“و ينتهي الإعراب”
جريدة طنجة – م . العطلاتي
الأربعاء 15 أبريل 2015 – 16:35:29
في المقابل خطى العرب خطى عكس التيار الطبيعي و بذل هؤلاء جهدا جهيدا في محاصرة الفكر الفلسفي العقلاني، ما أدى في النهاية إلى حرمانهم من حيازة مشاعل تنير طريقهم نحو المستقبل و الانفلات من قبضة عصور الظلام الدامس.
عندما أعلن الأوروبيون نيتهم سبر أغوار العالم الجديد خلال عصر الكشوفات الجغرافية، تسلحوا بعلوم جديدة و تخلوا عن “أوهام” الماضي و تناقضاته غير المنسجمة مع المستقبل الحديث، وحققوا إنجازات لا مثيل لها في علوم الجغرافيا و الفلك و الطب و الفيزياء و سائر العلوم الحقة.
وهكذا نقل المستكشفون المغامرون أنوية التقدم نحو العالم الجديد، و خلال عقود قليلة ظهرت إلى الوجود دولة في شمال القارة المستكشفة، سرعان ما أضحت أعظم قوة في العالم، لم تُبْنَ ركائزها علة شيء اسمه الماضي أو التاريخ، بل على مفهوم اسمه المستقبل.
لقد احترف العرب صنعة تمجيد الماضي و التاريخ، رغم بؤسه و انتهاء أسباب وجوده، فصار الجميع ينادي بالعودة إلى الماضي و الاقتداء بنهجه لبلوغ مراتب الحضارة و التقدم.
قد يعتقد كثير من الناس أن داء “تمجيد الماضي” صنعة اختص بها “السلفيون”دون غيرهم من الأقوام، إلا أن الواقع يدل على ذلك، فالحنين إلى الماضي لم يكن يوما عادة لصيقة بهذا الصنف من الناس،بل صار ديدن الجميع، أو بعبارة أوضح: صارت عادة المجتمع بكل أطيافه السياسية و الثقافية. لقد توارث الجميع “حب” الماضي جيلا بعد جيل، السياسيون غارقون في تقديم القرابين إلى راحلين يصفونهم بالمؤسسين، “المفكرون” بدورهم لم يعد بمقدورهم التخلص من “قيود” ماضٍ سحيق مازال يلتف حول أعناقهم، وهكذا أصبحت إجابات معظم هؤلاء حول الأسئلة المؤرقة حول المستقبل لا تتجاوز استعمال عبارات يكون في مقدمتها فعل “كان” الذي وصفه نحاة العرب أنفسهم بأنه “ناقص” يدخل على المبتدأ و يرفعه قبل أن ينصب الخبر، و “ينتهي الإعراب”.