طنجة من عروس للبوغاز، إلى ملاذ آمن للمدمنين….
جريدة طنجة – محمد العمراني
الاثنين 23 فبراير 2015 – 12:30:47
أما بمدينة طنجة فمركز حسنونة لمحاربة الإدمان يستقبل يوميا 100 مدمن، من الباحثين عن الأدوية للتخفيف من مضاعفات الإدمان، ذلك أن عاصمة البوغاز تحتضن أزيد من 3000 مدمن يجوبون شوارع المدينة، وبذلك فطنجة صارت من بين المدن الأولى بالمملكة، من حيث استفحال هاته الظاهرة الخطيرة، التي تنخر شبابا في عمر الزهور. ويكفي القيام بزيارة لمركز حسنونة للوقوف على مستوى خطورة هاته الظاهرة…
صور صادمة لشابات وشباب نخرهم الإدمان، يتسابقون للحصول على الدعم النفسي والعلاجي، رغبة منهم الانعتاق من هذا الجحيم…
من يتحمل المسؤولية اليوم في هاته المأساة، التي باتت وصمة عار على جبين جميع المسؤولين عن تدبيرها من جميع المستويات والأصعدة…
من المؤكد أن سياسة التهميش التي فرضت على المدينة طيلة العقود التي سبقت تولي الملك محمد السادس العرش، ساهمت في حرمان المدينة من جميع مقومات الإقلاع الاقتصادي، حيث سقطت المدينة فريسة بين أيادي أباطرة المخدرات، الذين عاثوا في المدينة فسادا ولا زالوا، بعد أن وجدوا الظروف ملائمة لتسويق سمومهم القاتلة في صفوف شباب في مقتبل العمر، من دون أي رادع لأنشطتهم الإجرامية…

المصيبة هي أن هؤلاء الأباطرة، بفضل ثرواتهم الطائلة، نجحوا في البقاء بعيدين عن المساءلة، مستغلين في ذلك ضعاف النفوس من المسؤولين الذين يفترض فيها محاربة هاته الظاهر المشينة، والذين تحولوا إلى مكلفين بتبييض صورتهم، وتوفير الحماية لهم، وكلنا شاهدون على عدد غير قليل منهم انتهوا في السجن كلما تم القبض على أحد كبار الأباطرة…
طنجة اليوم صارت تعاني من ظاهرة خطيرة جدا، فقد صار شبه مألوف أن تصادفك طوابير من المدمنين، ينتظرون دورهم بالعديد من الأحياء المشهورة بالمدينة، والتي تحولت في واضحة النهار إلى فضاءات مفتوحة لترويج وتعاطي المخدرات الصلبة والقوية، بل هناك أحياء صارت تحت السيطرة المطلقة لهؤلاء التجار، وأي تدخل يواجه بمقاومة عنيفة من المدمنين، الذي تحولوا إلى مليشيات تدافع عن مروجي المخدرات بالتقسيط!…
الأجهزة الأمنية تعلم جيدا، من خلال الإحصائيات المتوفرة لديها، أن معظم الجرائم التي ترتكب ضد الأصول، وأغلب جرائم السطو المقرونة باستعمال السلاح الأبيض يرتكبها مدمنون على المخدرات الصلبة وأقراص الهلوسة، وهم يرتكبون اعتداءاتهم بدافع الحصول على النقود لشراء جرعاتهم اليومية…
ما يطرح أكثر من علامات استفهام، هو اقتصار التدخلات الأمنية، التي تنفذ من حين إلى آخر، على توقيف المدمين والمستهلكين، وفي أقصى الحالات يتم توقيف صغار الباعة بالتقسيط، في حين يبقى كبار المزودين خارج المساءلة، وبعيدا عن قبضة العدالة وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول هذا الخلل الخطير!!…
على مستوى الهيئات المنتخبة فيبدو أن آخر اهتمامات القائمين على تدبير شؤون المدينة، أغلبية ومعارضة، هي ظاهرة الإدمان المستشر بالمدينة…
كم هو مؤلم أن تشاهد تدخلات المنتخبين بدورات المجالس تهتم بالتوافه من الأمور، في حين القضايا الشائكة و المشاكل العويصة للمدينة، وظاهرة الإدمان في مقدمتها لا تحضى بأدنى اهتمام من طرفهم…
أتساءل بكل حرقة عن التهميش الذي يلقاه مركز حسنونة لعلاج الإدمان من طرف المؤسسات المنتخبة بالمدينة والعمالة والجهة، علما أنه المركز الوحيد بشمال المملكة، وحائز على جوائز تقديرية من منظمات دولية متخصصة في هذا المجال….
هل يعقل أن يتم إغداق مئات الملايين من أموال دافعي الضرائب، بإجماع الأغلبية والمعارضة، على هيئات ومنظمات تهتم بمجالات رياضية وفنية، رغم أهميتها، في حين لا يلتفتون إلى تمويل الهيئات والمنظمات، وتجهيز المراكز المهتمة بعلاج هاته الظاهرة؟…
أتساءل كذلك عن الجدوى من صرف 700 مليار سنتيم على تأهيل مدينة تحتضن الآلاف من المتعاطين للمخدرات؟…
آلا يعتبر القائمون على تدبير شؤون المدينة أن تأهيل البنيات التحتية للمدينة يجب أن يواكبه تأهيل العنصر البشري، وفي مقدمته شباب المدينة، عبر تخليصهم من براثن هذا الوحش المدمر؟….
أما الحكومة، فالأكيد أنها غير معنية بدعم البرامج والهيئات التي تختص في هذا المجال، فرئيسها منشغل بالمزايدات السياسية وبالحروب الكلامية، التي لا تقدم حلولا للمشاكل الحقيقية التي يتخبط في المغاربة…
الإدمان اليوم صار وَحْشًا َيزحفُ بصَمْت داخِـلَ أحْيــاء المدينة، وصار يتّخـذ أبْعادَا اجْتمـاعيّـة، اقتصادية ونفسية جدْ خَطيرة…
وهو ما يطرح الجميع أمام مسؤولياته:
الأجهزة الأمنية عليْهَــا اليـــوم مسؤولية التصدي الحــازم، وشن حرب شعواء على تجار المخدرات وحبوب الهلوسة، وتجفيف منابع التوزيع عبر إسقاط الرؤوس الكبيرة…
القضاء عليه الانخراط في هاته المعركة المصيرية، فالوضع يستوجب اليوم الضرب بيد من حديد على المتورطين من دون شفقة ولا رحمة، لأن الأمر يتعلق بمستقبل الوطن…
أما المنتخبون فهم من يتحملون الوزر الأكبر من المسؤولية، هم ممثلو الساكنة، وهم من يجب عليهم طرق جميع الأبواب لمحاصرة هاته الظاهرة الخطيرة التي تستهدف أبناء مدينة يتبجحون بكونهم ممثلوها لدى السلطات والهيئات….



















