لا إكراه في الدين
جريدة طنجة – محمد الشعري
الثلاثاء 10 مارس 2015 – 18:10:45
ومن النماذج التاريخية البارزة، وثيقة حرية العقيدة في الإسلام، التي سميت «العهدة العمرية». لقد اعتبرت تلك الوثيقة من أهم الوثائق في تاريخ علاقة المسلمين بغيرهم.
لقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه لأهل إيلياء (القدس) بعدما فتحها المسلمون عام 638م كتابا أمنهم فيه على كنائسهم وممتلكاتهم ؛ ومما جاء في هذا الكتاب: «هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان؛ أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم. ولا تسكن كنائسهم ولاتهدم ولاينقص منها ولا من مساحتها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهوا على دينهم ولا يضار أحد منهم…» ومن بين ما يتجلى أيضا احترام الإسلام للحرية الدينية في كونه جعل ضوابط الحرب الحفاظ على أصحاب الصوامع والرهبان وعدم التعرض إليهم.
لقد نص الفقهاء على وجوب معاملة الزوج المسلم لزوجته الغير المسلمة معاملة حسنة، فلا يعرض لها محاسن الإسلام لثنيها عن دينها، وهذا نوع من الإكراه، وألا يمنعها من أداء شعائرها؛ بل يجب على الزوج أن يهيئ الأسباب لزوجته لتذهب إلى كنيستها أو معبدها.
من الجوانب التي شملتها الحرية الدينية في الإسلام نذكر:
1 ـ الإعتقاد: يقول الله تعالى «لا إكراه في الدين» (البقرة: 256).
2 ـ العبادة: من حق أهل الكتاب ممارسة شعائر دينهم، فلا تهدم كنيسة ولا يكسر صليب، بل يجب على الدولة بناء بيوت للعبادة خاصة بهم، ومن حق زوجة المسلم التي تدين باليهودية أو النصرانية أن تذهب إلى المعبد أو الكنيسة، ولا يجوز لزوجها أن يمنعها من ذلك، بل واجب عليه أن يذهب معها إلى مكان عبادتها.
3 ـ التشريع: لقد كفل التشريع لهم الحرية في قضايا الزواج والطلاق والنفقة، ومن حقهم أن يتصرفوا كما يريدون دون أن توضع لهم قيود أو حدود كما تقضي به قوانينهم، وتعرض قضاياهم في الشأن على قضاة منهم.
4 ـ العادات: لقد أباح لهم الإسلام ما أباحه لهم دينهم من طعام وغيره، لا يقتل خنزيرهم، ولا يراق خمرهم مادام ذلك جائزا عندهم، لقد أحل الإسلام طعامهم والأكل من ذبائحهم، والتزوج من نسائهم. يقول الله سبحانه وتعالى: «اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المومنات والمحصنات من الذين أوتو الكتاب من قبلكم» (المائدة: 5).
5 ـ المعاملة: لقد حمى الإسلام كرامتهم، وصان حقوقهم، وأباح زيارتهم وعيادة مرضاهم، وتقديم الهدايا لهم والبيع والشراء وكثيرا من المعاملات، لقد مات رسول الله ﷺ صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في دين له عليه؛ وإذا ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة كان يقول لخادمه ابدأ بجارنا اليهودي.
إن اليهودَ والنصارى والوثنيين … في ظل المجتمع الإسلامي يتمتعون بحريتهم الدينية كاملة غير منقوصة، والدولة المسلمة مطالبة بحمايتهم وتوفير البيئة المناسبة لهم لتأدية شعائرهم وممارسة حياتهم والحفاظ على ممتلكاتهم واحترام عاداتهم، حتى لو كان دين الإسلام لا يعترف بها .