أحكام الفقه الجنائ في المذهب المالكي
جريدة طنجة – عمر بن محمد قرباش
الإثنين 09 مارس 2015 – 09:44:43
تنْقَسمُ العُقوبـات في الشَريعَـةِ الإسلامية بالنّظَر إلى نَــوْع العُقوبــة و خُطورة الـجريمة إلى حدود و قصاص و تعـــازير ، و تنقسم بالنظر لمصدرها إلى عُقوبــات مُقَدّرَة و عُقوبـــات غير مقدرة . وسوف نتحدث عن أنْــواع هذا العقوبات في الفقرات التالية :
الفقرة الأولى : جرائم الحدود
أ ـ الـحُدود لُغَـة :
الحدود جمع حد ، وأصل الحد المنع و الفصل بين الشيئين ، و لذا يقال : للحاجز بين الشيئين حدا ، لأنه يمنع اختلاط أحدهما بالآخر . وحد كل شي منتهاه ، ومنه حدود الدار ، و حدود الحرم … و يقال للبواب و السجان حدادا ، الأول : لمنعه الناس من الدخول .. و الثاني : لأنه يمنع من في السجن من الخروج . و حدود الله تعالى : الأشياء التي بين تحريمها و تحليلها ، وأمر أن لا يتعدى شيء منها ، فيتجاوز إلى غير ما أمر فيها أو نهى عنه منها ، ومنع من مخالفتها ، وحدود الله أيضا عقوباته ، قال ابن الأثير ” و في الحديث ذكر الحد والحدود في غير موضع ، وهي محارم الله و عقوباته التي قرنها بالذنوب ، وأصل الحد المنع و الفصل بين الشيئين ، فكأن حدود الشرع فصلت بين الحلال و الحرام فمنها ما لا يقرب كالفواحش المحرمة ، ومنه قوله تعالى ° تلك حدود الله فلا تقربوها ” ، و منها الحديث ” إني أصبت حدا فأقمه علي” . أّي أصبت ذنبا أوجب علي حدا ، أي عقوبة “
وقد وردت كلمة حدود في القرأن الكريم في أربعة عشر موضعا ، غير أنها لم ترد منفردة و إنما مضافة إلى لفظ الجلالة ، و قد جاءت كلها بمعنى أحكام الله وأوامره ونواهيه .
ب ـ الحدود اصطلاحا :
اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الحد وبيان ذلك فيما يأتي :
أولا : عرفه ابن زيد القيرواني في الثمر الداني في تقريب المعاني بأنه ” ما وضع لمنع الجاني من عوده لمثل فعله وزجر غيره “. وهذا التعريف يبين الغاية من إقامة الحد ، وهي ردع الجاني عن العود لمثل فعله ، وزجر غيره عن الإقدام على موجبات الحد .
ثانيا : ورد تعريفها في مدونة الفقه المالكي وأدلته ” بأنها عقوبات مقدرة لا يجوز فيها الاجتهاد بالزيادة أو النقص ، و أنها تجب حقا لله تعالى ، فلا تسقط بعفو المجني عليه أو بتوبة الجاني بعد الرفع إلى القضاء ، وهي سبع : البغي ، والردة ، والقذف ، والزنى ، والسرقة ، والحرابة ، والشرب .
والحدود في الاصطلاح تطلق على معنيين : معنى عام ومعنى خاص :
1 ـ المعنى العام :
ويشمل كل المحرمات ، فكل المحرمات في الشرع تسمى حدودا ، ومن هذا المعنى ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي بردة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ” لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله ” ـ وهذا المعنى ـ أي المعنى العام ـ غير مراد هنا في ” فقه الحدود ” .
2 ـ المعنى الخاص :
وهو المراد هنا ، ويعرف بأنه : عقوبة مقدرة شرعا في معصية لتمنع الوقوع في مثلها ..
ويتضح بذلك أن للحد عنصرين :
الأول : أنه عقوبة مقدرة بنص شرعي ثابت .
ومعنى أنه عقوبة مقدرة أنها ذات حد واحد ثابت ، بحيث لا يجوز للقاضي أن يتصرف فيه بوجه ما ، فليس له أن يغير من جنسه أو مقداره ، ليس له أن يزيد من مقداره أو يخفف منه ، وليس له أن يطبق عليه ظروفا مشددة أو مخففة ، وليس له أن يشمله بإيقاف التنفيذ . ويعني ذلك أن الحد عقوبة تنتفي بالنسبة لها ” السلطة التقديرية ” للقاضي .
و يترتب كذلك على هذا العنصر ، أنه لا يجوز لولي الأمر أن يعفو عن الحد ، سواء قبل الحكم به أو بعد ذلك ، وسواء كان العفو كليا أو كان جزئيا .
والثاني : أن الحد يتعلق به حق الله تعالى ، سواء كان حقا خالصا له ، أو كان للعبد حق فيه كذلك .
ومن هذا العنصر اشتق لفظ الحد ، ذلك أن حدود الله محارمه ، وحماه الذي لا يجوز لعبد أن يفتات عليه .
4 ـ إضافة إلى أن الحدود تضع حدا للأشرار حتى لا يتجاوزوا حمى الأطهار .
الفقرة الثانية : أنواع الحدود
اختلف الفقهاء قديما وحديثا في تحديد عدد الحدود فمنهم الموسع من دائرتها ومنهم المضيق . فالمتفق عليه عند الجمهور كما جاء في الفتح الباري ستة وهي :
1 ـ حد الزنا .
2 ـ حد القذف .
3 ـ حد السرقة .
4 ـ حد الخمر .
5 ـ حد الحرابة .
6 ـ حد الردة .
زاد المالكية حد البغي و قال ابن جزي : ” الجنايات الموجبة للعقوبة ثلاث عشرة : و هي القتل ، والجرح ، والزنى ، والقذف ، وشرب الخمر ، والسرقة ، والبغي ، والحرابة ، والردة ، والزندقة ، وسب الله وسب الأنبياء والملائكة ، وعمل السحر ، وترك الصلاة والصيام. وسنتناول بالبحث فقط الحدود السبعة المتفق عليها عند المالكية .
الجُزء السابق.. يتبع