“الثقافة الفايسبوكية”
جريدة طنجة – محمد العطلاتي
الخميس 26 فبراير 2015 – 10:09:36
لا أملكُ في واقـعِ الأمر إحْصائيات دَقيقة حوْل أعداد مُسْتعملي هذا المُسمّـى تجــاوزاً و خطـأً، “كائنـًا افْتراضيًـا“، إذْ هُــو فـي واقــع الأمـر كـائن حَقيقي يمكن التأكّـد من وُجــوده الفعْلي، كَمــا أن ليست تحـْتَ يـديَّ مُعطَيـــات أخْـــرى عن إنتماءات هؤلاء العـــرقية، الثقافية، السياسية، الإجتماعية أو حتى عن أحْلامِهِم و تعلُّقاتِهم الطًّبقية أو توجهاتهم الدينية، و المؤكد الفريد في هذا الباب أنهم في تزايد مستمر.
المشكلة ليست في تزايد أعداد مستخدمي هذا الموقع “التواصلي”، بل المشكلةُ أن الموقع أصبح أقرب ما يكون إلى “وكالة أنباء مباشرة و فورية” لا تخضع لرقابة من أية جهة، فبإمكان المُرتبط بشبكة “العناكب” أن ينْشُرَ ما بدا له “خبرا”،كما بإمكان غيره أن يعيد نشره أو غيرَهُ من “الأخبار” ليَنْتشِرَ الجميع، في لحظات، عبر متتالية هندسية لا تُعلم حدودها الواقعية و لا “الافتراضية”.
لقد فتح “الفايس” عالما جديدا و فَعَّالاً لِتَداوُل الأخْبار و الأفكار و المعلومات، فصار بذلك جسما يضم كلَّ “الأجناس الصحفية” و شتَّى صنوف “الخطوط التحريرية”.

وبغض الطرف عن صحة ما يُتداول في هذا المُسَمَّى”فـايْسًـا“، من أخبار و آراء و معلومات و نصائح و مطالب ، و حتى وصفات العلاج من أمراض مستعصية،فمن الواضح و الجلي أنه في طور التأسيس لثقافة “جديدة” تزداد انتشارا و اتِّساعاً بين المغاربة، فالتقنية كانت على مرِّ العُصور عاملا مُؤثراً في السُّلوك البشري، فإذا كانت عائلات المغاربة في الفترات الماضية تجتمع أمام جهاز التلفاز، النادر آنذاك، و في أحيان كثيرة تستضيف الأحباب و الجيران للتملي بطلعة “مسقط الطائرات” مصطفى العلوي والاستمتاع بأخبار الغولف و أسابيع الخيول و الفرسان، فـإن الأمر تَغيّــرَ الآن و أصْبَحت نسبة مُتــزايدة من النـَّاس مُرتبطَـة ارتباطًــا وثيقًــا بالعالـــم الأزرق ، “به تحيا و منه تقتات و في حبه تموت“.
المجتمعات، على اختلاف أصنافها، لا تعرف معنى الثبات و الاستقرار على حال، فهي في تحوُّلٍ مُستمر، و ليس بالضرورة أن يكون هذا التحول “إيجابيا” أو “سلبيا”، لكنه في النهاية تحوُّل، و ليس بــإمْكان أحد الــوُقوف في طريقه، كل ما في الأمر أن علماء الاجتماع مُطالبــون بمواكبة هذا التغير بدراسات للتعرف على طبيعةِ التحولِ الطارئِ على المُجتمع المغربي بسبب هذا “الفايس”، و على درجةِ تأثيره المحتمل على السلوك الفردي و الاجتماعي للمغربي، أو بعبارة أعم و أشمل: مدى و حدود تأثيره على ثقافة المغربي.
في فترة الثمانينات، انتشرت بمختلف الإعداديات و الثانويات مجلات حائطية تنشر خواطر و أفكار التلاميذ، و خلال الفترة ذاتها تداول التلاميذ فيما بينهم “دفتر الذكريات” ليضم صورا تؤرخ لأحداث عاشوها أو يتمنون عيشها، و يضم أحيانا رسائل سرية يوجهها العاشقون “الولهانون” إلى “غير الولهانات”،لقد كانت هذه الوسائط “البدائية” الوسيلة الوحيدة في عالم التواصل.
الآن تبدلت الأمور، و تولى “الفايس” أدوارا طلائعية في المعاملات التواصلية، و أنشأ لذاته لُغةً مُسْتَقِلَّة تمام الاستقلال عمَّا اعْتاده الناس من عبارات.
كلُّ ما يطلبه المرء من علماء الاجتماع المعاصرين هو “الكَشْف السّريرِي” عن هذه “الثقافة الفايسبوكية”.

















