مراسيم دفن الصحة العمومية …
جريدة طنجة – محمد العمراني
الخميس19 مارس 2015 – 16:44:08
المُحْتجــُونَ عَبَّـروا عن غضبهم من الشلل الذي تعرفه مختلف أقسام المستشفى، فأجهزة الراديو والسكانير في عطب دائم، وكل من يفد للمستشفى يطلب منه إجراء الفحوص بمراكز التشخيص المملوكة للخواص، أضف إلى ذلك فقدان العديد من الأدوية وبعض التجهيزات التي تستعمل عند التدخلات الجراحية، مما فرض على إدارة المستشفى تأمين العمليات الجراحية المستعجلة فقط، في حين يتم تأجيل الباقي لعدة أشهر.
غير أن الصورة الأكثر بشاعة بهاته المؤسسة العمومية، الأكبر من نوعها بشمال المملكة، هي ما يعرفه قسم الولادة من أوضاع كارثية بسبب الأعطاب التي طالت مختلف التجهيزات الحيوية بهذا القسم، خاصة تلك التي تعرضت لها حضانات الأطفال، مما تسبب في تزايد حالات وفيات المواليد، كان آخرها وفاة جنينين يوم الثلاثاء المنصرم، بسبب عدم جاهزية الحضانات. كل ذلك وإدارة المستشفى تجد نفسها عاجزة عن التدخل بسبب محدودية الإمكانيات، وعدم تحمل وزارة الصحة مسؤوليتها في تأمين التدخل العاجل لإصلاح تجهيزات المستشفى خاصة ذات الطابع الحيوي. هذا دون الحديث عن انعدام أبسط الشروط الواجب توفيرها للنساء الحوامل اللواتي يلجن لقسم الولادة، حيث الأَسِرَّة محدودة و غير كافية لاستقبال العدد الهائل من حالات الولادات، ناهيك عن وجود أجهزة التدفئة في حالة عطب دائم، مما يجبر الحوامل على وضع مواليدهن تحت رحمة البرد القارس، ولولا تدخل أقاربهن الذين يسارعون إلى تدبر الأغطية الكافية لحدثت فواجع يومية بهذا القسم.
حتى مصعد المستشفى كادَ أن يُــودي بحياةِ رجل أمن مُؤخَرًا، بعد أن تعطل المصعد وهما بداخله، ولولا الألطاف الإلهية، وسرعة تدخل عناصر الوقاية المدينة، لكانت الكارثة.
من يتحمل المسؤولية فيما آلت إليه أوضاع هذا المستشفى، الذي ليس إلا نموذجا مصغرا لباقي المستشفيات العمومية؟
الموضوعية تقتضي الإقرار بأن مدير المستشفى مغلوب على أمره، ولا يمكن تحميله إلا جزءا يسيرا من المسؤولية، ذلك أن الرجل طلب منه تسيير مؤسسة استشفائية عمومية من دون أن توفر له الحكومة الإمكانيات المادية والبشرية و اللوجستيكية الكافية لتأمين السير العادي للمستشفى.
ما المطلوب من أي مدير تم تعيينه وهو فـاقـد لصَلاحيات حقيقية إن على المستوى المالي أو على المستوى الإداري؟…
هناك إجماع من طرف المواطنين على أن قطاع الصحة العمومية يعيش إفلاسا حقيقيا، نتيجة غياب استراتيجية واضحة لدى الحكومات المتعاقبة، حيث تعاملت مع هذا القطاع باعتباره قطاعا غير منتج، ولذلك فهو في نظرها يشكل عبئا على ميزانية الدولة، يجب التخلص منه في أسرع وقت .
إن النزاهة الفكرية والأدبية تفرض علينا الاعتراف بكون الحكومة الحالية ليست مسؤولة على هذا الإرث الفظيع الذي ورثته عمن كان يتحمل مسؤولة التدبير الحكومي سابقا.
لكن المسؤولية تقتضي بالمقابل من حكومة السي بنكيران بموجب أحكام الدستور، ووفاء بما التزمت به أمام الشعب في برنامجها الحكومي، أن يحضى قطاع الصحة العمومية باهتمام خاص من طرفها، وهي التي جاءت للسلطة مسنودة بأصوات المواطنين، الذين صدقوا شعارات تحسين الخدمات الاجتماعية للفئات الهشة، مثلما يفترض فيها طرح مشروع متكامل، ماليا وبشريا، للنهوض بقطاع الصحة العمومية، يكون فيه المواطن محور المنظومة الصحية، وبمقتضاه تلتزم الدولة بكامل مسؤوليتها في توفير شروط العناية بصحة المواطن، باعتباره حقا مكفولا دستوريا.
اليوم وبعد أربع سنوات من عمر هاته الحكومة، ما الذي تحقق على أرض الواقع؟
وضعية المستشفيات العمومية في حالة موت سريري، ومهددة بالسكتة القلبية في أي لحظة. المستوصفات الصحية باتت ملاذا آمنا للمنحرفين والمدمنين، بعد أن تحولت إلى أطلال مهجورة. والمواطن صار مجبرا على التوجه نحو المصحات الخاصة، وما أدراك ما المصحات الخاصة!
كل ما نجحت فيه حكومة ما بعد دستور فاتح يوليوز والحراك الشعبي، هو تمرير قانون يرخص للقطاع الخاص بالاستثمار في مجال الصحة العمومية، حيث صار بإمكان أي صاحب شكارة، لا علاقة له بالطب، أن يمتلك مصحة خاصة به…
بصريح العبارة، المنجز الحقيقي لهاته الحكومة هو رفع يدها بالكامل عن هذا القطاع الحيوي بالنسبة لعموم المواطنين البسطاء، ورهنه في يد الخواص…
وحتى نظام التغطية الصحية “الراميد“، الذي تتبجح به الحكومة عند كل مناسبة، رغم أنه من إنجاز حكومات سابقة، فإن حكومة بنكيران لم تدفع مستحقات هاته التغطية للهيئة المكلفة بتدبير “الراميد”، منذ ثلاث سنوات، حيث تفوق هاته المستحقات 50 مليار درهم، وهو ما يعني أن الحكومة تعالج المواطنين بالكريدي !!!…
من حقنا أن نتساءل عما ربحه المغاربة من تفكيك صُندوق المَقـاصة، ورفع الدعم عن المحروقات، وتحرير الأسعار؟…
الحكومة قالت لنا إن صندوق المقاصة يكلفها ملايير الدراهم، التي كان يجب أن تستثمر في القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم، وطلبت من الشعب أن يربط الأحزمة وأن يضحي من أجل أن تقوم الحكومة برصد هاته الملايير لفائدة المستضعفين والفقراء، لكن الذي وقع هو أن الأسعار التهبت، والخدمات الاجتماعية في انهيار متواصل.
رغم كل ذلك لا يمكن أن ننكر على السي بنكيران أي مبادة لتعزيز الحماية الاجتماعية للشعب المغربي، فالرجل ورغم كل ما يمكن أن يقال عنه، لم يتردد في اتخاذ قرارات ثورية تهم تقوية الدعم الاجتماعي حسب حاجيات كل فئة من فئات الشعب…
ولكل مُتشَكّـك في جديـّةِ هاتـهِ القَرارات، إليكم عَناوينها الكُبْــرى:
– الرفع من منحة الطلبة ب 200 درهم شهريا،
– منح دعم للأرامل الحاضنين للأطفال محدد في 350 درهم للطفل، على أن لا يتجاوز عدد المستفيدين ثلاث أطفال…
– الموافقة المبدئية على منح تعويضات السكن لفائدة الولاة حددها رئيس حكومتنا، نصير الفقراء والمحتاجين، في 32 ألف درهم شهري…
لا أعتقد أن الأمر يَحْتــاج إلى تعليق، بقدر ما يحْتـاج إلى قَرار…