“الدنيا الفانية”
جريدة طنجة – محمد العطلاتـي
الثلاثاء 31 مارس 2015 – 16:44:17
بعد نِهـايــة الحرب التي ذهب ضحيتها الملايين، بين جُنود مُحـــاربين و مدنيين أبرياء، توقف الحديث عن عمليات مماثلة لتلك التي قام بها الطيارون اليابانيون، و اعتبر الناس الأمر مجرد محاولة “يائسة” في مواجهة القوة الأمريكية المتعاظمة، لاسيما بعد استسلام اليابان و قبلها حليفها النازي أدولف هتلر.
لكن العالم عاد ليستفيق ذات صباح من أيام “أيلول الأسود” على وقع دوي انفجارات مهولة، هزت العالم و غيرت معالمه، عندما صدمت طائرات مدنية، معدة لنقل الركاب لا الجنود، برجي التجارة العالمية بمدينة نيويورك الأمريكية، و بدل أن ترسو الطائرات بمدرج المطار الذي كان مستعدا لاستقبالها، فإن خاطفيها أرغموها على “النزول الاضطراري” بالطوابق العليا لهذه الأبراج الأمريكية العالية، و هكذا قُتل الآلاف من الأبرياء، لا فرق بين من كان مسافرا على متن الطائرتين و بين من كان في جلسة عمل بأحد مكاتب البرجين.
منذ ذلك الحين، تعرف العالم على “نشاط نضالي جديد“، سيعرف لاحقا بالإرهاب “الديني”، خصوصا بعد تكاثر تفجيرات، صار منفذوها يعتمدون على وسائل العربات المتوفرة بدل استعمال الطائرات،مع إضافات نوعية همت تزويد “ناقلات الموت” بقنابل و الغام، ناقلات تستهدف تارة مساجد و حسينيات تارة اخرى. بعد ذلك تناسلت “التحليلات” و “التأويلات” و غيرها من “التبريرات” و “التفسيرات”، لكن المثير في كل هذا أن لا أحد انتبه لضرورة طرح السؤال المركزي: لماذا ينتحر الانتحاري و يقدم “حياته” على طبق من دماء، مقابل اغتيال مئات من الأنفس التي حرم الله قتلها دفعة واحدة و دون سابق إنذار؟
هكذا بقي السؤال مُعلَّقاً، و بقيت الإجابة عنه “مُعلَّقة” إلى أجل غير معلوم، ليستمر معها، بالنتيجة، عرضُ مسلسلات القتل الشامل، و بألوان دماء الأبرياء، على شاشة “داعش”، “مسلسلات” يقوم بإخراجها خليفة بن لادن و ينفذ سيناريوهاتها “علوج” ينتمون لأجناس لا تؤمن بالإنسان.
اليابانيون،اعتبارا لظروف الحرب، لَجــأوا إلى عمليات انتحارية لمواجهة القوة الأمريكية، واستهدفوا منشآت حربية و عسكرية، قبل أن تضع الحرب أوزارها، و يعم السلام أرجاء الامبراطورية، و الثابت أن دورا حاسما لثقافتهم ساهم في “التنظير” لعملياتهم ضد الأمريكان معتقدين بقوة الـ”كاميكاز” او الرياح الإلهية.
اما “الدواعش” فقد بنوا نظرتهم للعالم على أساس أغرب من الخيال، نظرة تعتبر أن العالم يجب أن ينضبط لقاعدة واحدة هي شريعة القتل في الحياة الدنيا من أجل الحياة الأخرى، و لا يهم بعد ذلك من يكون القاتل أو القتيل، فالحياة الدنيا، في اعتقادهم، لا تساوي شيئا أمام الفردوس الموعود، حيث الحور العين، و لا شيء يثنيهم عن قطع الرؤوس و نصب المشانق في سبيل الالتحاق بالحياة الأخرى، أما الدنيا فهي فانية.


















