نعم… المغاربة محبطون ويائسون…
جريدة طنجة – م.العمراني
الثلاثـاء 03 مارس 2015 – 11:11:49
مُؤشّرات مُخيفَة بالفعل، وتَبْعَثُ على القَلَــق، ذلك أن الـعُزوف الانتخابي بنسب عـالية يُؤكّــد أنّ العَملَ السياسي بـــالمغرب يُعـاني مَأزقــًا خَطيرًا، أبْرَز عنـاوينه انْعِـدام الثقة في الجَدْوَى من الذّهــاب لصَنـاديـق الاقْتِــراع، ومن المؤسسات المُتفرعة عَنْهـــا من حُكومــة ومُؤسسات مُنْتَخبة.
لقَدْ تَرسَخت القَنـــاعة لَدى المُواطــن المَغْــربي بكـَوْن العَمليّـة الانتخــابية لن تغير من واقــع مَعيشه اليَوْمــي، وأن الــذين مَنحهم صوته لن يلتزموا بما وعدوا به خلال حَملاتهم الانتخابية…
قد يذْهَب البعض إلى الدّفـْع بكَوْن العُــزوف الانتخابي ظاهرة قديمة ببلادنا وليست وليدة اليوم. وهذا تبرير مردود عليه، فالعزوف الانتخابي الحالي يأتي على بعد أربع سنوات من الحراك الشعبي الذي انفجر عقب تظاهرات 20 فبراير 2011، وهو الحراك الذي ولّد آمالا عريضة في إمكانية تحقيق إصلاحات دستورية ومؤسساتية تستجيب لتطلعات الشعب المغربي، توجت بخطاب 9 مارس و ما تلاه من إقرار لدستور 2011، الذي أعطى ديناميكية جديدة للمسار الديمقراطي ببلادنا…

ثـم جـاءَت نتــائـج الانتخابات التّشْريعيّــة ليَــوْم 25 نـونبر 2011، مُعْلنة عن فَــوْز كــاسح لـ حزب العدالة التنمية، الذي خـاضَ حَمْلته الانتخابية رافِعـًا شِعــار: “صوتك فرصتك لإسقاط الفساد والاستبداد“.
اليوم وبعد انصرام أربع سنوات على الحراك الاجتماعي، من ـحـَقّ المواطن أن يتساءل عن حصيلة التدبير الحكومي…
هل كان في مستوى الطموحات والآمال المعبر عنها، وهل يتوازى وحجم الصلاحيات الدستورية والتنظيمية الغير مسبوقة المتوفرة لرئيس الحكومة ولباقي فريقه الحكومي؟.
عندما يتأكد المواطن اليوم أن الحكومة أصَرّت ولا زالت على تجْميد الدُسْتــور، و رَئيسها رافض عن سبق إصرار ممارسة جميع اختصاصاته المنصوص عليها في الـوثيقة الدستورية.
عندما يُـواجه رئيس الحُكومـة الأصْــوات المُطــالبة بتحمله لمسؤولياته الـدسْتُــورية و القانونيـة ، بكونهِ غيْر مُستعد للتصادم مع الملك، وكأن مُمارسة اختصاص رئيس الحكومة يمُر بالضرورة والقسر على التَصادُم معَ جـــلالته!
والحال أن ملك البلاد هو من تـنـازَل طَوْعــًا وبقَنــاعـة عن العديد من الاختصاصات لصالـــح الحكومة ولرئيسها، بل كثيرة هي المرات التي طالبَ فيها من رئيس الحكومة مُمَارَسَة اختِصاصاتـهِ والتقيّد بأحْكـــام الدستور والقانون.
عندما يرى المواطنون، والشباب على الأخص، الدرك السحيق من السوقية والدونية التي انْزَلــقَ إليْهــا خِطــاب المَسْؤولين السياسيين، الذين يفترض فيهم أن يكونوا قدوة حسنة للمواطنين، لدرجة صار فيها تدخلات رئيس الحكومة والوزراء تلعق من لغة المراحيض..
عندما يتحول البرلمان من فضاء للتشريع والمراقبة إلى سوق لتبادل الاتهامات والتراشق بالكلمات النابية، و المعيور وحشيان الهضرة!…
عندما يرى المواطن الحزب الذي وثق فيه، وصدق شعاراته المنادية بمحاربة الفساد وإسقاط الاستبداد، هو نفسه الحزب الذي انقلب على نفسه ب 360 درجة، وصار حزبا يتعايش مع من كان ينعتهم بالمفسدين، بل تحالف معهم وصاروا اليوم أعمدته الرئيسية في توليفته الحكومية!…
عندما يرى المواطن كيف دافع رئيس الحكومة عن الوزير المتورط في فضيحة المركب الرياضي، معتبرا ما وقع بالمحرج وليس بكارثة وطنية، داعيا الوزير إلى ممارسة مهامه وعدم الالتفات إلى المشوشين والمغرضين، الذين هم أبناء الشعب الغيور على كرامة وسمعة بلاده. و كان على ملك البلاد أن يتدخل مرة أخرى، متحملا مسؤولياته كرئيس للدولة والساهر عن حسن سير المؤسسات الدستورية، ليقرر تعليق أنشطة الوزير، وفتح تحقيق في الفضيحة، انتهى بإعفائه من مهامه في آخر المطاف، وعوض أن يقرر رئيس الحكومة ترتيب المساءلة القانونية، نجد بنكيران مصرا على عرقلة نتائج التحقيق خوفا من انهيار تحالفه الحكومي!…
عندما يرى المواطن أن محاربة الفساد بقيت حبيسة الخطاب الشفوي، والمزايدات الكلامية، وتوزيع الاتهامات في الخطب والتصريحات، في وقت لم تعمل الحكومة إلى اليوم على إخراج ولو نص قانوني واحد من شأنه القضاء الفساد الحقيقي المستشر في المؤسسات العمومية الكبرى التي تتصرف في ملايير الدراهم دون حسيب ولا رقيب…
عندما يجد المواطن أن اقتصاد الريع لا زال هو المهيمن على بنية الاقتصاد الوطني، والحكومة عاجزة عن التصدي له، بل صارت اليوم تبرر وجوده!.
عندما يرى المواطن أن المؤسسات الترابية المنتخبة صارت أشبه بسيارة تعليم السياقة، المنتخبون يتحكمون في المقود الوهمي، في حين وزارة الداخلية، عبر ولاتها وعمالها، هي من تتحكم في المقود الحقيقي، وهي صاحبة القرار الفصل في كل كبيرة وصغيرة!…
عندما تحصل القناعة لدى المواطن أن وزارة الداخلية هي من تتحكم في تزفيت الشوارع والأزقة، وفي إنارتها، وفي تزويدها بشبكات الكهرباء والماء والتطهير، وتعامل المنتخبين كالقاصرين الذين هم في حاجة إلى وصي عنهم!…
عندما يصدم المواطن بكل هاته الوقائع، كيف نطلب منه أن لا يصاب بالإحباط؟…
بنكيران لا يمل من ترديد أسطوانته التي باتت مشروخة بكونه أدخل السياسة لكل البيوت، والمواطنون يحبونه ويدعون لنصرته صباح مساء..
طيب سعادة الرئيس…
إذا كان ما تدعيه صحيحا لما كل هذا العزوف عن التسجيل في اللوائح الانتخابية، فمن أصل 10 ملايين كان يجب عليهم أن يتقيدوا، لم يتجاوز العدد الذي بادر إلى تقييد نفسه مليون مواطن ومواطنة؟!…
عندما يقرر الشباب المغربي اليوم عدم تقييد أنفسهم في اللوائح الانتخابية، فهذا يعني أنهم قـرّرُوا بمَحْض إرادتهم مُقــاطعة صناديق الاقتراع، وهذا يعني كذلك أنهم غير مقتنعين بجدوى الهيئات المنبثقة عن الانتخابات…
العزوف الجماعي عن المشاركة في الانتخابات جرس إنذار حقيقي ينبئ باتساع الهوة بين فئات عريضة من الشعب وبين الفاعلين السياسيين، وفي اتساع الهوة تتسرب محفزات الانفجار.