الإجهاض مرة أخرى
جريدة طنجة - سُميّة أمغـار
الجمعة 03 أبريل 2015 – 09:50:58
وحتى يطمئن رئيس المجلس العلمي لتمارة الصخيرات الذي شارك في برنامج ملف للنقاش لفضائية البحر الأبيض المتوسط، التي تديره بمقدرة عالية الإعلامية جوهرة، فــإن تَقنين الإجهاض لن يكون القاعدة، ولا يوجد من يطالب بذلك، بل استثناء في حالات محددة قانونا وملتزم بها من طرف الأطباء الممارسين علنــًا. ونفس الطمأنة في حق الطبيبة حنان الإدريسي المتشبثة بحق الجنين في الحياة، وليست الوحيدة التي تعمل في هذا الاتجاه. فلقد سارعت خديجة الرويسي رئيسة جمعية بيت الحكمة إلى القول بأنه لا توجد امرأة ترغب تلقائيا وعن طيب خاطر في الإجهاض.
التطورات التي تشهدها المجتمعات البشرية تخلق أوضاعا خاصة تفرض حُلولاً خـاصة اعتبـَارًا لـ “المصلحة الراجحة“.
وفي المغرب أصبحت ما يسمى بالأمهات العازبات ، حوالي 30 ألف، “ظاهرة” تفرض وجودها على المجتمع بينما تنامت ظاهرة أخرى نتجت عن الاغتصاب والعنف وزنى المحارم وأفضت إلى التخلي عن الأطفال الغير مرغوب فيهم لأسباب لا يمكن تجاهلها او الاستخفاف بها لا دينا ولا دنيا، والمؤلم في هذه الظاهرة المأساوية، أن الرضع يرمى بهم بالمزابل ليصيروا عرضة لنهش القطط والكلاب، أو على ارصفة الطرق والمسالك، وفي أحسن الأحوال، يتخلى عنهم في المستشفيات حين تنجح الحامل في الحصول على خدمة مؤسسة من مؤسسات الصحة العمومية، وتنجو من المساءلة البوليسية،… أو يوضعون خلسة بأبواب المساجد ليلا أوعند صلاة الفجر ! …..حيث يتم العثور يوميا على معدل 24 طفلا متخلى عنهم في مثل هذه الظروف القاسية.
هذا في حالة وصول الحمل إلى نهايته، أما الكارثة الكبرى فهي في الإجهاض السري الذي تلتجئ إليه الحامل مكرهة وإلا تعرضت للطرد من بيت الأسرة، أو لجرائم الشرف، أو لتشرد المفضي إلى الابتزاز والدعارة أو للانتحار…..
الإحصائيات الوطنية تقول إن حالات الإجهاض بالمغرب تفوق الألف يوميا وأن 5 بالمائة من وفيات الحوامل بسبب مضاعفات الوضع ناتجة عن الإجهاض السري الذي صار ظاهرة موجودة بقوة في المجتمع، ولكن الحديث عنه كان إلى وقت قريب “طابوها” وإثارته يعني التحريض على الفساد.
ورغم بعض الانفتاح على هذه الظاهرة بفضل الجمعيات الحقوقية النسائية والرجالية، فإنها لا تزال تقود الأطباء إلى السجن والنساء إلى المحاكم حتى أن المحامية خديجة الركاني من تحالف ربيع الكرامة، تحدثت اللقاء التلفزي الذي أشرت إليه سابقا، بنوع من التأثر عن نفيسات تتم جرجرتهن إلى المحاكم وملابسهن لا زالت ملطخة بدم النفاس !!!…
وأمام اختلاف الفقهاء في أمر الإجهاض بين التشدد القطعي والإباحة بشروط ، اتخذ وزير الصحة العمومية الوردي مبادرة وجيهة في لقاء نظم مؤخرا بالرباط حول موضوع “الإجهاض والتأطير القانوني ومتطلبات السلامة الصحية“. ولعلها أول تظاهرة رسمية وعلنية يتم خلالها طرح قضية الإجهاض على النقاش العمومي بدعم من الحكومة، ذات المرجعية الإسلامية.
وحتى وإن لم يكن منتظرا من هذا اللقاء العلمي والحقوقي والديني أن يخرج المتحاورون بحلول أو حتى بمشروع مسودة حلول، فإن اللقاء نجح في إثارة انتباه المجتمع بكل فئاته، إلى وجود ظاهرة الأمهات العازبات وتنامي الإجهاض السري ورمي الرضع في المزابل، كما أن الإحصائيات المقدمة من المشاركين كانت كافية لإقناع المجتمع بخطورة الوضع وبحتمية الوصول إلى حلول في إطار “المصلحة الراجحة” التي تخدم مصلحة المجتمع أولا وأخيرا، وفق منظور علمي محض وخلاصات الدراسات الطبية المتخصصة، وبعيدا عن النظريات الثقافية التي لا تستجيب لمتطلبات المرحلة وإكراهاتها.
الإجهاض ظاهرة مؤلمة تهم آلاف النساء اللائي كان الحمل الغير مرغوب فبه لسبب من الأسباب، طريقهن إلى الموت أو إلى التشرد أو إلى الدعارة.
والمؤسف أن الفتيات و النّساء الميسورات يستطعن الحصول على إجهاض “مريح وآمن” داخل أو خارج المغرب، بينما تلتجئ المعوزات منهن إلى وسائل بدائية وضارة، للتخلص من حملهن، ما يشكل خطرا حقيقيا على حياتهن.
وهذا يعني أن تشدد القوانين المغربية في ما يخص الإجهاض لا تدفع بآلاف النساء إلى الهلاك المحقق، فحسب، بل وتكرس أيضا فوارق اجتماعية غير مقبولة اعتبارا لالتزامات المغرب الوطنية والدولية في ما يخص المساواة بين المواطنين .
وبالتّـالي فالمُطالبة بتقنين الإجهاض ترمي إلى إيجاد حلول “واقعية” لحالات “واقعية في المجتمع المغربي، كالحمل الناتج عن الاغتصاب وزنى المحارم أو إصابة الجنين بتشوهات خلقية أوإصابة الحامل بأمراض عقلية. ويتم الإجهاض وفق شروط معينة يضعها دوو الاختصاص من الأطباء والخبراء في مجال الإنجاب.
أما على مستوى الرأي الشرعي في الإجهاض، فلا أحد يناقشه مبدئيا، ولكن الشرع الحكيم خاطب العقل وأولي الألباب وطالبهم بالاجتهاد في ما يعود بالنفع على المومنين، وبالتالي فإنه ينبغي النظر إلى الإجهاض بنفس نظرة الخليفة عمر بن الخطاب إلى مسألة حد السرقة الذي أوقف إقامته عام القحط لعدم توفر الضمانات الكافية.
والضمانات في ما يخصُنا هي إيجاد مُؤسسات اجتماعية لاستقبال الأمهات العازبات ورعايتهن وتأهيلهن من أجل إعادة إدماجهن في المجتمع، كما يجب توفير الرعاية الصحية للأطفال الذين يولدون خارج العلاقات التعاقدية وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية لهم، والعمل على تربيتهم وتأهيلهم.
وإلى جانب ذلك، يجب إقرار التربية الجنسية في المدارس وسن قوانين صارمة في ما يخص تسريع المسطرات القضائية في حالات العنف والاغتصاب داخل أو خارج الأسرة
والقطع مع النفاق السياسي والحقوقي والاجتماعي بمواجهة هذه الظاهرة بجد وحكمة وموضوعية ، بعيدا عن المزايدات السياسوية والأحكام الجاهزة.
الدولة مطالبة بالقيام بواجبها كاملا إزاء ظاهرة العنف ضد النساء المفضي إلى التحرش والاغتصاب والحمل الغير مرغوب فيه واتخاذ قرارات حاسمة لحماية النساء قبل أن تدينهم المحاكم بتهم الفساد ما يدفع بهن إلى التشرد والضياع ويرمي بهن في أتون الرذيلة، بسبب قوانين لم تعد تساير الأوضاع المجتمعية الجديدة بالمغرب وبالعالم الذي نحن جزء منه و يصيبنا ما يصيبه من تطورات، إن سلبا أو إيجابا.