“إليـــاس مُقنِعاً”
جريدة طنجة – محمد العطلاتـي
الجمعة 10 أبريل 2015 – 10:35:13
و كغيره، ممن سبق أن مَثُلوا أمام المشاهدين، في هذا البرنامج”الإقناعي”، تعرض إلياس العماري لسيل جارف من “الاتهامات“، لكن نائب الأمين العام لــ”البام” انفرد بخاصية لا يكاد ينتبه إليها أحد ، فـالرَجُــل لم يسبق له قط ان تحمل منصبا من مَنـاصب الحكم و المسؤولية، سواء في داخل دواليب الدولة المركزية، أو في واحدة من اجهزة الحكم المحلية، رغم ان كثيرا من خصومه لا يترددون في وصفه، خلال أحاديثهم عنه، صراحة أو ضمنا، بالرجل “النافذ”.
الواقع أن الاتهامات الموجهة للعماري من لدن خصومه السياسيين و الثقافيين و الماليين أيضا، هي خطابات لا ترقى إلى درجة الاتهام، لسبب بسيط هو افتقادها لأدلة مقنعة و دامغة يُمَكِّنُ الاعتماد عليها من “إدانة” العماري، ما يجعل منها مجرد ادعاءات عارية من الإثبات،أو بلغة أوضح مجرد “كلام في السياسة” لا صكا يحمل في ثَنـايــاه اتّهـامـًا حَقيقيا مُعَزّزًا بـوسَائل الإثْبــات المُعْتمدة قَانـونــًا.
آخر الصَيْحــات”الاتهامية”، الموجهة ضد نائب امين عام الـ”بــــام”، صدرت من الرجل الثاني في الدولة المغربية، السيد عبد الإلاه بنكيران، وهي في واقع الأمر لا يجوز إدراجها ضمن صكوك الاتهام، لأن ما ورد فيها ينتمي لقاموس السب البذيء و لا ينتمي لقاموس السياسة و القانون.
مع ذلك، يحق للمرء أن يتساءل: كيف يعقل أن “يتواضع” الرجل الثاني في الدولة و الأول في الحكومة، ليهاجم، بالسب العلني الرجل الثاني في هياكل مجرد حزب معارض، بل إن السيد بنكيران اتخذ من مهاجمة العماري ديْدَناً له؟
لقد أثبت إلياس في “دقائقه التسعين” أنه يتمتع فعلا ، برؤية بعيدة للعمل و الفعل السياسيين بهذا البلد، ونجح في صد هذه “الاتهامات” غير المؤسسة، بل و ردها غلى نحور أصحابها، نجاج أقر بتحققه خصومه قبل حلفائه.
قد يتساءل أحدهم كيف استطاع هذا العماري أن يصنع من نفسه شخصية مثيرة للجدل و الحوار في الوسط السياسي في ظرف زمني غير مديد دون أن “يُضْطرَّ” للمرور في دهاليز السلطة و مطباتها؟
سمع العماري، ذات يوم،احد أنصار ما يُعرف بــ”التيار العروبي” المناوئ للمشاريع الثقافية التي تنادي بها الحركة الأمازيغية بالمغرب و هو يستشهد بحالة المفكر الراحل محمد عابد الجابري، باعتباره أمازيغيا يدعو للتعريب في مواجهة “التمزيغ“، فكان جواب العماري، بعد الإشادة بالمنتوج الفكري الذي قدمه الجابري للفكر المعاصر،إن قيمة الإبداع الفكري اللامع لهذا العملاق لم تكن لتتحقق إلا لأنه كان يفكر بالأمازيغية رغم كونه يكتب بلغة الضاد.
ما يتعرض له العماري من هجمات نارية قد يكون بسبب الأدوار “المنسوبة” له في إعادة تشكيل المشهد السياسي وفق إيديولجية خاصة، لكن المؤكد أن هذه “الهجمات” لم تكن لتصير بهذه الحدة و الوقاحة إلا لأنها موجهة ضد مناضل واعٍ بمكانة لغته الأمازيغية و أهمية “التفكير” بواسطتها من أجل إحداث التغيير الإيجابي في الثقافة الوطنية، ذلك التغيير الذي يرفع التهميش عن سكان المغرب الأصليين، وهو ما جعل من إلياس مُقنعا.