تتويج بطعم الإدانة…
جريدة طنجة – م .العمراني
الأربعاء 08 أبريل 2015 – 10:23:08
طبعا لم يكن ليمر هذا التتويج مرور الكرام، بالنظر لما خلفه من مُفـاجـَأة في أوساط الرأي العام المحلي، الذين يعرفون حق المعرفة الواقع المتردي للمجال الغابوي بهاته المدينة، التي كانت ذات زمن جميل توصف بعروس الشمال…
أبرز المواقف المعبر عنها بخصوص الإعلان عن هاته الجـائـــزة، صدر عن مَرْصـد حمـايـة البيئة و المـآثــر التــّاريخية بالمدينة، الذي استهجن هذا التتـويــج ، مُعتبرًا إيّـــاه تبييضـًا لمرحلة سابقة من التجاوزات و الخروقات والتقصير، كانت تقتضي المحاسبة والمساءلة عوض التتويج والاحتفال، ولا يمكن أن يكون محل تتويج أو أن يصبح نموذجا يحتذى على المستوى الوطني…
المرصد استند في موقفه على الحصيلة السلبية للسياسات والبرامج والمخططات المتعاقبة، التي لم تستطع في عمومها حماية الملك الغابوي للمدينة و تثمينه بالشكل المطلوب. والنتيجة أن الملك الغابوي بطنجة يعاني من مجموعة أعطاب أجملها المرصد فيما يلي:
– عدم تحفيظ الملك الغابوي و تحديده بشكل دقيق و انتشار الملكيات الخاصة فيه و التي تكون مسوغا أوليا لافتعال الحرائق ثم البناء.
– البناء العشوائي الذي يتسع بشكل مستمر على مرأى و مسمع الجميع، و هنا نسجل الوضع المقلق لغابة الراهراه ومسنانة والرميلات و غيرها.
– الحرائق و أعمال التخريب و قطع الأشجار و رمي الردمة و الأزبال و هي ظواهر لا تستثني أي غابة من غابات المدينة.
– غياب مخطط إقليمي واضح و معلوم للنهوض بالمجال الغابوي و تثمينه، و تقوقع المصالح الإقليمية للمياه والغابات على نفسها.
– تساهل المصالح الإقليمية للمياه و الغابات في التنازل عن الملك الغابوي: مشروع تصميم التهيئة المرتقب، الترخيص لنادي للفروسية بمنطقة غابوية، الترخيص لمقبرة وسط الغابة و غيرها.
– عدم وجود أي مخطط تهيئة و تدبير بأية غابة بمدينة طنجة، بل حتى تهيئة منتزه بيرديكاريس تم بشكل انفرادي ودون استشارة المجتمع المدني و المختصين مما جعله يتحول إلى حديقة عمومية و يعرض مؤهلاته البيولوجية والأيكولوجية إلى التلف و يحرم هذا الفضاء من قيمته العلمية الحقيقية ويشوه تراثه الثقافي.
غير أن ما أثار الاستغراب والاندهاش في نفس الآن، حسب ما أفاد به المرصد، هو موقف الجماعة الحضرية، في شخص عمدتها، الذي رحب بالجائزة، وكأنه مقتنع بأن طنجة تستحق فعلا هذا التتويج، والحال أنه يعي جيدا أن تدبير الغابة هو في عمومه خارج نطاق اختصاصها، بل حتى في مجال نفوذها، فجماعة طنجة “الغابوية” تعاني من خصاص لا يقل عن 600 هكتار من المساحات الخضراء للاستجابة للمعدلات الدولية…
وخلص المرصد إلى اعتبار الواقع المتردي للغابات الحضرية وشبه الحضرية لمدينة طنجة، يتناقض ورسالة الجائزة ويعاكس التوجه العام للمملكة و روح الدستور الذي ينص على المسؤولية والمحاسبة و التقييم الموضوعي للبرامج والمخططات، معلنا رفضه للقفز عن الواقع و التغطية عن التدبير الفاشل للملك الغابوي و اعتباره الجائزة بمثابة تزييف للواقع و إهانة للساكنة التي تقف كل يوم على الحقيقة المريرة لغابات المدينة. داعيا “المندوبية السامية للمياه و الغابات و محاربة التصحر” إلى ضرورة التدقيق في المعايير و الطرق التي تعتمدها لاختيار المدن المتوجة، حتى لا تصبح الجوائز فارغة المحتوى بل و تؤدي إلى نتائج عكسية تماما نتيجة التساهل مع الممارسات التي تمس بالغابات و البيئة.
إن ما تعرض له المجال الغابوي ولا زال من استنزاف، بفعل تآمر المنتخبين والسلطات العمومية منذ عقود، يستوجب فعلا فتح باب المساءلة في حق كل من تعاقب على تسيير هاته المدينة، أيا كان موقعه، ممثلا للساكنة أو ممثلا للوصاية، فأبناء طنجة يعرفون تاريخ مدينتهم جَيّدًا ، وَيعرفُــون جَميع المتكالبين على فضائهم الغابوي، واحدا واحدا، ويعرفون جميع الذين أصبحوا بين عشية وضحاها من ملاك مساحات شاسعة من المجال الغابوي، بأجمل المواقع بالمدينة، والتي تساوي قيمتها المالية ملايير الدراهم…
مثلما يتابع المواطن الطنجاوي كل يوم الجرائم التي ترتكب في حق ما تبقى من المجال الغابوي للمدينة، بفعل الزحف الإسمنتي الذي يتزايد بوثيرة متسارعة، بسبب التواطؤ المكشوف لمسؤولي الإدارة الترابية، المتحالفين مع المنتخبين وأباطرة البناء العشوائي، ويكفي القيام بجولة على جميع المجالات الغابوية بالمدينة، للوقوف على فظاعة الجرائم المرتكبة، من دون أن تحرك سلطات الولاية، ومجلس المدينة، والإدارة الوصية على الغابات ساكنا…
إن غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة سيفسح المجال دائما لجميع المسؤولين لمراكمة الثروات واستنزاف ثروات المدينة، لأنهم مطمئنون إلى كون سيف المحاسبة لن يطالهم، وفي انتظار أن يتقرر تفعيل الدستور، الذي ينص على المحاسبة، فما على أبناء المدينة، وهيئات المجتمع المدني بها إلا التصدي لهؤلاء الأباطرة، ونسف جميع مخططاتهم، لأن ذلك أقل ما تستحقه هاته المدينة، وهذا أبسط دين على عاتق أبنائها…