طنجـــة فـــي كتابـــات المـــؤرخ د. عبــــد العزيــــز خلـــوق التمسمانــــي
جريدة طنجة – زبيدة الورياغلي
الثلاثاء 17 فبراير 2015 – 09:53:40
وقد ساهم رفيق دربه المرحوم د.محمد الأمين البزاز في إرساء قواعد المدرسة الوطنية المجددة للبحث التاريخي المعاصر، وكونا جبهة قوية صمدت في وجه المتآمرين على تغييب الأدوار العلمية والجهادية والبطولية التي كانت منطقة الشمال المغربي مسرحا لها ، وعملا على إحياء تاريخها وأمجادها وتراثها العريق الذي غيب أزمنة طويلة . ويستشفا من خلال كتاباتهما وأبحاثهما ودراساتهما حضور مدينة طنجة بقوة ، وإنكبابهما على استكشاف مراحل تطورها التاريخي والمجالي والثقافي المحلي ، وتسليطهما الأضواء على مجموعة من الأحداث المجهولة والمغيبة في تاريخها، والاشتغال بفضاءتها ومنتزهاتها ومعالمها وموروثها المعماري ، وتحولات مشهدها السياسي والديبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي والإبداعي، كما استهدفت أبحاثهما التعريف بأعلامها وعلمائها وفقهائها ومجاهديها ومبدعيها .
وضمن مشروعهما التوثيقي الأكاديمي بادرا الأستاذان التمسماني والبزاز بإصدار مجلة علمية فصلية وثائقية دراسية تعنى بتاريخ المغرب تحمل اسم معلمة من المعالم التاريخية العتيقة لمدينة طنجة ” دار النيابة” وتميزت عن المجالات الصادرة بالمغرب بكونها لا تصدر عن مؤسسة رسمية،وانفرادها عن غيرها من المجلات التاريخية المغربية بتعدد لغاتها حيث تتضمن مقالات بلغات أجنبية إضافة إلى أنها تركز على فترة القرن التاسع عشرا وبداية القرن العشرين من تاريخ المغرب. وقد أنبرى العلامة عبد الله كنون للتنويه بهذه المجلة عند ظهور العدد الأول منها في شهر يناير 1984 في كلمته التقديمية للمجلة حيث قال: ” أن تصدر مجلة تاريخية وثائقية بطنجة قد يستغربه بعض الناس خصوصا في حالة الركود الثقافي في هذه المدينة التي كانت في وقت مضى أحد المراكز العلمية المهمة بالمغرب ، ولكنا إذا تذكرنا العدد من الصحف والمجلات التي صدرت بهذا البلد الأمين في أوائل القرن العشريني ، بل إذا علمنا أن الصحافة على العموم عربية وأجنبية أول ما ظهرت في المغرب أنما ظهرت في طنجة ، زال الاستغراب ولم يبق له سبب ، وقد أصبحت بعض الصحف التي كان صدورها بطنجة تاريخية ووثائقية ناهيك أن الدستور المغربي الذي طرح في الساحة لأول مرة ، إنما يوجد منشورا في إحداها بنصه الكامل . إن صاحب هذه المجلة قد أصاب في هذا الاسم إذ ذكر به الناس بل ذكرهم بفترة من تاريخهم لها أعظم الأهمية في ماضينا السياسي القريب ” .
وقد نجحت تجربة إصدار مجلة ” دار النيابة ” نجاحا باهرا ، وأثارت اهتماما بالغا وانتشارا واسعا في الأوساط الثقافية المهتمة بالتاريخ المغربي ، وساهمت في إثراء الذاكرة التاريخية للعديد من المناطق المغربية المنسية بفضل تضافر جهود ثلة من الأقلام المحلية والوطنية والأجنبية .
وقد أشاد العلامة سيدي عبد الله كنون بهذا المشروع أيما إشادة وقال : ” لقد فاجأني الشاب النابغة الدكتور عبد العزيز التمسماني خلوق بمشروعه هذا الذي هو اكبر من أن يقوم به فرد واحد من الناس مهما تكون إمكاناته المادية والمعنوية فإصدار مجلة هو أكثر من تأليف كتاب ، لأن الكتاب ينتهي منه صاحبه وينتهي تعبه . أما المجلة أو الصحيفة فهي تعب دائم وشغل مستمر لا ينتهيان ، ولكني وقد عرفت نشاطه في الكتابة والبحث ولا سيما في هذا المجال ، أعني تاريخ المغرب السياسي واستنطاق الوثائق المتعلقة به ، لم استنكر عليه هذه المغامرة ، وأيقنت أن همة الشاب وتخصصه في الموضوع وتعاون المهتمين بالدراسات التاريخية معه للنهوض بهذا المشروع المهم ، ستتيح له النجاح في عمله الذي يجعل من مجلة “دار النيابة” مصدرا يعتمد ومرجعا لا يستغنى عنه في هذا المضمار ، والعدد الأول بما احتواه من أبحاث موضوعية ، ودراسات جادة في شؤون وقضايا لم تطرق قبل يبشر بذلك ، فتهانينا وتمنياتنا له باطراد النجاح والتوفيق ” .
وفي نفس السياق صدرت دورية فصلية وثائقية دراسية أخرى تعنى بتاريخ طنجة تحت اسم ” الطنجيون” مديرها ورئيس هيئة تحريرها د. عبد العزيز خلوق التمسماني بعد توقف مجلة ” دار النيابة ” عن الصدور أواخر سنة 1991 عند العدد 28 . وقد بين د. التمسماني في افتتاحية العدد الأول ل ” الطنجيون ” الصادر شتاء سنة 2002 الخطوط العريضة لمجالات البحث في مشروعه الجديد الهادف إلى إبراز مدينة طنجة بصفتها واجهة علمية للثقافة والحضارة والحداثة . فقال : ” تستأنف ” مجلة دار النيابة ” الوثائقية عملها تحت اسم ” الطنجيون ” ستكون فصلية تعنى بقضايا طنجة تاريخيا ، فكريا ، اقتصاديا ، اجتماعيا ، ديموغرافيا ومعماريا عبر تاريخها القديم ، الوسيط ، الحديث والمعاصر ، مهتمة بعطاءات فقهائها ” موجها في كلمته التقديمية لدورية ” الطنجيون ” الدعوة إلى الباحثين المغاربة والأجانب للمساهمة فيها بأبحاث تعنى بمدينة طنجة .
وبالرجوع إلى النصوص المستقاة من كتابات وأبحاث د: التمسماني حول تاريخ مدينة طنجة ، سواء ما نشر منها في مجلات وصحف محلية ووطنية وعربية ، وما ترجمه ونقله عن مصادر أجنبية خاصة منها الإسبانية والفرنسية التي تعد أهم المراجع الأساسية التاريخية المعتمدة من طرف الدارسين والباحثين والمؤرخين المهتمين بتاريخ المدينة خاصة والمنطقة الشمالية عامة .وتعد كل من مجلة ” دار النيابة ” و ” الطنجيون” رائدتين في مجال البحث العلمي التخصصي والإبداع الثقافي المحلي في باب إحياء تاريخ طنجة ، واستحضار ماضيها العريق وأصالتها وثراتها الحضاري الخالد ويتجلى مدى اهتمامه بالمدينة وشغفه بها من خلال النبش في ثنايا ربائد الوثائق والتقاييد المحلية والمغربية والأجنبية عن ماضي المغرب الحافل بالأمجاد حيث تمثل طنجة عاصمته الدبلوماسية على امتداد العصور، إضافة إلى تأليفه ونشره وتقديمه لمجموعة من الكتب المعنونة باسم طنجة وهي :
1- ملامح من تاريخ طنجة المعاصر ( 1792-1947 ) الطبعة الأولى سنة 1996 .
2- رحلة الجلالة المحمدية إلى طنجة عاصمتها الديبلوماسية. تأليف احمد بن محمد الكردودي الكلالي. تقديم ونشر : د. التمسماني سنة 1997 .
3- الرحلة الطنجوية الممزوجة بالمناسك المالكية : تأليف الحسن بن محمد الغسال . تقديم ونشر د. التمسماني سنة 1998 .
4- طنجة ذات الطابع الأروبي ( 1947-1950 ) الطبعة الأولى سنة 2000
5- تدبير المرافق الجماعية المجلس التشريعي الدولي في منطقة طنجة ( 1928) الطبعة الأولى سنة 2001 .
6- جلسات المجلس التشريعي الدولي في منطقة طنجة ( 1933-1934) سنة 2001 .
7- من طنجة الساحرة إلى طنجة العفنة الطبعة الأولى سنة 2001 .
وفيما يلي نصا من إصداراته المتعددة المرتبطة بتاريخ مدينة طنجة إستقيتها من مقدمة كتابه ” ملامح من تاريخ طنجة المعاصر ” عنوانها ” من الهيمنة الأجنبية على طنجة ، إلى خطاب التحدي ( 10 ابريل 1947) الذي ورد فيه: ” عاشت طنجة ظروفا صعبة أواخر القرن الثامن عشر ، وذاقت مرارة تبعية الدخيل المتسلط منذ تأسيس مجلس يدعى ” خونطة القناصل ” في ثاني ماي 1792 . لقد انتزع كثيرا من الامتيازات من السلطة المركزية المغربية التي أنشأت ” دار النيابة ” بصفتها جهازا مكملا لوزارة البحر ( الخارجية ) للوقوف أمام مطالب أوربا الرأسمالية وللحد من التسرب الأجنبي إلى المغرب، بيد أن هذه المؤسسة المخزنية الطنجية مثلت خطورة على السيادة الوطنية بطريقة غير مباشرة، بإتاحتها الفرص للهيئة الديبلوماسية بالتدخل في الشؤون الداخلية وتدويل القضية المغربية. فقام النظام الدولي بجني ثمار هذا التحدي الفضيع على سيادة البلاد ” .
ومن كتابه ” طنجة الساحرة إلى طنجة العفنة ” أقدم النص التالي الذي يحمل عنوان ” طنجة العتيقة المعاصرة بعيون يهودية ” الذي تحدث فيه د.التمسماني عن كتاب وصفه بأنه من بين الكتب السخيفة تاريخيا التي ظهرت في مغرب سنة 2001 باللغة الفرنسية يحمل عنوان ” طنجة ، نظرات إلى الماضي ” لمؤلف اسمه يوسف اصياغ ، يقع في 743 صفحة من الحجم المتوسط ، الصادر عن مطبعة النجاح الجديدة في يناير 2001 الذي ركز فيه صاحبه الحديث عن الحياة الروحية والأسرية للأسر اليهودية بطنجة ، وعلى طقوس احتفالاتهم الدينية ومنظوماتهم التربوية كما اهتم بالجانب المعماري للمعابد اليهودية ، والمؤسسات المالية والبنكية والمصرفية متجاهلا تاريخ اليهود في المغرب ، وما تمتعوا به من حقوق في ظل المغرب الإسلامي، الأمر الذي أثار حفيظة د. التمسماني وانتصب للدفاع عن مدينته واستجلاء واقعها الحقيقي الذي عاشته عبر تاريخها الطويل في جو ساده التآخي والتعايش، فقال: ” كانت طنجة العتيقة- في فترة موضوع هذا الكتاب- مدينة التعايش والتسامح والتجاوب والتلاحم وتعانقت في رحابها الأديان الثلاثة بمساجدها ومعابدها وكنانسها ، وانصهرت داخلها الثقافات المتوسطية المتنوعة ، وجد فيها اليهودي والمسيحي والمسلم الأمن والاستقرار حيث لم يكن فيها ملاح / جيتو ghetto ، بل كان ساكنو أزقتها يتعاطفون ويتسامحون ويتقاسمون لقمة العيش ، رافعين أصواتهم في وجه المحميين المفترسيين ، القلة القليلة داخل وسطهم البسيط. وعاش ساكنو الساقية الجديدة ، وادي احرضان و بني يدر ، يهودا ومسلمين ظروف الأوبئة ، والمجاعات القاسية منذ القرن التاسع عشر ، كانت لهم رؤى منسجمة تعاضدية ، فكانت تربة أحيائهم الشعبية متسامحة ، لصيقة بالمهمشين المحرومين المستضعفين” ،.
وقد قام مؤرخنا بتفنيد ما ورد في الكتاب المذكور انطلاقا من انتماءه الى مدينة طنجة وغيرته عليها ، وعقيدته الدينية الداعية إلى التسامح والتآخي الإنساني ، ومعاينته الشخصية زمن الطفولة لنمط الحياة اليومية للمسلمين واليهود في المجتمع الطنجي. ومستدلا بالكتابات التاريخية الموضوعية والرصينة في هذا الشأن لكتابات ومقالات جرمان عياش حول تاريخ اليهود في المغرب بالوقائع والحجج الدامغة على أن سلاطين المغرب المسلم احتضنوا الجاليات اليهودية بعدما لفظتهم أوربا وطردتهم، ولم يجدوا لهم ملجأ غير ارض المغرب ، فعاشوا فيه طيلة عقود عديدة في امن وسلام مع إخوانهم المغاربة ( انظر مجلة دار النيابة . العدد الثاني عشر ص 13).
يحق لمدينة طنجة وأبناءها أن تفخر بمؤرخها الكبير الذي رد الاعتبار لتاريخها العريق ، ومهد لبزوغ فجر جديد أضاء العتمات المظلمة في سجل ماضيها وحاضرها.
الهـــــوامش :
1- مجلة دار النيابة : السنة الأولى العدد الأول يناير 1941 ص 2.
2- المرجع نفسه.
3- افتتاحية دورية ” الطنجيون ” السنة الأولى العدد الأول ص 3.
4- مقدمة كتاب ملامح من تاريخ طنجة المعاصر للمؤلف خلوق التمسماني.
5- كتاب من طنجة الساحرة إلى طنجة العفنة لنفس المؤلف ص 12.
6- الكتاب نفسه ص 13 14 .