فن الملحون
جريدة طنجة – مصطفى الحراق
الجمعة 06 مارس 2015 – 10:11:10
وقــال آخَرُون بأنّـهُ أدَب يعبّر عنْ مَشاعر الشعب بلُغَـة عـامية أو فُصْحَـى ، وبعضهم عَرّفـَهُ بالأدَب الــعامي المُسَجّـل كـانَ أو المَرْوي شَفاهيـًا، مَجْهــول القـائل أو معـروف ؛ أمــا ابن خلدون في مُقدّمته قال : “واستحدثوا فنــا سَمّوهُ بالزَجَــل، والتزمـــوا النُظم فيه على مَنــاحيهم لهذا العهد، فَجــاؤوا فيهِ بـالغَرائب، واتّسَعت فيه البَلاغـة في مَجــال بحسب لُغتِهم المستعجمة، وأول من أبدع في هذه الطريقة الزجلية “أبوبكر بن قزمان” من قرطبة، وإن كانت قيلت قبله بالأندلس، ولكن لم يظهر حلاوتها ولا انسكبت معانيها ، واشتهرت رشاقتها إلا في زمانه” … ” ثم استحثدث أهل الأمصار بالمغرب فنا آخر من الشعر في أعاريض مزدوجة كالموشح، ونظموا فيه بلغتهم الحضرية أيضا وسموه “عروض البلد”، وكان أول من استحدثه فيهم رجل من أهل الأندلس نزل بفاس، يعرف بابن عمير، فنظم قطعة على طريقة الموشح، ولم يخرج عن مذاهب الأعراب.
الملحون يعني القصيدة الملحنة، وهي موسيقى شعبية مغربية أو مَغــاربيّـة تستعير وسائطها من الموسيقى الأندلسية، ويعتبر الملحون فنا شعريا وإنشاديا وغنائيا متميزا، نشأ حسب البـَاحِثين فـي سجلمــاسة وتــافيلالت ونَمـا في مراكش وفاس ومكناس وسلا، فهو تراث يختزل مُقومات الثقافة المغربية العربية الأمازيغية الأندلسية، ومظاهر حياتها الأصيلة، فو يتخذ من اللهجة العامية أداته، ومن مضامين اللغة الفصحى شعرها ونثرها، وهي مادته التي تتلون مواضيعها بألوان التوسلات الإلهية، والأمداح النبوية، والربيعيات، والعشق، والهجاء، والرثاء.
وأهم الأنواع الشعرية الغير المعربة كما ذكرتها بعض المصادر، هناك الزجل والمواليا، والكان والكان والقوما والدوبيت، وأعطت لبعضها مراتب عليا، وغفلت البعض الآخر، فيما لم تشر إلى ثالث مهمل مثل “الحجازي” و”الحماق”، كما أن تلك الأنواع قد اختلفت من مكان إلى آخر، والجدير بالذكر أن الأنواع الواردة في تصنيفات هذه المصادر ليست هي كل الأنواع التي استحدثت، بل هناك أنواع كثيرة لم تكن قد تشكلت بعد، وأخرى كانت أكثر محلية لم تستطع الإنتشار خارج المناطق التي نشأت فيها، وهو ما أكده ابن خلدون في مقدمته عندما ذكر أن المغاربة استحدثوا نوعا جديدا سموه “عروض البلد” ثم جعلوا منه أنواعا أخرى سموها، “المزدوج” و “الكازي” و”المعلبة” و”الغزال”، إلا أن المشهور عندهم من هذه الأنواع هو شعر “الملحون” الذي طبقت شهرته الآفاق بأرض المغاربة ولم يجد ما يوازيه من عمل الدارسين الأوائل”.
وتطور فن الملحون عن الزجل في إطار تحرره من عروض النظم، وصرامة الفصحى وأصولها من نحو وإعراب، فـوَجـد لنفسهِ مَقــاييس إيقاعية تكون قادرة على تحقيق الملاءمة بين الشعر واللحن، ولقد كانت للمغاربة تفعيلات خاصة يزنون بها أشعارهم، أساسها النغم والإيقاع يطلقون عليها “الصروف”، وهي نوعان “الدندنة” و”مالي مالي”، ونظروا إلى العروض لمجموعة من القياسات ” الموازين” داخل كل بحر من البحور، ما يسمى ب “المرمات” وأشهرها عند المغاربة “المبيت” و”مكسور الجناح” و”المشتب” و”السوسي” أو “المزدوك” وقد اكتشف محمد الفاسي نمطا خماسيا هو “الذكر”، وتكشف هذه الأنماط من شعر الملحون – الذي كان أغلبه شعرا شفويا من أفواه الحفاظ – عن ثراء إيقاعي يمتزج فيه ما هو عروضي بما هو موسيقي على نحو خلاق.