أنا عبد الله، مراكشي، عامل بضيعة فلاحية بتــارودانت، التي تجلس بجنبي، ابنتي “رولا” تمتم محمد “رب هب لي من الصالحين” وأردف: تشرفت بمَعرفتكما كثيرًا، وهذا شرف كبير لي، وأنا شديد الحب للهجة المراكشية، دارت رولا إليه مبتسمة وقالت في عجب، ونظرات حركت كيان محمد: نحن بدورنا نعشق اللهجة الشمالية، لم ينتبه محمد لكلامها إلا لمفردة “نعشق” الدافئة !
سأل عبد الله صاحبه: وأنت ما سبَبُ قُـدومك ؟ يرفــَع رأسه قليلا من ورقــات طبوغرافية كانت بيده وقال: أنا مغرم بالأحجار الكواكبية المتساقطة على الأرض، وأتَيْت طاطا بحثا عن مبتغاي، عَلّي أجد ضالتي هنا، وألتقط صورا يخلدها التاريخ، كل هذا للصور ! هكذا ردت رولا
وعلى عجل دخلوا المدينة، أخذ محمد بعض الدراهم لتسديد فاتورة الركوب، رد عليه عبد الله في عجب: الله آودي ! استحى محمد ورجع لنفسه في خجل، وطلب المعذرة مرارا، حتى أضاف عبد الله: على هذا القبل لا بد وأن تتناول صحبتنا وجبة غذاء، حتى تعلم كرم المراكشيين، إذ لم تكفك الصحبة إلى المدينة، وهو يبتسم، بادله محمد الابتسامة، وقال: هذا فخر كبير والمعذرة مجددا، ورولا ما لها من رد غير نظرات من المرآة التي تقابل محمد، والأخير يتجاهل ذلك، ويأخذ ويرد في الحديث مع عبد الله وهو في أشد العجب بنفسه !
اقتنوا الطاجين في مطعم متواضع. سأل النادل بفضول عبد الله: لم تعرفني على ابنك أو صهرك من قبل ! ارتفعت أصوات الضحك، والحياء على وجه رولا كحبيبات رمان وضعت على وجنتيها، أجاب عبد الله: هذا رفيق طريق أرسله القدر فحسب، بهَكذا انطلقت الوجبة الغِذائية، جـامعة هذا الثُلاثـي ، و بمُجَــرد أن انتهــوا من تَنــاوُل وَجْبتهم ، طَلب عبد الله رقم محمد، بينَمــا تطفّلَت رولا لتَقـول: مـا عُنْوان صَفحتك على الفيسبوك ؟ هنا سيضطر محمد للكذب: لا أتوفر على حساب بأي موقع اجتماعي، بينما أتاح الرقم الهاتفي لأبيها، و قــال: مرحبا بكم في طنجة.
بدورنا نرحب بك في مراكش. عانق عبد الله محمد، ووقفت رولا للأخير لتسلم عليه، وهكذا انطلق محمد باحثا عن ضالته بين أحضان طاطا.
بعد يوم مثقل بالتعب، اكترى محمد شقة مُتواضعة بالمدينة، و بَدأ لَيْلتهُ بفيلم أمريكي (GoodReads) لتظهر على هاتفه آيفون، رسالة من رقم لا يُـوجد بسِجل الهـاتـف:
(salam cv kantmnna tkon mzyan ou mrta7 fmdina 8riba 3lik mhm ana bali kamel m3ak)
استغرب محمد ! هل أنا مجنون ؟ فمن هي الجنية المغرمة بي ؟ هل تكون بنت هرقل أو أطلس صحبتني إلى هنا ؟ آه ممكن أن رولا أخذت رقمي من هاتف أبيها ؟ ورد:
(أنـا بخير و سلام، كنتمنا تـا تينــا تكون بخير، واش رولا ؟ ). (allah aweddi tbarkellah 3lik ma3andi mangol dki m3a rasek)
(هذه تزكية وشرف منك سيدتي، لك مودتي) . (3arrefni xwya 3la rasek)
(محمد 27 سنة، طنجاوي، أركيولوجي، متزوج، وزوجي حامل بولد روبيو)
(aaaah tbarkellah 3lik assimo ou lah ykmml 3la mratek bl5ir kantmnnalek safar sa3id bslama)
هنا ابتسم محمد بصوت عـَالٍ ، وأطرقَ مَليــا بعد أن شرب كأس هــواي، الذي كان بجنبه، وأخذ يتَساءل: لماذا بنات حواء في هذا الوطن لا يـؤمننّ بـــالصداقة والأخـــوة ؟ لمـــاذا الرجل لا يصلح دائمـًا إلا للحُب و الـزواج ؟ هل الصداقـة مُحرّمـة على جنسين مختلفين ؟
وهكذا أتَمَّ فيلمه وهو لا ينتبه إلا لهـذا الحديث، حتى أطرق عليه النـّـوم !