دورات ال EXPRESSO…
شَهدَ الأسبوع المنصرم انعِقــاد دورات الحساب الإداري لمُقــاطعات مدينة طنجة الأربع، ولمجلس عمالة طنجة ـ أصيلة، المخصصة لتقديم حصيلة تنفيذ الميزانية السنوية، و مَدى التــزام الـــرؤساء بشفافية صــرف الاعتمادات. و هي الـــدورات التي تعتبر فرصة سنوية للمعارضة من أجل تقييم أداء الأغلبية المسيرة، وترصد أي أخطاء أو ثغرات يشتم منها سوء التدبير المالي للرؤساء…
لكن ما حدث هذا الأسبوع بمدينة طنجة يدفع ساكنة المدينة إلى غسل يدها من جميع ممثليها بالمؤسسات المنتخبة…
هل يتصور أي مواطن عاقل أن يجتمع منتخبو المدينة لمناقشة وتقييم مدى شفافية صرف مئات الملايين من الدراهم، في ظرف زمني لا يتعدى ثلاث دقائق!…

أي و الله العظيم، في أقل من ثلاث دقائق!!!…
الأمر صار أشبه بطلب كوب من القهوة المعبأة في كبسولات من نوع ال EXPRESSO…
يكفي وضع الكبسولة في العصارة الكهربائية، وفي أقل من دقيقة تكون القهوة جاهزة للرشف…
كذلك صار تمرير الحساب الإداري بمجالس طنجة، ما يكاد ينتهي رئيس لجنة المالية من تلاوة التقرير حتى يسارع المنتخبون إلى رفع أيديهم، معلنين التصويت بالإجماع على حسن تنفيذ الميزانية، مانحين شهادة إبراء الذمة للرؤساء باعتبارهم الآمرين بالصرف…
ما الذي وقع في مدينة طنجة حتى صار منتخبو أحزاب الأصالة والمعاصرة، التجمع الوطني للأحرار، الاتحاد الدستوري، والعدالة والتنمية سمنا على عسل؟!…
أصبحوا منسجمين آخر انسجام كأنهم كثلة متراصة، تواعدت ثم تَعـاهَدت على مَنْح شَهـادة حُسْن التّـدبير الإداري والمالي للمؤسسات المنتخبة بالمدينة…

أفهم أن يتحالف البام و الأحرار و الاتّحـاد الـدستوري على تمرير القـــرارات فيما بينهم، لكونهم ببساطة يشكلون التحالف المسيطر بمجلس المدينة ومقاطعتي السواني وبني مكادة، فيما تشارك العدالة والتنمية إلى جانبهم في الأجهزة المسيرة لمجلس العمالة و مقاطعتي المدينة ومغوغة…
مثلما أتفهم أيضا أن يتم تحميل العديد من الوجوه مسؤولية ما حل بالمدينة من مصائب، لكونهم تعاقبوا على تدبير المدينة لسنوات خلت…
لكن ما لا أفهمه هو أن يتسابق الأخوات والإخوة في العدالة والتنمية على رفع الأيادي للإشهاد على شفافية التدبير المالي والإداري لرئيس مجلس العمالة ولرؤساء المقاطعات، وقبلهم لعمدة المدينة!…
ياك آ ودي عاد البارح كان تحالف البام والأحرار والاتحاد الدستوري، تحالف للفساد والإفساد بالمدينة…
بالأمس القريب كان منتخبو العدالة والتنمية يوجهون انتقادات لاذعة لفؤاد العماري، حميد أبرشان، محمد الحمامي، سمير برحو، يونس الشرقاوي، عبد العزيز بن عزوز، محملينهم مسؤولية ما تتخبط فيها المدينة من مشاكل، ناعتين أحزابهم باللوبيات التي تعيث في الأرض فسادا….
سبحان مبدل الأحوال…

في السنوات الماضية كانت دورات الحساب الإداري تمر في أجواء ساخنة، وكان الرؤساء يتخوفون من جلسات المحاسبة وكأنهم يمرون فوق الصراط المستقيم…
حينها كان منتخبو حزب المصباح يتسابقون على جلد الرؤساء السالف ذكرهم و كشف عوراتهم التدبيرية…
أما اليوم، فبقدر ما كانوا يتسابقون على نصب المشانق للرؤساء، صاروا يتهافتون على تقديم فروض الطاعة والولاء لهم…
هذا هو النضال الحقيقي، وهذا هو التجسيد العملي لشعار إسقاط الفساد والاستبداد!!!…

يبقى السؤال المطروح:
ما دواعي هذا الانقلاب المفاجئ في المواقف؟...
ما هي الأسباب الكامنة وراء هذا التواطؤ المعلن بين جميع الهيئات السياسية الممثلة بالمجالس المنتخبة؟…
لاستيعاب هاته التطورات المتسارعة لا بد من استحضار مؤشرين بالغي الدلالة:
أولهما: صفقة التهدئة التي وقعت بفيلا جوزيفين، قبل أشهر، بين كل من فؤاد العماري، عمدة طنجة، والبشير العبدلاوي الكاتب الجهوي لحزب العدالة والتنمية، حيث تم الاتفاق بمقتضاها على قواعد اللعبة استعدادا للمرحلة المقبلة…
منذ ذلك اليوم دخلت العلاقة بين البام والعدالة مرحلة الود والغزل المتبادل بين الطرفين، وصارت قرارات العمدة تمرر بالإجماع…
المؤشر الثاني له علاقة بالعـَدّ العكسي لنهاية الفترة الانتدابية للمجالس الترابية، وبداية الاستعداد للانتخابات المقبلة، المزمع عقدها في شهر يونيو المقبل.
حيث تأكد أن الأحزاب، الممثلة بمجلس المدينة والمقاطعات ومجلس العمالة، قد دخلت مرحلة جديدة يسودها الوئام بين بعضها البعض، تفاديا لأي خصومة قد تحول دون إتمام صفقة توزيع المواقع والمناصب، بما تغدقه من امتيازات ومكاسب، خلال الانتخابات المقبلة…
هكذا إذا اتفق منتخبو طنجة، بمختلف ألوانهم ومشاربهم، على تعليق أي نقاش حول مشاكل المدينة إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، فلا صوت يعلو اليوم على صوت اقتسام كعكة 2015 …