واحَسْرتاه على شَارع بـاسْتُور .. و مـاكـان يُزيّنهُ من ديكـور ..!!
جريدة طنجة – محمد وطـاش
الجمعة 20 مارس 2015 – 18:42:33
السيّدة الفَاضلة التي يَحُــزّ فـي نفسهاـ مــا آل إليهِ الوَضْــعُ بهَــذا الفضاء التاريخي الـّذي يُشَكّـل حَيـّـزًا مـن الذّاكــرة الطنْجــــاوية ،تستنكر بشِدّة تقاعس المسؤولين عن تهيئة المدينة، الذين لم يفلحوافي إعادة ماء الوجه لهذا الشارع النابض بتصميم مجسم هندسي أومنحوتة فنية تميزهذه المدينة عن غيرها، مثلما هو الحال في جل المدن المغربية،كتطوان بحمامتها،وسطات بفرسها،والخميسات بحصانيها،وباب الصحراء/كلميم بجمليها ،وهكذا ذواليك .
ممّــا يَجعلُنـا نتَساءل من خــِلال هـــَذا المنبر : أو ليس في طَنْجــة نحـــاتين مـــاهرين ممن تؤهلهم كفاءاتهم الفنيّـة لتَصْميــم و نحــت نمـــاذج مُمــاثلة ، يختـــار منها أهل الذوق الرفيع تحفة تليق بمقام هذه المدينة العريقة،وتميزها عن غيرها من المدن المغربية؟
طنجــــة مدينــــة تعـــدد الثـقـافـــات والفنون، أهلها بــأحاسيسهم المُرهَفـة الميـّالــة للصَفــاء والنقـــاء ، ذواقــون يعشقــون تجليـــات الحسن والجمال، و يَنبُــذون كل أشكال القبح والذمامة، فلامناص من فسح المجال للفنانين التشكيليين والنحاتين المبدعين ومهندسي الحدائق البارعين من أجل بعث روح الحياة ،الفن في فضاءات مدينة يعشق أهلها تجليات الفن وجماله؛ وصدق من قال: لايعشق الفن إلا من عاش في حماه».
فمـا أحْــوَج مدينة طنْجـة إلى تُحَـفِ فنيــة تـزيــن سـاحـاتهـــا و حدائقها ومُفتَــرق طُرقهــا ، و إنّــهُ لمن الخِـــزي والعـــارأن تتمدد المدينة في البنيان على حساب متنفس الإنسان ،حيث لايجد حبيس الجدران في جزيرة اسمنتية ملوثة الشطآن إلا ما يبعث على الغثيان.

و إنـّهُ من موقع الأمـانـة التــّاريخية، فلابـُد من إعــادة الاعتبـار لمدينة طنْجـــة في شَخْـص ابنهــا البــار الرّحـالـة العالمي الشهير ابن بطوطة، بتشييد صرح له أومنحوتة رخامية بموضع النافورة المعطلة بشارع باستور أوبكورنيش المدينة،وذلك أيضا للتكفيرعن ذنب اقترفته مجالس بلدية بليدة، أوهمت الزواروالسياح الأجانب بأن رفات ابن بطوطة ترقد بسلام في ذاك الضريح الذي يحمل اسمه وسط زقاق تأكلت جدرانه بالرطوبة في قلب المدينة العتيقة،والحقيقة غير ذلك مثلما أكد ثلة من المؤرخين والعُلماء الأفــاضـل ، ونذكُر منهم عَزيزنــا و مــرشدنا الدكتور عبدالهـادي ، بارك الله في عمره،الذي قل بأن «الضريح الموجود في طنجة هو مجرد وهم لفكرة أنه ولد في طنجة ويستوجب أن يموت في طنجة». كما أجمع مؤرخو طنجة وعلى رأسهم العلامة عبد الله كنون ، على أن ابن بطوطة لم يدفن في طنجة.
ولستُ أدْري لمَـاذا سكتَ فُقهــاء طنْجــَة و عُلمــاؤهــا عن هذه الكذْبــة المُبينَة و الفريـَّـة المُبيّتـة ، و لاشَكَ أنهُــم سيَكـُـونـــون من المُنــَاوئيـن والمُحرمين لإقـامة مَنْحوتـَــة لابــن بطوطة ، مثلمـا أفتـــوا في شــأن نحت تمثـــال للمغفور له محمد الخامس؛ ففي رسالة مفتوحة وجهها الشاعر بنسالم حميش، وزيــر الثقافــة السابـق ، إلى الفُقَهــاء الذيـن أفتـــوا بتحريم التمـاثيـل شرْعــًا ، وَقفنا على هذه الحَقيقة المُؤسِفَة ، حيث قـــال :
«…يفصلنا نصف قرن ونيف عن فتوى محمد بن الحسن الحجوي بإجازة نَصْبِ تماثيل في الأمكنة العمومية، ظنا منه أن عملا تحسينيا مثل هذا لا يعارض الشرع الإسلامي في شيء. لكن فتواه -ربما أيضا بسبب وطنيته المطعون فيها- ظلت بلا وقع واحتجبت بعيد وفاته… ،مع الحكومة السادسة التي كان يرأسها الملك الراحل الحسن الثاني، أُعيد طرح القضية ذاتها، وقوبلت بالاستجابة متبوعة بقرار تنظيم مباراة عالمية من أجل نحت تمثال للمغفور له محمد الخامس، يقام في حواضر المغرب الكبرى، اعترافا بدوره الرائد في «ثورة الملك والشعب» وبيده البيضاء في انطلاقة «الجهاد الأكبر»، جهاد النهوض والبناء.وكان القرار الحكومي الذي لم يعارضه خليفته على العرش سيلقى طريقه إلى التنفيذ ويصبح عملا جماليا متبعا، لو لم يبادر فقهاء منضوون إذاك في رابطتهم بطنجة إلى مناوءته والإفتاء بتحريم التماثيل شرعا، وذلك بنسبة غالبية توقيعاتهم. ولم يسع ملك البلاد إلا أن يقبل الفتوى ويطاوعها ».
وفي انتظــار جواب مقنــع من الفقــهــاء الأفاضل ، هداهم الله سواء السبيل، أملنا أن تشكل لجنة محلية من مؤرخين ،مهندسين ونحاتين توكل إليهم مهمة تقديم مقترحات وعروض عملية لإنعاش حقل «الديزاين» والمنحوتات في مدينة طنجة، وذلك بــإبداع أشكال هندسية ، و نَحْـت شخصيــات بـــارزة في تـــاريخ طنجة ؛ و كل ذلك انسجاما وتطلعات مدينة المتروبول ذات التهيئة العظمى والمشاريع الكبرى .
ولايسعُنـا إلاّ ان نتقـدّم بجَزيــلِ التشكُرات و بــأزكى عِبـارات التّقْديـر لهذهِ الطَنْجـويـة الغيورة التي فَسحت لـنـا مَجـالاً للتـأمـل و التسـاؤُل و إستحضــار الـذاكــرة .