لإبداع في العادات مباح والابتداع في الدين محرم
جريدة طنجة – محمد الشعري
الثلاثاء 17 مارس 2015 – 10:49:22
لقد جاءت تعاليمه شاملة لجوانب الحياة المختلفة، فلم تترك خيرا إلا دلت البشرية عليه، ولا شرا إلا حذرت منه، عند ما مات نبينا صلى الله عليه وسلم، كانت كلمات الرسالة قد كملت، و بــاكتِمال هذَا الدين لم يعد هناك مجال للزيادة فيه، أو إحداث شيء في أحكامه، لأن الشارع قد وضح معالم الدين، ولقد جعل لأداء العبادات طرقا خاصة في هيئتها وعددها وفي زمانها ومكانها، ثم أمر المكلف أن يلتزم بهذه الكيفيات ولا يتعداها، وجعل الخير كل الخير في الإلتزام بتلك الحدود والتقيد بتلك الأوامر حتى تكون العبادة على الوجه الذي يرضاه ربنا سبحانه وتعالى.
الإحداث هو الإبتداع ولقد فسره نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله: « إيـّاكُم ومُحْدثــات الأمــور فـإنَّ كُل محُدْثـة بدعـة » رواه أبو داود.
البدعة هي كل قول أو فعل محدث نسب إلى الدين وليس له أصل في الكتاب أو السنة أو الإجماع. قال ابن تيمية «البدعة ما خالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الإعتقادات والعبادات».
إن كل عبادة مُجْبَـرة أن تكون محكومة بالشرع، منقادة لأمره، وغير ذلك فإنه مردود على صاحبه ولو كان في نظره حسنا، فالعبرة في قبول العمل عند الله أن يكون صوابا موافقا لأمره. إن الإعتبار يدل عليه قول ربنا سبحانه وتعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}، يقول الفضيل بن عياض: «إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا، ولا يقبله إذا كان خالصا له إلا على السنة». إن البدعة في اللغة مأخوذة من البدع، وهو الإختراع. يقول الله سبحانه وتعالى: {بديع السماوات والأرض} وقوله سبحانه وتعالى: {قل ما كنت بدعا من الرسل}. معناها ما كنت الأول الذي جــاءَ بالرّسـالـةِ من الله إلى العِبـادِ. يُقــال ابتَدعَ فُلان بدعَـة يَعْنـي : ابتـدأ طريقة لم يسبق إليها.
والإبتداع قسمين: ابتداع في العادات كابتداع المخترعات الحديثة وهذا أمر مباح، لأن الأصل في العادات الإباحية، وابتداع في الدين، وهذا محرم؛ لأن الأصل في التوقيف كما جاء في الحديث «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». من ضل وابتدع، وأدخل في دين الله ما ليس منه هو في حقيقته قادح في كمال هذا الدين وتمامه، لأن مقتضى الزيادة في الدين الإستدراك على ما حوته الشريعة، فكأنه جاء بفعله هذا ليكمل الدين.
من نــاحية أخرى من أتى ببدعة محدثة لم يحقق شهادة أن مُحمّدًا رَسولُ الله والتي تقتضي اتباع سنته وعدم الحيدة عنها، كما قال الله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}.
إن من أحدث بدعة ودَعى النـَّاس إليْهـا فَعليهِ وزْرَهــا ووزر من عَملَ بهــiiا إلى أن تقوم الساعة، أما من دعى الناس إلى سنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «من سن سنة حسنة في الإسلام فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن سن سنة سيئة في الإسلام كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا»، رواه مسلم.
قال الإمام مالك: «من ابتدع بدعة في الإسلام يرى أنها حسنة فقد زعم أن محمدا عليه الصلاة والسلام؛ خان الرسالة» لأن الله تعالى يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم…} و قال عبد الله بن مسعود؛ رضي الله عنه؛ «اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم»، إن رسول الله، عليه الصلاة والسلام، ومن شد رحمته وشفقته بالأمة ماترك خيرا إلا دلها عليه، ولا شرا إلا حذرها منه، وسكت عن أشياء رحمة بها وليس نسيانا من الشارع الحكيم. قال «إن لله فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها» .