التعليم بين مناهج الاستعمار و”استراتيجيات” الاستقلال
جريدة طنجة – عزيز كنوني
الأربعـاء 22 أبريل 2015 – 10:15:35
رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وهو ابن خبير في التعليم ووزير للتربية الوطنية في الحكومة الخليفية بتطوان، و كبير المسؤولين المغاربة عن إدماج المنظومة التعليمية لمنطقة الشمال في التعليم “الفرانكو ـ آراب” المعتمد بالمنطقة السلطانية، إبان الاستعمار الفرنسي، عمر عزيمان اعترف بأن الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000 – 2013 ، “فشل في بلوغ الأهداف المتوخاة منه” بسبب ما اعترته من “اختلالات ونقائص” .
وأضاف أن إشكالية إلزامية التعليم، والنسبة المرتفعة للهدر المدرسي، وضعف التحصيل لدى التلاميذ، والنقص الواضح في تكوين المدرسين، وسوء تدبير القطاع، إضافة إلى التردد الذي طبع تطبيق توصيات الميثاق، أمور كانت سببا في عدم الوصول إلى الإصلاح المنشود لمنظومة التعليم.
المعلومات المقدمة خلال هذه الندوة كانت صادمة بكل معنى الكلمة، إذ تبين من خلاصة تقييم 13 سنة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين،والمخطط الاستعجالي الذي تلاه، تشير إلى تدهور فظيع في مستوى التعليم ، بالرغم من الميزانيات المرتفعة، من سنة لأخرى، المرصودة للقطاع والتي انتقلت من حوالي 25 مليار درهم سنة 2001 إلى أزيد من 62 مليار درهم سنة 2011، بحيث فاقت هذه الميزانيات توقعات المنظومة التربوية بالنسبة للفترة المعنية بتقييم الميثاق الوطني للتربية والتكوين !
وبالرغم من ذلك فإن الهدر المدرسي شمل حوالي 5 ملايين تلميذ وتلميذة منهم 3 ملايين قبل إنهاء التعليم الابتدائي ومليون و 300 ألف قبل إنهاء التعليم التأهيلي. هذا فضلا عن ضعف المستوى الدراسي لدى التلاميذ، ما دفع الوزير بلمختار إلى القول بأن المدرسة المغربية “تعلم الخرايف” للتلاميذ !!!…..ويعلم الله ماذا تعلم الجامعة للطلبة المغاربة الذين يواجهون، بشهادة التقرير الرسمي، تدهور المناخ الجامعي وضعف التأطير وسوء التدبير…..
وبينما “يتخبط” المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي أنشئ بهدف وضع تقرير شامل عن وضع التعليم بالمغرب وإعداد استراتيجية للنهوض بالمنظومة التربوية، فاجأ الجميع، الوزير بلمختار بالإعلان عن “رؤيته” بخصوص المدرسة المغربية في أفق 2030 دون الإشارة إلى عمل المجلس الأعلى، المكلف من طرف جلالة الملك لترصد الاختلالات التي تعتري التعليم بالمغرب وتقديم تصور عام وشامل للإصلاحات التي تتطلبها المنظومة التربوية المغربية.
وكذلك “فعل” لحسن الداودي وزير التعليم العالي، حين أعلن عن مشروعه لإصلاح التعليم الجامعي والذي كان لمجلس عزيمان رأي فيه أزعج الداودي ومناصريه من العدالة والتنمية، ومن بينهم أمينة ماء العينين، وتسبب في تفجر صراع حاد بين الجانبين.
ومعلوم أن مجلس عزيمان يواجه صعوبات كثيرة ، إذ بمجرد انطلاق أشغاله فجر عيوش المعلوم، قنبلة “الدارجة” التي يدافع، ومنذ زمن طويل، عن اعتمادها كلغة تدريس بالتعليم الابتدائي، في محاباة مكشوفة للتيارات المعادية للغة العربية والمناصرة للفرانكفونية.
والحق أن تسلط عيوش على هذا المجلس، يعلم الله بأي وسيلة وأي طريقة، اعتبر “كارثة” بالنسبة للعديد من المختصين والعارفين بقضايا التعليم، وهو الذي جاء من زاكورته ، حاملا مشروع “التدريج” الذي واجه به الخبير العروي في مناظرة تليفيزيونية اتضح خلالها سطحية المشروع العيوشي وتفاهته كما اتضحت النوايا الخفية والبئيسة لصاحيه.
ولا شك أن مشروع عيوش أربك مجلس عزيمان ووضعه أمام مأزق خطير، ما جعله يعجز عن إنجاز التقرير الذي كان من المقرر أن يقدمه حول إصلاح منظومة التعليم، نهاية مارس الماضي !..
من ذلك عجزه عن الحسم في القضايا الكبرى التي تخص إصلاح التعليم، و تحويل النقاش بداخله إلى إشكالية لغة التدريس وتدريس اللغات !..ليدخل النقاش في خندق مظلم، إن لم يكن مستنقعا آسنا. وبالرغم من أن جل الفاعلين في مجال التربية والتعليم، داخل وخارج مجلس عزيمان أجمعوا على أن الدارجة لا تصلح كلغة تدريس، إلا أن عيوش ومن معه، أصروا على إرباك المجلس ودفعه إلى الاستسلام، مستقوين باللوبي الفرانكوفوني النافذ، في بلد “تعشعش” الفرنسة في عقول نخبته الحاكمة، وتتحكم في طريقة تفكيرها ساعة اتخاذ القرارات، حتى ما اتصل منها بأمور تخص سيادة وأمن البلد على مستوى الهوية !
وبمجرد ما أوصت لجنة متخصصة داخل المجلس، باختيار اللغة الانجليزية ، لغة ثانية للتدريس، باعتبارها لغة العلم والتكنولوجية والتنمية والتطور، رفع اللوبي الفرنكفوني المساند لعيوش ومن معه، في وجه المجلس حكاية المصالحة الفرنسية المغربية الأخيرة وما يرتبط بها من مصالح اقتصادية وسياسية،….لتتراجع اللجنة المذكورة عن مقترحها ويعود النقاش إلى نقطة الانطلاق ! بعد أن اعترف عزيمان بانعدام التوافق على لغة التدريس وإمكانية اللجوء إلى التصويت أو إلى الاحتكام إلى نظر جلالة الملك.
فهل اختزلت مشكلة التعليم بالمغرب في قضية لغة التدريس ؟
وهل اكتفى الخبراء والفاعلون والمختصون بالقشور بدل اللب، واستعاضوا عن المناهج والبرامج التعليمية بمسألة لغة التلقين التي تكفلت اللغة العربية بها على مر الأجيال وأدت، ولا تزال، دورها على الوجه الأكمل، إلى جانب لغات المستعمر في الشمال والوسط والجنوب….أو لم ينجح التعليم “الاستعماري” في خلق جيل مثقف ثقافة عالية باللغة الفرنسية والإسبانية إلى جانب العربية ، كان منهم الكاتب والصحافي والقاضي والمهندس والوزير والسفير والأستاذ الجامعي والباحث ؟ !…
أليس هذا الجيل هو من تولى خلق الإدارة الوطنية بعد الاستقلال ووطن أركانها ورتب شؤونها في مختلف مجالات الحياة الادارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية…..
أليس تلاميذ المدارس “الفرانكو ـ آراب” ومدارس الشمال العربية الاسبانية، هم من تـولـوا تسلم الإدارة الاستعمارية ومغربوها وعربوها و”عصرنوها” حتى صارت قدوة لبلدان الجوار الإفريقي والعربي ؟ !….
لماذا لا تعيدوا إلينا مناهج التعليم الاستعماري، ببعض “الروتوش”، فيما يخص التاريخ والجغرافية خاصة، وتوفروا عليكم عناء “البحث” “الإداري والبيداغوجي” وتوفروا عليكم الميزانيات الضخمة التي تنفقونها ، بسخاء حاتمي، على المجالس العليا والهيئات المختصة في تصور المخططات و”الاستراتيجيات” والرؤى واللجان العلمية على مختلف المستويات والأصعدة…..
لقد كان التعليم خلال الفترة الاستعمارية يتسم بالاستقرار في البرامج والمناهج، حيث إننا درسنا على نفس المُقررات والمَنــاهج التي درس عليها آباؤنا فكان بمُستطاعهم تتبع دِراستنا لأن الرصيد المشترك كان يسهل التفاهم بيننا. أما اليوم، فإنه يصعب على العديد من الآباء تتبع أطفالهم ومراقبة دروسهم ، حتى على مستوى الابتدائي، لاختلاف المناهج والمفاهيم التعليمية…..
ولم يكن من العبث أن احتفظ لبنان بعد استقلاله بنفس مناهج التعليم التي كانت مقررة على عهد الاستعمار الفرنسي، ليصبح بعذ دلك، قمة في العلم والمعرفة والترجمة والنشر بين الدول العربية.
ردوا علينا إذن برامج التعليم السابقة للاستقلال وقد لا تحتاج إلا إلى “تدخلات” بسيطة لتعيد للباكلوريا المغربية سابق إشعاعها وقوتها حين كان حاملوها يلجون الجامعات والمعاهد الأوروبية دون ترتيبات استثنائية ودون أن يخضعوا لاختبارات خاصة بشأن تقييم مستواهم الدراسي، كما هو الحال اليوم بعد “التضخم” المهول الذي أصاب شهاداتنا الجامعية للأسباب التي تعلمون !
_____________
بقلم : عزيز كنوني
azizguennouni@hotmail.com