الإجهاض و المُواجهة السّاخنة بيْنَ مُؤيّدي و مُعـارضي مسألـة التّقنين
جريدة طنجة – عزيز گنّوني
الخميس 19 مارس 2015 – 09:15:22
ولكنّهُ حَصلَ ، وفي الربــاط، عاـــصمة إمارة المؤمنين،خـلال لقــاء نُظّم الأربعاء الماضي تحتَ شعـار” الإجهــاض ، التأطير القانوني ومتطلبات السلامةة الصحية“، بمُشاركة عُلَمــاء أخصــائيين ، و حُقــوقيين و سياسيين ومتتبعين و رجـــال دين حيث تمت مواجهات “ساخنة” بين أطراف النقاش وهم عصبة يقفون على طرفي نقيض في أمر الإجهاض بين التجريم والتقنين …والتحرير !
وبين مختلف أطراف المعادلة الغير متعادلة، يقف الوزير الوردي الذي يعلم ما لا يعلمه غيره ، موقفا “وسطيا” حتى لا يغضب ضيوفه “الأجلاء”، بالرغم من أنه أعرب منذ بداية النقاش عن ميله إلى رفع الحواجز عن الإجهاض من أجل حماية الصحة البدنية والنفسية للأم ، في حالات معينة، خاصة الإغتصاب وزنا المحارم والتشوهات الخلقية للجنين التي تجعل حياته صعبة ومهددة باستمرار في المستقبل.
تقنين الإجهاض في نظر الوزير الطبيب سيمكن من الضغط على نسبة وفيات الأمهات بسبب الإجهاض السري بجعله علنيا تحت إشراف أطباء يعملون هم أيضا في العلن وفي إطار قانوني وفي ظروف سليمة ، كما سيمكن من خفض التكاليف المادية سواء بالنسبة للأمهات المجهضات سرا أو بالنسبة للدولة التي تتولى ، فيما بعد ، التكفل بالمضاعفات، أحيانا الخطيرة، لعملية الإجهاض السري الذي غالبا ما يتولاه مشعوذون وعشابة وقابلات تقليديات ومتطفلون مقابل مبالغ مالية أحيانا هامة.
الوردي الذي أعد ملفه إعدادا جيدا، أشار إلى العديد من دول العالم الاسلامي التي اشتغلت على الإجهاض ورفعت عند حالة الحجر، في حالات الاغتصاب وزنا المحارم والتشوهات الجينية ، مضيفا أن فوق نصف دول العالم قننت حالات الإجهاض ووضعت له شروطا تختلف من دولة لأخرى خاصة في ما يتعلق بمرحلة الحمل التي يمكن الإجهاض فيها.
وفيما حدا بعض المتدخلين حدو وزير الصحة ، في مـا يَخص تقنين الإجْهــَاض، في حـالاتِ مُعيّنـة ومَضبُوطَـة علميــًا، شَكّـلَ مَوقـف ممثلة تنسيقية الحق في الحياة، نسفا، بكل المقاييس، لموقف المؤيدين للإجهاض ، حيث وصفت هذه العملية بـ “الجريمة البشعة” وطالبت بضرورة معالجة الانحرافات في القيم والسلوك، التي تؤدي إلى زنا المحارم والحمل الغير المرغوب فيه، معالجة في العمق، وعدم الانجراف مع الحلول الجاهزة “التي ستجعل منا مجرمين في حق الجنين” كما قالت.
موقف ممثلة تنسيقسة حق الجنين في الحياة وجد مناصرا قويا في شخص رئيس المجلس العلمي الأعلى الفقيه مصطفى حمزة الذي شكك في مقولة أن الجنين لا يكون حيا إلا عند الشهر الرابع من الحمل وتساءل عن حقيقة البويضة إن كانت حية أو ميتة وكذا الشأن بالخلية فإن كانت ميتة جاز أن يسري عليها حكم الميت وإن كانت حية فالأمر يلزمنا باحترام الحياة، كما تنص على ذلك حقوق الانسان الأساسية، ومنها الحق في الحياة.
كما شكك في قضية ” التشوه الخلقي” مستدلا باتصالات أجرتها معه سيدات مقيمات بالخارج أعلمهن أطباؤهن بأن الجنين مصاب بتشوهات جينية ونصحهن بالإجهاض ولكنهن رفضن ذلك واكتشفن بعد الوضع أن المواليد يوجدون في حالة سليمة .
وتطرق إلى مسألة زنا المحارم فـأقَرَّ بـأن الجَنين لا مسؤولية له في ما يَحدُث ولا يمكن مُعاقبتُه بالموتِ عَنْ طَريـق الإجْهــاض ، بسبب جُرم لم يقَترفهُ.
ولمعاكسة التيار الرافض ، انبرى الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الانسان ، محمد الصبار، بموقف “متطرف” مطالبا بضرورة احترام حق المرأة في الإجهاض و أن العلم يسمو على كل الاعتبارات وأنه يجب “تطويع الرأي الفقهي للرأي العلمي، وليس العكس”. وأضاف أن الحق في الإجهاض حق للنساء ولا أحد يمكنه أن يتخذ قرارا في الموضوع محل النساء اللائي يتحملن عواقب قرارهن الجسدية والاجتماعية والاقتصادية، في حالة إجهاض غير مؤمن.
ولاحظ الصبار أن التجريم في حالة الإجهاض “لا يلغي الإجهاض، بل يشجع على التعاطي معه كحل للمشاكل مع ما يترتب عليه من مضاعات صحية بالنسبة للمرأة في حال القيام به في ظروف غير سليمة.
ومعلوم أن الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة أوردت في بعض تقاريرها ما يفيد أن عدد عمليات الإجهاض بالمغرب يصل إلى 600 حالة يوميا، بينما تعتبر الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري أن هذا العدد يجاور الألف عملية، وقد تزيد …..
من جانبه، صرح الطبيب سعد الدين العثماني من العدالة والتنمية ، بإمكانية “إبـاحــة” الإجهاض في حالات خاصة إذا قام به طبيب مختص، علانية وداخل الأسابيع الستة الأولى من الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم أو في حالات التشوهات الجينية شريطة أن يثبت كل ذلك بواسطة الفحوص الطبية الموثقة . العثماني نبه إلى أن 13 بالمائة من وفيات الأمهات بالمغرب تحصل نتيجة الإجهاض السري.
وتضاربت أقوال المتدخلين في هذا النقاش بين المؤيدين للرأي “الفقهي” والمنتصرين للعلم التجريبي حيث أشار بعضهم إلى أمرين اثنين، أولهما أن الإجهاض السري مكلف ماديا وصحيا لمن تقبل عليه ثانيا أن الأكثر تضررا من هذه الوضعية هن السيدات والفتيات اللائي ينحدرن من أوساط اجتماعية متوسطة أو تلك التي تعاني الفقر والهشاشة ، بينما الميسورات يتوجهن للخارج بهدف القيام بإجهاض آمن وسليم، بعيدا عن الشبهات والمضايقات ! في حين يكون الرابح الأكثر من الإجهاض هي تلك العيادات التي تفرض أسعارا خيالية تأخذ في الحساب عامل الخطر والمتابعة !
اللقاء الأول حول الإجهاض مال لجهة “التقنين” بالرغم من حضور وازن لرجال الدين بفضل مواقف رجال العلم التجريبي والحقوقيين الواضحة وإحاطتهم العميقة بالوضعية الاجتماعية ، وأن الإجهاض واقع اجتماعي لن تمحوه القوانين مهما بلغت حدتها وقوتها ولأن التقنين يحمي الأمهات ويحقق لهن الأمن والسلامة والرعاية الطبية والصحية.
و يَبْقى السُؤال : هل جاء الدّيــن لخدمةِ الإنْسان الذي كَرّمــهُ الله بــالعقل والحكمة و لإسعادهِ ، أم أن الإنسان خُلـق لخدمـَة الدّيـن ؟
_____________
بقلم : عزيز كنوني
azizguennouni@hotmail.com