“حرامٌ وَ بــُـوكُـــو “
جريدة طنجة – محمد العطلاتي
الجمعة 06 مارس 2015 – 15:59:31
و هَكذا شَرّعَ بنو آدم، مُنـذُ بدايـة تـَـاريخهم المديدْ ، في عبــادة “آلهة” من صُنعهم و ابتكارهم، آلهة، لم يُنْــزِلِ الله بها من سُلْطَانٍ، و اختلفَت أشكال هذه الآلهــة و صُوَرهــا بتنَوُع المُجْتَمعـات و اختــلاف ظُروفهــا.
استمَرَّ الآمـر علـى هـذا الحــال إلى أن نزلت الرسائل السماوية، و كانت البداية مع النبي موسى و “التوراة” التي قال عنها القرآن: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ ﴾، و بعدما تراخى الناس في الانضباط لأحكامها و توجيهاتها، أرسل الله نبيه داوود و معه كتاب جديد، قال عنه :﴿.. وَآتَيْنَا دَأوُودَ زَبُورًا﴾.
بعد مُرور زمن مديد على هُبــوط كتــاب “الـزبـور”، و إهمال الناس من جديد لتَعاليمهِ ، قــامَ الله ببعْث نبيه عيسى ، مُعــزّزاً بكِتــاب جديـد ، و قـــال في هذا الشأن:﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ ﴾.
استمَرّت البَشريـّة، أو على الأرْجَــح طــوائف منها، في الاعتقاد بما بلغها من كتب سماوية قرونا طويلة، إلا أن “انحرافها” أو “تحريفها” لمضامين الكتب المقدسة، توراةً و زبوراً و إنجيلاً، قاد في النهاية إلى تصحيح الوضع و ختم الرسالات السماوية من خلال بعث رسول جديد اسمه محمد قال عنه القرآن: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُم وَ لَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَليماً﴾. و هكذا ختم الله الرسائل و ارتضى “الإسلام” دينا للبشرية .
الدينُ الجديد وصفه الله بأنه رحمةٌ للعالمين، و خاطب رَسولُـه محمد قـائـلاً: ﴿ وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾، و هذا دليل قطعي على المقاصد الإنسانية التي أرادها رب العالمين، و هي السلام و الوئام بين أبناء البشر أجمعين.
بعدَ مُضي قُـرون على بعث خـاتم الرُّسُل، و نـُزول آخر رسالة، تفرق الناس المعنيون بها “طرائِقَ قِدداً“، و بَدلَ الاتفاق على إسلامٍ واحد، اتخذ المسلمون لأنفسهم تأويلات متعددة لهذا الإسلام ، تفسيرات تباينت فيما بينها تباين الشرق و الغرب، فمنهم من اعتقد بأن الإسلام “الحقيقي” هو ما دعت إليه حركة “طالبان”، و منهم من رأى أن دين “الاسلام الحقيقي”، كما أنزله الله، إنما يتلخص فيما يتبناه و ينادي به فقهاء “القاعدة” و زعماء “طالبان”،و قادة “الدواعش”،و صار لدينا بدل الإسلام الواحد “إسلامات” .
مع اندلاع الأزمة السورية، التي أشعل فتيلها الأمريكان و موَّل تكاليفَها حُلفاؤُهم المحليون من أعراب المنطقة، انضافت “كائنات” أخرى، تصف نفسها بالإسلام، تحمل أسماء تثير الخوف و الرعب في نفوس المسلمين قبل غيرهم من الناس، أسماء مثل “داعِشْ” نَجَّانا الله و إياكم، كما باقي عباد الله، من شريعتها الدموية.
آخر الحركات التي نَصَّبَتْ نفسها لتطبيق “الشريعة الإسلامية” في وسط أفريقيا، حركة أطلقت على نفسها اسم “بـــوكو حــــرام”، مع بداية ظهورها اعتقدتُ أن الإسم قد تكون له صلة باللغة الفرنسية، و أن هذه الحركة تستنكر، من خلال هذا الاسم، شيوع “المُحرمات” في نيجيريا، و أنها تَسْعى لمُحــاربتها بشكل ما، لكني علمت فيما بعد أن المقصود بـكلمة “بوكو”، في لغة هؤلاء، هو التعليم، و أن اسم التنظيم يعني، و بكل بساطة، “التَّـــعْليمُ حــَـــرامٌ“.
أمة الإسلام عرفت نفسها بين الأمم بأنها أمة “إقرأ”، فسورة ” إقرأ ” كانت أول ما نزل على النبي محمد من آيات، و على قاعدة “القراءة” التي دعا إليها الله، نهضت حضارة الإسلام، لكننا اليوم، بعد مُضي قرون على نزول القرآن،تنشأ، باسم الإسلام، حركة غايتها المُثلى “تحريمُ التعليم و تجريمه”، ألا يستحق الأمر أن يقال عنه بأنه فعلا حرامٌ وَ “بـــوكـــو” أيضا” ؟