“رونق المغرب” يحتفي بـ “ماذا تحكي أيها البحر…؟” للكاتبة فاطمة الزهراء المرابط
جريدة طنجة
الإثنين 13 مارس 2015 – 17:59:56
وانطلقت فعاليات الحفل بوصلات غنائية من أداء تلامذة ثانوية عبد المومن الموحدي التأهيلية بطنجة (إلياس الحميوي، أنس العلوي، جيهان الكوني، سهيل رزوق)، تلا ذلك كلمة الأستاذ عبد القادر الدحمني باسم المكتب الوطني لرونق المغرب، أشار فيها إلى دواعي الاحتفال بالكاتبة مذكرا بأن المناسبة تتزامن مع اليوم العالمي للمرأة وهي مناسبة أضفت رونقا خاصا للحفل.
وقد عرفت الجلسة التقديمية مشاركة الأستاذ محمد سدحي (قاص من طنجة) بورقة عنونها بـ”قصص وقصص من البحر وإليه..” أشار فيها إلى أن الكاتبة فاطمة الزهراء المرابط لم تتعجل النشر وانتظرت إلى أن اشتد عودها وتخثر حبرها، نظرا لمراسها في الحياة الثقافية وتجربتها في رصد نشر وتوزيع الكتاب، مشيرا إلى أن القاصة لم تعبد لها طريقا وحيدا ولم ترسم لنفسها خطة يتيمة في الكتابة القصصية، ولا هي اختارت سبيل البطل الواحد ولا الأسلوب الثابت ولا هي توسلت بالقالب الجاهز لتفريغ وصياغة سبائكها القصصية، بل جاءت نصوصها في هذه المجموعة عبارة عن باقة متنوعة ومختلفة، لونا وذوقا وشكلا ومضمونا، ولا شك أن هذه الطبقات المختلفة والمدارات المتموجة تشكل عنصر قوة وغنى وجدة في كل كتابة إبداعية مشرقة.

و في الوَرقــة نفْسهـا ، أضافَ الأستاذ محمد سدحي بأنه يصعب رصد طرائق وأدوات اشتغال الكاتبة لإعطائها صفة معينة ثابتة، فهي مرة تحافظ على شكل وقواعد القصة القصيرة المتداولة من حيث تمثلها لحدث وزمان واحد، وهذا الزمان محكوم بالقصر (قصتي: سفر، معاكسة)، وفي بعض القصص لا تلتزم بخصائص كتابة جنس القصة القصيرة وتكون أقرب للحكاية (قصة: أيام الباكور)، وفي نصوص أخرى توهمنا الكاتبة بأنها في طريقها إلى بحر الرواية الصاخب، ويتمثل في تعدد الشخصيات وتداخل الأحداث والأزمنة قبل تداخل سلطة المبدع في اختزال هذه الشخصيات واختزال الأحداث وتوجيهها بتركيز نحو مصيرها المختار، حتى تصبح قصة قصيرة طيعة (قصة: أبواب مفتوحة)، مضيفا أن القاصة لا تستقر على حال في سردها فهي توجه أحيانا عنايتها الخلاقة إلى الحبكة أولا ثم تخلق لها الشخصية الملائمة (قصة: انتظار)، وأحيانا أخرى تمعن في إبراز أهمية الشخصية في البداية ثم تأخذ في نسج الأحداث والمواقف التي تواتيها (قصة: وردة)، وبذلك تكون براعة اللعب السردي وصفا أو تصويرا، وأن الكاتبة كثيرا ما تتوسل وجهة نظر الراوي لعرض وجهة نظرها، مما يصعب التمييز بين السيرة الذاتية وسيرة الشخصيات القصصية، خاصة وأن الراوي غالبا ما يكون بصيغة الأنا، واختتم ورقته بأن الكاتبة فاطمة الزهراء المرابط من خلال هذا العمل القصصي المتميز تمكنت من تسليط الضوء الكشاف على كثير من البؤر السوداء وتناقضات مجتمعنا، ومتناقضات في ذواتنا ضاقت بها الدواخل فخرجت تحاول غسل أدرانها في رحابة البحر، وبأنها في هذا العمل لا تخاطر ولا تغامر كثيرا في أعماق التجريب وغالبا لا تقص قصصها على عجل، حتى وإن كانت تتعجل الخروج، في بعض القصص وتترك الباب مواربا على أفق انتظار دون إجهاد القارئ في إكمال القصة من خياله، وأن الكاتبة لم تسع إلى نشر غسيل الأنوثة على سطوح قصصها، ولو أن شموسها تغري بارتياد الشرفات باستثناء قصة “وردة” ودعا في الأخير القراء إلى الاهتمام بهذا العمل القصصي الذي يستحق القراءة والاهتمام.
و حَوْلَ المَجْموعَـة نفسها، شارك الأستاذ رشيد شباري (قاص من طنجة) بورقة عنونها بـ “سيمياء البحر في “ماذا تحكي أيها البحر…؟” للقاصة فاطمة الزهراء المرابط”، أقر في مدخلها باطلاعه على المجموعة القصصية المحتفى بها قبل وبعد الطبع ما منحه مساحة زمنية كافية لمقاربتها من زوايا متعددة بشيء من التريث والنباهة بعيدا عن المجاملة قريبا من الموضوعية، خاصة وأن الكتابة الإبداعية لا تبرز مفاتنها لعابري السبيل بل تقتضي المعايشة والمعاشرة الوجدانية والتي تفضي إلى الاطمئنان والاستعداد للبوح بمكنوناتها وأسرارها، ما يؤدي إلى تجسير الفجوة بين النص وقارئه وتحقيق التواصل المفضي إلى استكناه وحداته الدلالية انطلاقا من ذات النص. مشيرا إلى أن تيمة البحر في المجموعة هي الوحدة السيميولوجية الموجهة لهذه القراءة بأبعادها الدلالية وعلاقاتها المتشعبة داخل نصوص المجموعة وأن اختيار لفظة البحر كمخاطب لعنوان المجموعة لم يكن اعتباطيا، وإنما يدل على إرادة الكاتبة لإمداد مجموعتها بهذه الوحدة كطاقة دلالية تشكل داخل المجموعة المحرك الرئيس للشكل والمعنى على السواء.

كما تحدّثَ عن مَفْهُــوم التَمثُـل كــأداة إجْرائية لمُحَــاوَلـة فَكّ شيفرة البحر في “ماذا تحكي أيها البحر…؟” باعتبارها مدخلا معجميا تتزيا به المجموعة القصصية، وباعتبار البحر ملهما للشعراء والكتاب منذ أمد بعيد، إلا أن الكاتبة حاولت أن تصنع مظهرا دلاليا خاصا بها لتيمة البحر دون أن تقطع طبعا مع الاستعمال المرجعي الطبيعي أو حتى الدلالي، كما ترسب في ذاكرتنا جميعا من الاستعمالات الانزياحية للبحر في التراث الإبداعي العربي، واستدل على ذلك بالعديد من النماذج التراثية العربية المستلهمة لتيمة البحر، وانتقل بعد ذلك في مقاربته لهذه التيمة باعتبارها مظهرا دلاليا كما حددها تودوروف وديكروت، ليخلص في الأخير إلى اعتبار البحر امتدادا لذات السارد/الكاتبة بناء على عدة مؤشرات دلالية متواترة في نصوص المجموعة، ما أثار إشكالية أخرى تتعلق بالأوتوبيوغرافيا التي اعتبرها الأستاذ رشيد شباري عملا أدبيا يقفز إلى نحو أعمق وأوسع وأشمل مما هو ذاتي ليشمل الانساني، تتشارك فيه الذات المبدعة مع الانسانية مادام كل عمل إبداعي هو منتوج من وإلى الانسانية.
وقد تلا تقديم المجموعة كلمة المحتفى بها شكرت فيها “الراصد الوطني للنشر والقراءة” على هذه الالتفاتة التي اعتبرتها تكريما لها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة واحتفاء بباكورتها القصصية الأولى الصادرة عن منشورات رونق، كما شكرت الأستاذين الناقدين على الغوص في أعماق المجموعة، وحيت الحضور النوعي على اهتمامه ومواكبته، ثم قرأت مختارات من “ماذا تحكي أيها البحر…؟” قبل أن يفتح باب النقاش أمام الحضور للنبش في “ماذا تحكي أيها البحر…؟” مما شكل إضافة للورقات التقديمية، ثم أعلن الأستاذ أسامة الصغير (المسير) عن اختتام فعاليات الحفل بتوقيع المجموعة التي عرفت اهتماما نوعيا من لدن المبدعين والنقاد والفنانين والإعلاميين والتلاميذ والأساتذة ومختلف المهتمين بالشأن الثقافي والإبداعي.