عندما يمتد عبَث المَسْؤولين إلى المُؤسسات الدّينية ..
جريدة طنجة – أمال المتدين
الجمعة 07 مارس 2015 – 13:29:10
فمسؤولي طنجة متأكدون أن سكانها الأصليون الطنجاويون وأنا منهم، صم بكم رغم أننا لسنا عميانا. ولعلي أرى أن القسط الأكبر من اللوم يقع على السكان وليس على المسؤولين العبثيين، فنحن الطنجاويين ينقصنا التجمع والتوحد من أجل الدفاع عن المصلحة العامة، لتبقى المقولة المعروفة طنجة «مدينة بلا مواليها» واقعية ومنقوشة في الصميم.
اليـوم سأتحـدّث عن العَبَث الـّذي حَصَل بمَدْرَسة ولـي العهــد الأميــر سيدي محمد للقراءات السبع ومصيرها، رُبَمـا أغلَب القُراء لـم يسمعـوا بهــا رغم أنّها مدرسة تستحق أن يسجل التاريخ اسمها بالخط العريض، ومن أجل وضعكم في صلب الموضوع فاني سأسرد عليكم لمحة تاريخية عنها، ولن أفوت هذه الفرصة لأشكر الأستاذ الباحث الذي مكنني من هذه المعلومات وسهل علي إيجادها فجزاه الله عنا كل خير .
تم تأسيس مدرسة ولي العهد الأمير سيدي محمد للقراءات السبع بطنجة في ظروف شهدت احتفالات بحملة القران الكريم وعلومه المنتمين لقبيلة الفحص وما جاورها، وكان ذلك بروضة الولي الصالح شيخ القراءات الفقيه بن عبد الله السريفي الكائنة بقرية دار زهيرو بناحية طنجة.، وقد اعتاد وجهاء البلد حضور مثل هذه الاحتفالات، وفي موسم 1957 تم اقتراح تخصيص المبلغ المالي الذي تم الحصول عليه أثناء الرحلة لتأسيس مدرسة يكون هدفها خدمة القرآن الكريم، وما أن تمت الموافقة على الاقتراح حتى استقر الرأي على أن تكون مدرسة للقراءات السبع تخليدا لذكرى الفقيد ابن عبد الله صاحب الروضة والذي كان من البارعين في هذا العلم وغيره من العلوم الشرعية. وهكذا تم وضع الحجر الأساس لبنائها في السنة ذاتها حيث تولى بعض الأعيان جمع التبرعات من أجل الشروع في العمل، لكنه سرعان ما توقف، شأنه في ذلك شأن معظم الأعمال الخيرية، بحجة تَعـذُر الحُصـول على المال الكـافي للبنـاء .
و في سَنة 1963 اجتمع الطلبة كعادتهم بروضة الولي الصالح بحضور شخصيات مهمة من الرباط بتكليف من ملك المغرب حينها الحسن الثاني رحمه الله الذي طلب من جمعهم صالح الدعاء، وهكذا عرفت الشهور الموالية لهذا الجمع ميلاد الملك محمد السادس ولي العهد انذاك، فتيمن الحسن الثاني من ذاك الجمع والدعاء خيرا وبركة ، وتكريما لطُلابهـا بعـث للمُحْتفلين هبة ملكيّـة ، كما أعطى أوامره السامية بـإتْمَــام بناء المدرسة بعد أن توقفت لما يقرب ثماني سنوات. وتعبيرا من طلبة المدرسة عن شكرهم و وفـائهم لجـلالته و فـرحتهم بولي العهد، أطلقوا على المدرسة اسم مدرسة ولي العهد الأمير سيدي محمد للقراءات السبع. وهكذا تَـمّ افتتــاح المدرسة يوم السبت 30 ماي 1964، وقد مثل جلالة الملك في الافتتاح وزير الأوقاف السيد أحمد بركاش وكذلك ابهج هذا الافتتاح حضور الفقيه العلامة المؤرخ سيدي عبد الله كنون الذي ألقى كلمة بهذه المناسبة قدم خلالها لمحة عن تاريخ علم القراءات السبع في المغرب وأشهر رجالاته.
بـدأت الدّراسَة عَملها التعليمي والتربوي بعد أسبوع من الافتتاح وضَمّـت المُؤسسة خمس حُجرات، كانت أولاها مخصصة لسكن الطلبة بينما الثانية لأجل التدريس والصلاة، اضافة لغرفتين لإقامة المدرسين وأخرى للمدير، دون قسم داخلي، ودون إنارة أو ماء شروب وغير ذلك من مكتبة ومقاعد وسبورة وغيرها من أدوات ووسائل التعليم. ..ورغم هذه الظروف، فقد وصل عدد الطلبة في موسم 1964/ 1965 ستين طالبـًا . وحتى يتم إطلاع المسؤولين على الوضعية الصعبة للمدرسة وافتقارها إلى أبسط ضروريات الوجود والبقاء، وجه قائد الفحص ،الذي تقع المدرسة ضمن سلطته، تحت إشراف السلم الإداري، تقريرا في الموضوع لوزارة الأوقاف بتاريخ 25 دسمبر 1972.
وبعد التعريف بالمؤسسة ودورها في المحافظة على ثقافتنا الدينية الأصيلة وتحديد احتياجات المؤسسة لعناية المسؤولين بوزارة الأوقاف ووزارة الثقافة، قدم اقتراحا إلى وزارة الأوقاف بأن تحتضن المدرسة لتصبح مركز إشعاع ديني وثقافي لحفظ وتلاوة القرآن الكريم ولصيانة علم القراءات السبع التي تنفرد هذه المدرسة الأهلية بتدريسه في ربوع المغرب.
ولبلوغ هــذه الغايــة، تم اقتراح إحداث مدرسة القراءات السبع بنص قانوني، وتزويدها بنظام داخلي على غرار معاهد التعليم الأصيل بالمملكة، وتشجيع الأجيال الجديدة على ولوجها وذلك بإسناد بعض الوظائف الدينية لخريجيها والاهتمام بالوضعية الإدارية للآساتدة والعاملين بها.
و هكذا تضافرت جهود كل من السلطات المحلية ومسؤولي مندوبية التعاون الوطني بطنجة، حيث ساهموا معا في تشييد القسم الداخلي بينما تكلفت المندوبية السامية للمياه والغابات بتسييج المدرسة وتكلف آخرون بجلب الماء والكهرباء. وتم أيضا تزويد الطلبة بالمواد الغذائية من قبل الاتحاد النسوي بطنجة .
وقد وردت رسالة من الوزارة الوصية تنص على ضرورة إيجاد مورد مادي قار للمدرسة لاستمرار وظيفتها ليتم الإجماع على رصد ميزانية تتعهد بتسديدها كل من بلدية طنجة ودائرة الفحص والإنعاش الوطني، وأنشأت جمعية تتعهد بتسيير المؤسسة أطلقت على نفسها اسم جمعية مطعم المؤسسة القرآنية.
هكذا اصبحت المدرسة مركزا من أهم المراكز التي ساهمت في بناء الشخصية المغربية الاسلامية، وتخرج منها العديد من العلماء والحفاظ الذين يتقنون تلاوة كتاب الله وعلوم القراءات السبع،. وأصبح مدشر دار زهيرو يشهد كل سنة موسم تجمعات واحتفالات إكراما لخريجي مدرسة يذكر فيها اسم الله وترتل الأمداح النبوية وتذبح خلالها الذبائح وتبسط فيها موائد الطعام وتبهج هذه الاحتفالات بحضور فقهاء وعلماء أجلاء.
يَحقّ القَول إن هَذا التَحوُلَ الكبير والإيجابي الذي شَهدتــهُ مَدْرَسة ولي العهـد للقِراءات السبع بـ دار زهيرو كان نتيجة مجهود جبار قام به العديد من الأشخاص والجمعيات إلى غاية سنة 1981، حيث بدأ الوضع يتدحرج نحو الأسفل، ليبلغ مداه في السنين العشر الأولى من هذا القرن لتتوقف الدراسة نهائيا ويوزع الطلاب والأساتذة على مؤسسات التعليم العتيق وذلك بحجة إعادة بنائها. وقد تم بالفعل الشروع في هذا العمل قبل سنتين ونيف، من هذا التـّاريخ ليتـوقـف بعد ذلك نهـائيــًا بعد أن أصبحت المدرسة عبارة عن هيكل آيل للسقوط .
وحسب رواية بعض سكان المنطقة الذين سألتهـُم عن أسباب تَوقُـف الأشغال في الورش وهل يتعلق الأمر بعملية غش واختلاس كــالعادة، ومن المسؤول عن ذّلك؟، ليكون جوابهم أن لا علم لهم بالتفاصيل غير ما راج من كلام عن البناء المغشوش. وسواء سلمنا بصحة روايـة البنــاء المغشوش أم لا، فإنه لا يوجد أي تبرير لتوقيف بناء مدرسة لها بصمة دينية وعلمية يشهد بها التاريخ، في حين نشهد نحن أن العمارات الضخمة في مدينتنا الحبيبة تشيد ما بين عشية وضحاها .
و قد حاولت في هذه السطور أن أقـدم لكم المراحل التي مرت بها هذه المدرسة من أجل أن أضع المسؤولين في الصورة، ولإبراز الجهد الجبار الذي قام به آباؤنا وأسلافنا من أجل هذه المدرسة التي تشكل رمزا فريدا من رموز شخصيتنا المغربية الإسلامية، حتّـى إذا بدأت تكتمل بنيانا وأداء، ضربنا، جميعنا، ذلك المجهود عرض الحائط، وأسطر بالخط العريض على «جميعا»، لأننا تعودنا العبثية حتى أصبحت مثل هذه المواضيع متجاوزة لدينا.
لماذا لا نسائل المسؤولين، أين ذهبت ميزانية هذه المدرسة، ولماذا توقــف البنــاء ومن المسؤول عن هشاشـة البنية التحتية لهذه المعلمة التاريخية. لابد ان المسؤول متحصن في بيته ذي البنية القوية وأن أولاده يتعلمون في أرقى المدارس…. فما الذي يدفعه إلى الاهتمام بمدرسة قد لا يعلم العديد منا بوجودها ؟ للأسف الشديد.