“أولياء و شرفاء” !
جريدة طنجة -محمد العطلاتـي
الثلاثاء 10 مارس 2015 – 10:30:18
الـواقعُ أن مُجـرّد الحَديث عن الشُرفَـاء و أولياء الله الصالحين يبْعَث على نَـوْع من الخُشوع و الرّهْبَةِ و التّسْليم بــالمركز الدينى و الروحي لهؤلاء الرجال، و النساء أيضا ،في أحوال معينة، بل و الإعجازي في حالات أخرى، إذ غالبا ما تنسب لهم الخوارق و المعجزات، فمنهم، و العهدة طبعا على الرواة، من انتقل إلى مكة حاجا أو معتمرا، دون أن يكون مضطرا لأداء تذكرة طائرة أو باخرة، بل اكتفى بامتطاء جلد خروف يتحول بقدرة خارقة إلى طائرة إيكولوجية، لا تحتاج مطلقا التزود بالكيروزين أو غيره من المحروقات، و هذا ما يرويه الناس عن الولية الصالحة “للا ميمونة” التي انتقلت إلى مكة حاجة على متن “هيضورة” !
الأضْرحَةُ ، مع الأولياء الـرّاقدين فيها، رَغْمَ اتّحـادها في صِفَةِ المَكـارم عنْدَ النّـاس ، إلاّ أنَ مَراكزَ هَؤلاء تَخْتلفُ في الدّرجـَةِ والرُتْبَةِ، فهناك “أولياء” المَقـام العالي، كسيدي بــوعراقية و مولاي عبد السلام بن مشيش، و منهم من هو في درجة أدنى كالملقب سيدي الحاج يحي و المُكنى سيدي عابد.
التّبايُن في دَرجــات الأولياء يعكس تنوُعــًا لا يُمكنُ تَفْسيرهُ إلاّ بنظرية التقسيم الطَبَقي التي اعتمدها “الأولياء” الماركسيون الأوائل، فحتى عندما يتعلق الأمر بالأمور الدينية و الروحية ، فالتنوع الطبقي حاضر بوضوح لا يخفى على الغافلين و بالأحرى على النابهين، و هكذا يستطيع الناظر أن يتعرف، من خلال مباني الأضرحة، على الوضع “الطبقي” لهذا الولي أو ذاك، فإذا اعْتُمِدت في الضريح أشكال الزخرفة و النقوش و جمال التنميق و التهذيب الذي يطول عمارة بُنيانه، فالأمر لا محالة يرتبط ب”ولي” أرستقراطي من سادة القوم،أما إذا افتقد الضريح جمال العُمران و ضاق به المكان، فلا شك أن الأمر يعني، “وليا” محسوبا و منتميا “للبروليتاريا”، و هذا من الحقائق التي لا يكذبها المنطق و لا تنفيها الحقائق.
لكن الحقيقة التي لا يعرفها معظم الناس أن الأضرحة المعروفة، و المغمورة كذلك، بمختلف جهات و مناطق الشمال، قد لا تضم في واقع الأمر جثمان ولي صالح و لا زنديق فاجر، كل ما في القصة أن بعض الشُّطار في زمن ما من التاريخ الغابر أوعــزوا للنـّاس بــالاتفاق على الاعتقاد بوجود ولي من الأولياء في أمكنة بعينها ليضمنوا احترامه من الجمهور و عدم العبث بمحتوياتـه ، إذ يُحكى أن شمال البلد عرف، أواخر فترة حكم المرينيين، موجة ضباب كثيف ألقت بضلالها على الريف الأوسط والغربي، ولما يئس التجار من انقشاع الضباب، و خشوا حمل أموالهم في رحلة الرجوع إلى مواطنهم في الجنوب، صنعوا أضرحة، و عوض أن يُدفن فيها “الأولياء” دفنت بها كنوز و مجوهرات، على أمل العودة لاسترجاعها عندما ينقشع الضباب، و هكذا صارت “الأضرحة” مصارفَ لا تدفع فائدة لزبنائها، لكنها توفر في المقابل أقصى درجات الأمان و الضمان من عبث العابثين.
ذكاء أصحاب هذه الكنوز، التي تبقى في دائرة الافتراض إلى أن يثبت العكس، تدل عليه التسميات المختارة للأولياء المفترضين: “سيدي بوحاجة”، “سيدي مخفي”، و غيرها من الأسماء التي لا تحيل على أي مرجعية صوفية أو فكرية، لأن الأمر ، كما يبدو، لا يتعلق بأولياء “فعليين”، بل بحراس مجانيين للكنوز المدفونة والعائدة حسب التاريخ الشعبي لرجال سوس المولعين بالتجارة !
في الأيام السابقة ناقش المغاربة موضوع “الشرفاء” و”نقبائهم“، و كأن الأمر يتعلق بمهنة من المهن التي نظمها القانون، كالطب و المحاماة و الصيدلة، فهل يجوز ، ونحن في الألفية الثالثة بعد ميلاد المسيح، أن تشغل “مواضيع” كهذه بال المغاربة؟ و هل يــــــأتي زمن قريب نكشف فيه أسرار هذه “الأضرحة” ؟
و هل حان الوقت الذي لن نكون فيه ملزمين برؤية تلك “الشبات” البئيسة التي يلصقها بعض البؤساء على واجهة عرباتهم حاثِّين بها بقية الناس على “احترامهم” و ماذا تعني كلمة “شرفاء” في مدلول هؤلاء، و هل يدخل “الشرف” في لائحة “التركة” التي يخلفها الهالك بعد انتقاله إلى جوار ربه ؟