أحكام الفقه الجنائي في المذهب المالكي
جريدة طنجة – عمر بن محمد قرباش
الخميس 12فبراير 2015 – 09:44:43
الفرع الرابع : مفهوم العقوبة :
أ ـ تعريف العقوبة لغة :
” عقب ” عقب كل شيء ، وعقبه ، عاقبته ، وعقباه ، وعقبانه : أخره ، قال الخليل : كل شيء يعقب شيئا فهو عقيبه ، وعاقبة كل شيء ، أخره ، وأعقبه بطاعته أي جازاه . و العقبى جزاء الأمر ، وعقب هذا إذا جاء بعده ، وكل شيء جاء بعد شيء ، والعقاب والمعاقبة أن تجزي الرجل بما فعل سوءا ، و العقوبة : اسم مصدر من عاقبه يعاقبه معاقبة و عقابا : أخذه به ، وتعقبت الرجل إذا أخذت بذنب كان منه ، وأعقبه على ما صنع : جازاه . والعقبى جزاء الأمر. والمعقبات : ملائكة الليل والنهار ، لأنهم يتعاقبون .
فالعقاب والمعاقبة تأتي بمعنى : كافأه به ، و الجزاء العدل ، و المأخذة ، قال الله تعالى { وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم } ، فمن قرأ فعاقبتم معناه ، أصبتموهم في القتال بالعقوبة حتى غنمتم .
ب ـ تعريف العقوبة اصطلاحا :
عرف المالكية العقوبة فقالوا ” العقوبة هي زواجر ، إما على حدود مقدرة ، وإما تعزيرات غير مقدرة ” .
وعرفها ابن فرحون في تبصرته بقوله : ” فالعقوبة تكون على فعل محرم ، أو ترك سنة ، أو فعل مكروه ، ومنها ما هو مقدر ، ومنها ما هو غير مقدر ، وتختلف مقاديرها وأجناسها وصفاتها باختلاف الجرائم وكبرها وصغرها ، وبحسب حال المجرم في نفسه ، وبحسب حال القائل ، والمقول فيه ، و القول .
و عرفها ابن القيم بأنها ” تكون على فعل محرم أو ترك واجب ” ، و ورد تعريفها في التشريع الجنائ الاسلامي لعبد القادر عودة بأنها ” الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع ” .
فالنظر لجل تعريفات العقوبة السابقة يجد الناظر لها أنها تكمل إحداها الأخرى بحيث تؤدي بنهاية المطاف إلى معنى واحد ومفهوم مشترك حاضر بالأذهان وإن تعددت طرق التعبير عن هذا المعنى واختلفت فيه الألفاظ وترتيبها ، ومن هذا كله نصل إلى أن العقوبة تخلص إلى الأمور الآتية :
أولا : وجوب العقوبة جزاء ، سواء كانت العقوبة مقدرة من قبل الشارع الحكيم ، أو كانت العقوبة غير مقدرة بل مفوضة لولي الأمر في تحديدها .
ثانيا : سبب وجوب الجزاء هو معصية الله عز وجل سواء كان بترك ما أمر به سبحانه وتعالى فعله ، أو فعل ما نهى جل شأنه عنه .
ثالثا : تشريع العقوبة والغاية المرجوة منها مع التنوع في تقديراتها ، هو الردع والكف عن الإجرام ، وارتكاب المحرم ، والحفاظ على المجتمع من الجرائم ، وقطع الفساد بين أفراده .
وثمة ملاحظة بين العقوبة و العقاب ، فالفقهاء في متونهم الفقهية فرقوا بين تعريف العقوبة و العقاب في الفقه الإسلامي :
فالعقوبة هي الشيء الذي يقع على الإنسان في حال الحياة الدنيوية ، بسبب مخالفة شرعية ، أو قانونية ، مثل الذي يرتكب جريمة الزنى والقذف ، والسحر، و القتل ، فيرتكب بحقه إذا تحققت بالأدلة الشرعية : القصاص و الحدود و التعزيرات .
أما العقاب فهو : ما يلحق الإنسان في الآخرة ، نتيجة لارتكابه بعض الجرائم الشرعية ، إذا لم يحد في الدنيا بطرق شرعية على يد الحاكم الشرعي ، أو بعض الأخلاقيات المنهي عنها شرعا وعقلا وثبتت بنص صريح ، و حكي عليه الإجماع عند الفقهاء .
وقد قسم الفقهاء العقوبة إلى قسمين :
ـ ” عقوبة محدودة حدت بنص شرعي من الكتاب أو السنة ، كعقوبة الخمر وعقوبة الزنا والردة عن الإسلام ، وكالقصاص ، والديات بكل أنواعها ، والكفارات التي طالب الشارع بها طلبا دينيا أو قضائيا ، ككفارة القتل أو الخطأ .
ـ وإلى عقوبة غير محدودة ، وهي العقوبات التي لم يرد نص من الشارع ببيانها ، ولكنها للردع ، أو شفاء غيظ المجني عليه في جرائم الاعتداء على الأشخاص أو على النظام الاجتماعي ، كالتحريض على الفسق ، كفتح محال لبيع المسكرات ، وغير ذلك من الجرائم التي لم يرد نص من الشارع بوضع عقوبة محدودة لها ، وتسمى العقوبات غير المقدرة عقوبات تعزيرية ,,,”ّ .
وتتفاوت العقوبات في التشريع الإسلامي بتفاوت أنواع الأذى الذي يحدث من الجريمة ، فتكون العقوبة بمقدار الجريمة المرتكبة ، فالقصاص أساس العقوبات في الفقه الاسلامي ، فمن قتل يقتل ، ومن فقأ عينا تفقأ عينه ، ومن ضرب يضرب … وهكذا ، فمقادير العقوبات مشتقة من مقادير الجرائم في الفقه الإسلامي ، وهي ـ العقوبات ـ في مجملها وحقيقتها أذى ينزل بالمجرم ، إلا أنها من حيث الأهداف والآثار رحمة بالمجتمع وصيانة له وتقويم للكافة على احترام أمر الشارع ونهيه .
يتبع


















