الرُّهْبــــانُ و الإيكليروسْ
جريدة طنجة – محمد العطلاتي :
الأربعاء 11 فبراير 2015 – 11:16
الاتّحاد، الذي لم يبق منه إلا ذكريات تؤثث نقاشات المناضلين السابقين، كان في فترات الستينات والسبعينيات، و حتى أواسط الثمانينات، منظمة مرهوبة الجانب، منذ تأسيسه أواسط الخمسينات كمنظمة نقابية لطلاب الجامعات و الثانويات، كان واجهة حقيقية للفعل النقابي، في ظاهره ، و السياسي في مطالبه.
في سنة 1962 قاطع الاتحاد الوطني الاستفتاء على الدستور و اعتبره ممنوحا، و عربيا، طالب الاتحاد باستقلال الجزائر معلنا تضامنا غير مشروط مع الثورة الجزائرية، بل إنه أدان الحرب التي خاضها المغرب ضد الجزائر في ما عرف بحرب الرمال ، قبل أن يتعرض رئيسه للمحاكمة غيابيا و يحكم عليه بالإعدام.
في نفس السنة صدر قرار الوزير يوسف بلعباس الشهير القاضي بحرمان التلاميذ من متابعة الدراسة، فثار “الاتحاد” في وجه الوزير و النظام معا، و استمر في خطه “النضالي”، المطبوع بمبادئ اليسار التقدمية، ليُعْلن الاتحادُ الوطني في مؤتمره الخامس عشر ، شعاره الشهير “لكل معركة جماهيرية صداها في الجامعة”.
استمرت المواجهة بين الحركة الطلابية و النظام السياسي، قبل أن تتوج بحظر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب و اعتقال جميع أعضاء اللجنة التنفيذية المنبثقة عن المؤتمر الخامس عشر خلال مواجهة حامية الوطيس دارت رحاها بين أسوار الجامعة و خارجها.
كان الاتحاد الوطني، في واقع الأمر، تنظيما سياسيا حقيقيا بجلباب نقابي، و لم يكن مجرد نقابة تدافع عن مطالب الخبز و الرغيف، و بفضل القيادات التي تمتع بها آنذاك، أصبح “التنظيم”، بفصائله التاريخية، مشتلا خصبا لإنتاج الثوار والمثقفين العضويين، ما جعل منه رقما ثقيلا و مزعجا في معادلات السياسة بالبلد.
الآن بعد مرور عقود من الزمن على المجد و العنفوان الذي حققه طلاب الجامعات في سنوات الرصاص، ما ذا تبقى من هذا التراث النضالي؟
ماذا تبقى من هذا الإرث؟ بدون مبالغة و لا مواربة: لا شيء.
لقد أضحت الجامعة المغربية أقرب إلى مصنع لإنتاج “شهادات” ما أنزل الله بها من سلطان، و هي بذلك أقرب إلى أسوار فاقدة للحياة منها إلى مؤسسة لإنتاج المعرفة و البحوث العلمية الأكاديمية و تخريج النخب السليمة، و لسوء الطالع نالت كليات الحقوق، التي كانت تحمل على الدوام مشعل الحرية، نصيبا وافرا من حالة التردي والرداءة، و صار طلابها و خريجوها مجرد إفرازات تثير الغثيان، كيف لا و قد غادر رحابَها المتنورون و استوطن باحاتها “الرهبانُ و الإيكليروسْ” ؟
atlati.mohammed@gmail.com