باب ما جاء في تعويضات سكن الولاة ومعاش الأرامل…
جريدة طنجة – محمد العمراني
الخميس 11 مارس 2015 – 17:24:08
القرار الأول الذي هلل له بنكيران طويلا، واعتبره عيدا وطنيا يحق للمغاربة أن يحتفلوا بهم، وأن يفخروا بحكومتهم التي تدعم الفئات المستضعفة من الشعب المغربي، يخص تقديم الدعم للأرامل الحاضنين لأطفال في سن التمدرس، وفقا لما تم تضمينه بالمرسوم رقم 2.14.791 والصادر يوم 18 دجنبر الماضي بالجريدة الرسمية عدد 6318، يحدد بمقتضاه شروط ومعايير الاستفادة من الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشة الحاضنات لأطفالهن اليتامى.
هذا القرار تجند للدعاية له جميع مكونات حزب المصباح، من مناضلات ومناضلين، وجمعيات موازية، حتى أن جمعية العون والإغاثة بطنجة تفرغت منذ عدة أسابيع لتسويق هذا الفتح البنكيراني المبين، حيث كثف أطر الجمعية من اتصالاتهم بالأرامل لمساعدتهن على توفير الوثائق التي يتطلبها تحضير ملف الدعم.
وعند التدقيق في مضامين المرسوم، نجده يحدد بدقة المستفيدات من الدعم، في النساء الأرامل اللواتي يوجدن في “وضعية هشة، نيابة عن أطفالهن اليتامى المحضونين من طرفهن، وذلك إلى غاية بلوغهم سن 21 سنة، والمشروط بمتابعة الدراسة أو التكوين المهني بالنسبة للأطفال البالغين سن التمدرس بشرط عدم الاستفادة من أي معاش أو تعويض عائلي، أو أي دعم مباشر آخر يدفع من ميزانية الدولة أو الجماعات الترابية، أو تدفعه هيئة أو مؤسسة عمومية كالمنح الدراسية أو الدعم المقدم في إطار برنامج تيسير”.
هذا وحددت قيمة الدعم الشهري في 350 درهما عن كل طفل، وبسقف أعلى محدد في ثلاث أطفال، أي أن الأرملة ستتقاضى في أقصى الحالات 1050 درهم، حتى ولو كان لها أطفال كثر.
وبعبارة أدق فإن قرار دعم الأرامل الذي تم التطبيل و التزمير له، سينتهي إلى مجرد فرقعة في الهواء، ما دام أن الشروط التي يجب توفيرها للاستفادة من هذا الكرم الحكومي شبه مستحيلة، بل هي أقرب إلى شروط الخيزيرات.
فما معنى أن يُشتَرَط في الأرملة طالبة الدعم عدم توفرها على أي دخل مالي كيفما كان مصدره، وكيفما كانت قيمته. فحتى تلك التي توفي زوجها وترك لها معاشا لا يتجاوز 500 درهم شهريا، سيتم حرمانها من هذا الدعم، كما يُشتَرَط في أطفالهن أن يكونوا متمدرسين إلى غاية بلغوهم 21 سنة، وجميعنا يعلم النسب المهولة للهدر المدرسي في صفوف الأسر المعوزة والمستضعفة، التي تعجز عن توفير تكاليف التمدرس، خصوصا بالمناطق النائية، حيث تنعدم مؤسسات التعليم الإعدادي والثانوي، إلى غير ذلك من الشروط والتعقيدات التي ستجعل من هذا الدعم حلما مستحيلا وسرابا خادعا، بل سيكتشف المغاربة بعد أسابيع أنهم كانوا ضحية كذبة كبيرة، نسجها بنكيران وروج لها حواريوه، وإن غدا لناظره قريب.
نأتي للقرار الثاني الذي تم الكشف عنه بشكل مُتَقـارب مع الأول، يتعلق بمَشْروع مَرْسُوم يُحَدّد بمُقْتضَـاه جَدْولاً بمَبــالــغ التعويضات الـجُزافيــة الشهرية عن السكن التي تتوزع بين 32 ألفا و 260 درهما للعامل الممتاز، و 6760درهما للقائد مُرُورًا بالعُمّـال الذين سيَحْصُلـــون على 26 ألفا و460 درهما، والباشاوات بـ 15 ألف درهم.
كما ينتظر أن يحصل خليفة قائد ممتاز، بموجب الزيادة المُرْتقبَــة، على تَعْـــويض جزافي قدره 3920 درهما، في حين سيحصل خليفة قائد من الدرجة الأولى على 2850 درهما وخليفة قائد من الدرجة الثانية على 2170 درهما.
من منكم لم تصدمه هاته التعويضات السخية التي أشر عليها بالموافقة السي عبد الإله بنكيران، نصير الفقراء والمستضعفين؟.
انظروا إلى ميزان العدالة الاجتماعية التي يكيل بها السي بنكيران:
السي بنكيران فكر مليا في وضعية الأرامل، وتألم لحالهن ولمصير أطفالهن، ثم اتخذ قرارا ثوريا غير مسبوق في تاريخ المملكة، ومنح لكل طفل 350 درهم، على أن لا يتجاوز عددهم ثلاث، ليضع سقفا أعلى للدعم حدده في 1050 درهم…
والسي بنكيران هو الشخص ذاته الذي فكر مليا في وضعية الولاة والعمال و الباشوات والقواد و الخلفان، العاملون في الإدارة المركزية بالعاصمة الرباط، وأشفق على حالهم، لكونهم يجدون صعوبات كبيرة في البحث عن سكن يليق بهم، فقرر أن يمنحهم تعويضا جزافيا يبتدئ من 3ملايين و200 ألف سنتيم شهريا للوالي، وينتهي ب2000 درهم ونيف لخليفة قائد من الدرجة الثانية!…
من حقنا أن نتساءل: هل هي التفاتة لوجه الله، وإنصاف لفئة يعتبرها بنكيران مأزومة ماديا وفي حاجة لرفع الظلم عنها؟، أم أنها هدية سيضمن بنكيران، من خلالها، تعاون رجال الإدارة المركزية، لأنهم سيجدون أنفسهم مطوقين بهذا الجميل الذي لم يحلموا به حتى في عهد إدريس البصري؟!.
إنها العدالة التي يجاهد الإخوان لتنزيلها أيّـام حُكْمِهــم:
تعويض شهري عن السكن لسعادة الوالي يعادل في ميزان عدالة السي بنكيران دعما مخصصا لتأمين معيشة 31 أرملة و 93 طفلا يتيما!!!….
أين هي دفوعاته حول الأزمة التي يتخبط فيها المغرب، وأن البلاد على حافة الإفلاس، وأن الوضع المالي المتأزم لا يحتمل الزيادة في الأجور لصغار الموظفين، وأن صندوق المقاصة يجب تفكيكه لتخفيف الضغط على الميزانية العامة، وأن المغرب مضطر للاقتراض من أجل التحكم في العجز، و و و…
كل هاته المرافعات الرنانة التي كان يفرمل بها مطالب الفئات العريضة من الشعب، أخفاها بجرة قلم في درج مكتبه عندما تعلق الأمر بالكبار.
من المؤكد أن أصواتا سترتفع للدفاع عن السي بنكيران، بكونه تراجع عن المرسوم عندما ثارت حوله ضجة إعلامية، لا أحد يعلم حجم تداعياتها، ولكنه دفاع مردود على أصحابه، الذين سيجدون أنفسهم في وضعية من يصارع لتغطية الشمس بالغربال…
ما يهمنا نحن ليس تراجع بنكيران عن تمرير تعويضات السكن بالمجلس الحكومي، بقدر ما يهمنا أن السيد رئيس الحكومة أعطى موافقته المسبقة لتمرير المرسوم بالجدول التفصيلي للتعويضات.
لقد اختار بعناية هذا التوقيت، الذي يصادف بداية العد العكسي للتحضير للانتخابات، حيث راهن على ضَرْب عُصْفورين بحَجر واحِد، من جهَـة سيَضْمن من تَسْويـق قـرار دعم الأرامل رصيدا معتبرا من الأصوات، لترجيح كَفّتهِ في صَنــاديق الاقتراع، ومن جهة ثانية كان سيضمن ولاء أطر الإدارة المركزية بوزارة الداخلية الذين هم من يشرف على تنظيم الانتخابات. و لو لم يثر المرسوم المعلوم كل هذا اللغط، لكان بنكيران قد نجح في رهانه، ولكانت خطته “ضربة معلم” كما يقال.
إنّهـا فَضيحـة ما بَعْدَهــا فضيحة ، تَكْشفُ حقيقة الحزب المُتَحكّم في دواليب تسْيير شُؤون المَغـاربـة ، وتَكْشفُ بالمَلْمُوس حَقيقة تنجلي يوما عن يوم، مفادها أن ما يهم رئيس الحكومة هو ضمان عودة حزب المصباح لرئاسة الحكومة، ولو تطلب الأمر الدوس عل جميع القيم والقناعات، ما دام ذلك يضمن له تنزيل مخططات تنظيمه الدعوي والسياسي على أرض الواقع..