المدرسة المغربية الأندلسية تفقد أحد أعمدتها الأساسية
جريدة طنجة – ذ.رشيد العَفاقي
الخميس 05 مارس 2015 – 11:57:05
وُلد الأستاذ العلّامـة عبد السلام الهراس في مدينة شفشاون سنة 1349هـ / 1930م،ودرَسَ الابتـدائــي و الثانــوي ببلده ثم بجـامع القـرويين بفاس. ثـمّ انتقلَ إلــى بيروت ودرس بالكلية الشرعية بها. وفي بيروت صيف 1954 سيلتقي بــالشيخ بشير الإبراهيمي، فلازمهُ هُنــاك مُــدّة، وهو الذي وجهـه للالتِحــاق بدار العلوم بالقاهرة ، حيثُ استمر المرحوم عبد السلام الهراس يلتقي بشيخه المذكور في القاهرة حين كان يأتي إليها لإلقاء المحاضرات بمقر جمعية الشبان المسلمين.
حصل الأستاذ عبد السلام الهراس على الليسانس من دار العلوم بجامعة القاهرة سنة 1958م، ثم رجع إلى المغرب و تـابـعَ دراسته الجامعية، فــنالَ شهادة الإجازة في الحقوق من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1961م. ثم انتقل إلى إسبانيا ودرس في كلية الفلسفة والآداب بجامعة مدريد، فحصل على دكتوراه الدولة من جامعة مدريد سنة 1966م.
وكان موضوع أطروحته تحقيق ديوان ابن الأبار البلنسي تحت إشراف المستعرب الإسباني المرموق إلياس تيريسصادابا(Elias TeresSadaba) رئيس قسم الدراسات العربية بكلية الآداب بجامعة مدريد.
عاصر الدكتور عبد السلام الهراس رحمة الله عليه كِبـار المُفكريـن والأدبــاء والدعــاة والمُصْلحيـن في العــالم العربي والإسلامي، أبرزهم المفكر الجزائري مالك بن نبي، فقد جلس إليه غير ما مرة في القاهرة وبيروت ودمشق، وقد ساهم عبد السلام الهراس في طبع ونشر بعض كتبه التي لاقت قُبــولاً واسعًــا في العالم الاسلامي. ويحكي المرحوم الدكتور عبد الصبور شاهين، الذي ترجم أعمال مالك بن نبي من الفرنسية الى العربية، أنه لم يكن يسمع باسم مالك بن نبي، وأن المرحوم عبد السلام الهراس كان هو من دلّه عليه واقترح عليه ترجمة كتبه إلى العربية، و بـالتـّالي فتحت تلك الترجمات مدرسة جديدة في الفكر الاسلامي مـا زالت دواليها مثمرة وقُطوفهـا دانيـة إلى الآن.
عمل العلّامة عبد السلام الهراس رحمة الله عليه أستاذا بسلك التعليم الثانوي بمدينة تطوان، ثم أستاذا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس من سنة 1964م إلى عام 1997م.
كما شغل وظيفة أستاذ زائر و مُحاضر في عدد من الجامعات العربية والإسلامية والأوربية كجامعات مدريد والقاهرة والكويت وماليزيا. عضو مؤسس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو في عدد من المجامع العلمية العليا منها:المجلس العلمي الأعلى للمساجد برابطة العالم الإسلامي.
كان المرحوم الأستاذ عبد السلام الهراس يعتبر من الأعمدة الأساسية للمدرسة المغربية في تحقيق التراث الأندلسي المخطوط، فقد حقق عدة كتب من هذا التراث النفيس، من ذلك: ديوان ابن الأبار، وكتاب “التكملة” له أيضا، و”صلة الصلة” لابن الزبير الغرناطي، و”درر السمط” لابن الأبار، و”أزهار الرياض في أخبار عياض” لأبي العباس المقري.كما ألّف موسوعة تاريخية بعنوان: “قصة الأندلس من الفتوح إلى النزوح”لم يصدر منها إلاالجزء الأول.
وقد كتب مقالات متميزة في العديد من المجلات العلمية المتخصصة مثل: دعوة الحق، والمناهل، والبحث العلمي، والباحث، والوعي الإسلامي، والشهاب، والمحجّة. كما أنه دوّن شهادته حول مراحل مهمة من حياته في جريدة “التجديد” سنتي 2003م و2004م.
أشرف المرحوم عبد السلام الهراس على العديد من أطاريح الدكتوراه ورسائل الماجستير بــالجامعة المغربية وبغيرها من الجامعات العربية والإسلامية، وتخرّج على يديه أساتذة جامعيون مرموقون.وبوفاته فقدتْ الأمّة الإسلامية واحدًا من علمائها الأجلاء الربانيين، فنسأل الله عزّ وجلّ أن يرحمه، ويجزيه خير الجزاء، ويكرم نزله، ويدخله جنة الفردوس، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يلهم ذويه وأهله ومحبيه الصبر والسلوان، إنه نعم المولى ونعم المجيب. وإنا لله وإنا إليه راجعون.