نشأة الزجل وطبيعة الملحون
جريدة طنجة – مصطفى الحراق
الخميس 12مارس 2015 – 10:50:41
وحسب الباحثين فــإن أجــزال كُـل هَؤُلاء مُعَرّبــة ، وهُــو سَبب عَدَم انتِشارهــا بيْنَ الأوْسَاط الشَعبيّـة ، بل ظَلّت مُنْحصِرة على الفئة المُثقّفَــة، وهو ما تنبّـهُ لــهُ بعضُ الزجـاليــن ، حيْثُ عَملوا على تعريب البعض منْهـــا بدلَ تعْريبهــا بالكامــل، زيـــادة على هذا كانت دولة الموحدين تعمل جاهدة على الابتعاد عن تقليد الأندلس بإيجاد بديل لشخصية دولة بثفافتها وتقاليدها.
وكان الزجل المغربي بداية غير مقيد بأوزان، حيث نجد الحسن الششتري وهو تلميذ ابن التسعين السبتي يقول وهو يتَجوّل بــأشعارهِ الزّجَلية :
اشويح من مكناس ** وسط اسواق إعني
آش عليا من الناس ** واش على الناس مني
الزجل المغربي كان يقتصر بالدرجة الأولى على القصة، حيث كان يبتدئ ب”كان حتى كان” حتى بداية القرن التاسع الهجري، حيث ظهر بنواحي تافلالت أول من وضع الوزن لجزله وهو الشاعر عبد الله بن احساين، الذي نظم قصيدة في مدح رسول الله (ص) تقول بعض أبياتها :
نبدا باسم الله انظامي ياللي ابغا لـــــــــوزان ** لوزان خير ليَّا انا من قول كان حتى كــــــان
ربي اللي الهمني نمدح جد اَلْشْراف يا لخوان ** بالشعر السليس الفايز هو ايكون لي عـــــوان
حتى نقول ما قالوعشاق النبي فكل ازمـــــان ** و نكون فالقريض الملحون انا المادحو حسان
إلى أن يقول :
تاريخ حلتي “رخل” اعداد أزمانها فكل امكان ** والقايلين كًاع امحضرا ونا فقيهم وزان
وفي البيت الأخير أرخ عبد الله بن احساين لقصيدته المذكورة وأعطاها رمز(ر خ ل) فالراء بمائتين و الخاء بستمائة و اللام بثلاثين. أي قيلت سنة 830 فأصبح بهذا التاريخ الهجري تاريخ النهضة التي عرفها الزجل المغربي على يد هذا الشاعر المبدع الذي من المحتمل أن يكون هو أول من أطلق عن هذا النوع من الشعر “زجل” بعد تطويره “قريض الملحون” كما هو مبين في قصيدته المذكورة..
وفي نفس الحقبة ظهرشاعر من مراكش يعارض هذا التجديد، وينادي بثورة على قيود الوزن و القافية، و ضرورة التحرر منها، وهوالشاعر ادريس المريني، حيث رأى أن حرف القافية يخونه في التعبير، ويتساءل عن إمكان إلغائه طالما أن الشعر كلمات تعبر عما يحسه الشاعر، ثم هو يستنكر حبس الفكر في القافية و تقييد العقل في الوزن فيقول في إحدى قصيدته :
انا بغيت ننظم و الحرف ابدا يغور
اعلاه ما يكون الشعر ابلا حرف
غير حس اقول الكلمات
اُلُذََنْ تسمع ما قلت
القلوب اتغني بغناك
تابعا تلديد المعنات
الاعنات بشي قافيات
لاش نحبس فكري فالحرف
انحبس عقلي فالتبيت
الافكار اتماثل لطيور
ما رضات اقفز من لبيات
جايب اسلوكو من لحروف
و الركايز من لقياسات
دعوة الشاعر المريني هذا لم تلق أي صدى، بل ضلت مدرسة مولاي عبد الله بن حساين هي الأمثل جيث تخرج منها شعراء كبار شعراء الزجل من بينهم بن عبود، وعبد العزيز المغراوي، جماد الحمري، والمصمودي، الذين ساهموا في تطوير هذا الزجل الذي اضحى معروفا بالملحون، في حين بقي شعر المعترضين معروفا بالزجل.
ورغم هذا الانقسام الذي احدتته هذه النهضة في الزجل فان بعض الزجالين المعاصرين يحنون الى شعر الملحون حيث نشم رائحة الملحون في ازجالهم وذلك من خلال استعمالهم لبعض بحوره ومن الزجال المرحوم احمد الطيب العلج، حيث يقول في قصيدته المشهورة :
يا محمد يا شفيعنا الهادي يا حبيبي ** لك النادي لا تدوزني اُكن معايا
القصيدة التي لحنها عبد القادر الراشدي وعناها اسماعيل أحمد رحمهما الله
فنلاحظ ان قياس هذا البيت الزجلي مستنبط من احد بحور الملحون وهو البحر المبيت لمثني و بالتالي فهو على قياس قصيدة في شعر الملحون للشاعر عبد الهادي بناني التي حربتها كالتالي :
زوكًنا فحماك جود يا نور الهدى طه ** يا بحر التعظيم و الهدى يا رسول الله
وكذلك في أعنية “مـا انـا الا بشر” التي يقول في مقدمة ابياتها :
مـــا انــا الا بـشـــــر ** عندي قلب انظر
وانت كلك خطـر ** لاش تحقق فيــا
فنلاحظ أن البيتين من الأغنية تسير على منوال قصيدة : “حب حبيب الرحمان” للشاعر الجيلالي امتيرد الذي يقول في حربتها:
حب حبيب الرحمان ** خلخلني يا لخــوان
واسقانـي بالـجريــان ** امحلاه ابجرجــون
وفي بداية القرن العشرين لا بد وأن نذكرالثنائي الزجال بوجمعة الفروج الذي كتب جل كلمات المطرب الحسين السلاوي رحمهما كان ينظما الفروج على قياسات بحور الملحون على منوال قصيدة “حب حبيب الرحمان” للنظم الجيلالي امتيرد، حيث يقول بوجمعة الفروج في احداها :
استـرنــي يـا ستـــــــار ** اُمَنْ لَعْيُونْ اكبار
عين احاجب اشفـار ** لِّــي شعلو فيـا نــار
وتبقى كلمة “زجل” هي القاسم المشترك بين جميع أنواع الشعر المعرب منه و الغير المعرب، بما في ذلك شعر الملحون.
ولغة الملحون تحتوي على بلاغة اللغة العربية من استعارة، وتشبيه، وجناس، وجميع ضروب البيان والبديع، ولغة الملحون تتفوق في بيانها على ماهو في العربية، وهوأكثر صدقا خلال التعبيرعن الأحاسيس والمشاعر، وأدكى حماسة في إبراز الوطنية، وأبلغ وصفا للحالات الإجتماعية، وهو يرقى إلى الفن الرفيع بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.