“ربيع” و “ربيع”
جريدة طنجة – محمد العطلاتي
الثلاثاء 24 مارس 2015 – 16:03:19
سَنوات بعد ذلك، أتيحَت لي فُرْصـة لقَـاء أحد قُدَمــاء “المحاربين الكيفين” بعد غياب طـويــل، فبـادرتهُ بـالسُؤال عن حـالــه و وِجْهتِه المقصــودَة ، ليُجيبني بهُــدوء يُحسد عليه : إنّــي ذاهب لأخْلعَ جُبّـة الآدمي و ألْبَسَ جُبــة “حمــار”، وكان يقصد بذلك أنه قــاصد مقهى “المجانين” ليغرف من “شقوف الكيف“.
مرّت الأعوام بعد ذلك متسارعة و حل “الربيع” العربي ببلدان العرب، و اختلط الحابل بالنابل،و أفضى “الربيع”، الذي انتظره الناس دهرا من الزمن، إلى قلب كراسي الحكام المُستبدين و استبدالهم بآخرين يمثلون آخر “صيحة” في عالم الاستبداد، كما حدث في أقطار بعينها، بينما “نجت” أخرى من “ويلات” الربيع.
و هكذا انْبَرى فَجْــأة المُحلّلـون و الكهنة و المُشَعْـوذون و السَحرَة لـ”تـأويــل” ما حصل في البلدان التي نال منها “الربيع” و “تفسير” عدم قدرة “الربيع” على “النيل” من بلدان أخرى تعيش على نفس إيقاع”الاستبداد”، و أسهب الجميع في “إبداع” نظريات جديدة و “تكهنات” فريدة، تنهل من “التاريخ” تارة، و من “الجغرافيا” تارة أخرى.
لكن اللاّفـت للانتباه أن لا أحد من هَؤُلاء “المُفسّريــن” انتبه إلى عامل جوهري كان له الفضل الأكبر في “تأمين” شعوب بعينها من مخاطر “الربيع” و مضاعفاته العصية على العلاج، و هكذا لم يولِ هؤلاء المتطفلون أي اعتبار للدور المحوري الذي اضطلع به، و باقتدار، هذا النبات السحري المُسمى”القنب الهندي“، فالمغرب كبلد “منتج” و “مصنع”، و بالطبع كمُستهلك لهذه “العشبة” الربانية، استطاع، بفضل من الله و هذا النبات “السحري”، أن يتخطى تحديات”الربيع” و يبقى في مأمن من تداعياته،ضامنا لنفسه سنوات أخرى من السلم “الاجتماعي” و الاستقرار “السياسي”.
في البلدان التي يسود فيها إنتاج و استهلاك “الأفيون” تعاني الشعوب هناك من “مخاطر الثورات”، فهي “ثورات حقيقية” لا تبقي و لا تذر، لأنها لا توظف الشعارات و الخطب بل الصواريخ و الرشاشات و هو أضعف الإيمان في عُرْف هذه الشعوب القبائلية.
و إذا كان الوضع في أفغانستان و باكستان و ما جاورهما من بلدان يتسم بهذه الحدة الثورية بسبب المفعول القوي لنبتة “الأفيون”، فـإنّ الأمْرَ يَختلفُ في حـالـة بلد كــاليمن ، إذ تــَراجعت حدة “الربيع” لديهم، فرغم إزاحة الحاكم المستبد “علي عبد الله” إلا أن هذا الـــ “صالح” تمكن من رد “الاعتبار” لنفسه، ومن غير المستحيل أن يستعيد كرسيه الضائع، و الفضل يرجع لتمسك الشعب اليمني باستعمال نبتة”القات” باعتبارها إحدى “ثوابت” الأمة اليمنية على اختلاف مذاهبها.
اما في حـالــة “مغربنـــا” البعيد من”ويلات” الشرق العربي، فإن الأمر مَدْعــاة للتّبــاهي و الفخر بين الأمم، فشعبنا يضرب به المثل في حُب السِّلْم و عِشْق السَّلام، فرغم حلول”الربيع” ضيفا عليه، فإن الأخير لم يكن “ثقيلا” بما يكفي لإخراج البلد من حالة”الاستقرار” و الدخول في حالة “اللاستقرار” و الفضل يرجع، بعد الله، لـ”ربيع كتامة” الذي قـاومَ ببَسالــة “ربيع العرب“.