لا “سيدي” …لا “مولاي”….. سواسيّة كأسنان المشط
جريدة طنجة – عزيز كنوني :
الثلاثاء 17 فبراير 2015 – 17:02:56
ولكن يبدو أن اصحاب الخلفية المعلومة “فهموها غلط” وظنوا أنها “أغلبية غالبة” وأنها “فتح مبين” وتوفيق ورشاد وهداية، وأن “هواهم” نوع من “الحق اليقين” ودونه زيغ وضلال مبين.ا…
ومن هذا المنطق، سفهوا جل مقترحات المعارضة التي اعتبروها خذلانا لهم ولمخططاتهم الاصلاحية التي لا نشك في صدق تعاطيهم معها وفي حزم مواجهتهم للفساد الذي اتضح أنه أعلى من هاماتهم واكتشفوا أنهم لم يكونوا مستعدين، بما فيه الكفاية لمواجهته.
وتلك قصة أخرى .ا..
وحين يقف الشوباني أو بوانو ليعلن رفض الحكومة لمقترح مشروع قانون أو تعديل قانون تقدمت به المعارضة، فإنهما يستنجدان بمبررات سطحية إنشائية غالبا ما تشتم منها رائحة الشماتة والاستقواء العددي الذي لا يلام أهل “الخلفية المعلومة” عليه لأنه فصل من قواعد “اللعبة” الديمقراطية .ا
تلك كانت حال المعارضة في مواجهاتها المستمرة للحكومة في العديد من التعديلات التي أهمت من بين ما عالجت، مشاريع استغلال المقالع وقانون المالية والقوانين الانتخابية وقانون المناجم فيما يخص استغلال المياه المعدنية والقوانين التنظيمية للحكومة بخصوص مسألة “التنافي” و، بطبيعة الحال، مشروع قانون “سيدي، وللا ، ومولاي”، وقانون تشغيل البنات القاصرات في بيوت أبناء وبنات الذوات .
والعجيب في طريقة عمل البرلمان أنه بعد أن أقرت غرفته الثانية مادة التنافي بين منصب وزير والعضوية في أحد مجلسي البرلمان ورئاسة جماعة ترابية، وبعد موافقة لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب بإجماع أعضائها بمن فيهم ممثلو العدالة والتنمية، على تعديلات مجلس المستشارين بإقرار حالة التنافي، ضغطت الحكومة على أغلبيتها لتعديل هذه المادة، حماية لثلاثة وزراء ،عزيز الرباح من العدالة والتنمية، عمدة القنيطرة ومحمد مبديع من الحركة الشعبية، عمدة الفقيه بن صالح ومحمد عبو، من الأحرار، عمدة بني وليد بتاونات، الذين تشبثوا بالمنصبين معا. المضحك في الموضوع أن الوزير الربا ح هدد بتقديم استقالته، وكأن الأرض ستتوقف عن الدوران، في حالة ما إذا غادر الرباح “القطار السريع”….
المهم أن المصادقة تأجلت لغاية البحث عن حل “متفاوض عليه” يخفف “مما نزل” ويلتف على القانون حسب المثل القائل، “من صنع القانون صنع الحيلة.ا.ا…”
وكانت أمينة ماء العينين، النائبة عن حزب العدالة، قد “خرجت” عن مفاهيم حزبها حين اعتبرت أن التصويت على عدم الجمع بين الصفة الحكومية ورئاسة جماعة ترابية، ينسجم مع مضمون التعديل الذي سبق أن تبنته الأغلبية خلال المرحلة الأولى، موضحة أن إقرار حالة التنافي يعد من مداخل الإصلاح السياسي والمؤسساتي بالبلد.
مقترح تعديل آخر تقدمت به العارضة وحظي بدعم فئات عريضة من الشعب ، يخص رفع سن “خادمات البيوت” من 16 إلى 18 سنة. وكانت المعارضة قد فشلت في ثني الحكومة على الاستمرار في تعنتها إزاء تشغيل القاصرات ما بين 15 و 16 سنة، كخادمات بيوت بعد أن وافق مجلس المستشارين على القانون الحكومي وسط جدل حقوقي ومطالبة المغرب باحترام التزاماته الدولية في مجال حقوق الطفل. وكانت منظمة “اليونيسيف” قد نبهت الحكومة إلى كون مشروع القانون، لا يستجيبُ للاتفاقية الدولية الموقعة لحقوق الطفل، كما أنَّه لا يراعِي مبادئ منظمة الشغل الدولية، داعية إلى إلغاء المقتضيات المعاكسة للمصلحة الأسمى لكلِّ طفل، لأن عمله، في أي سنٍّ كان، يحرمه من حقوقه في التربية والحماية والتنمية والصحة.
وسيعود القانون إلى مجلس النواب في قراءة ثانية إلا أن الأمل ضعيف في أن تنجح المعارضة “الشعبية” في تمرير تعديلاتها أمام تعنت “الأغلبية” وتشدد وزير التشغيل “التقدمي” الذي يرى أن مسألة تحديد السن الدنيا لقانون تشغيل خادمات البيوت، تصنف في خانة “القضايا السياسية” إذ أن القضية سياسية واجتماعية بالدرجة الأولى ، وليست قانونية، يقول، لأن القراءة القانونية المحضة قد يغيب عنها تأويل حقائق المجتمع التي نعيشها. وأضاف خلال يوم دراسي نظمه فريق حزبه بالبرلمان أن القانون ليس سوى تجسيد لموازين القوى في مجتمع متعدد غير متجانس وأن مجتمعنا فيه محافظون وتقدميون ومعتدلون وعلى الحكومة أن تمسك العصا من الوسط”….
وما دخل هذا “الشرح” اللاهوتي في موضوع “إكراه” طفلات على العمل الشاق المنهك، في الظروف التي نعلم، وهن في سن لم يتعد الحد الاجباري للتمدرس…..؟.ا….
هذا القانون، في نظر أهل النهى عنوان لفشل الدولة بمؤسساتها في مجال التشغيل وفي غيره من المجالات المرتبطة بالإنسان وبالمجتمع، بإخراج شريحة هامة من أطفالنا من فصول الدراسة للعمل خادمات في البيوت من أجل مساعدة آليات التخطيط على تحسين نسبة التمدرس، حتى يتمكن الوزير من أن يعلن أن هذه النسبة بلغت 98 بالمائة…..وكذلك من أجل التخفيف من وطأة بطالة الآباء، بفتح المجال أمام الأطفال بنات وذكورا من العمل بدلهم، عوض أن يرفع بلمختار عصاه في وجه الحكومة مطالبا بتطبيق قانون حماية الأطفال وقانون التعليم الاجباري بالمغرب، دولة الحق والقانون.ا.ا.ا…
ومن العلامات البارزة في مواجهات الأغلبية العددية الحكومية مع المعارضة، رفض التصويت على مقترح يتعلق بالحالة المدنية، بغاية الامتناع عن تسجيل ألقاب “سيدي” و “مولاي” و “للا” عند تسجيل أسماء المواليد الجدد في كناش الحالة المدنية.
جانب الصواب في هذا المقترح سعيه إلى إثبات المساواة الفعلية بين جميع المواطنين، أمام القانون، ورفض كل أشكال التمييز بينهم، كما ينص على ذلك دستور البلاد. فالمغاربة “سواسية كأسنان المشط”، بالقانون وبالدين والملة، ولا فضل لحامل بطاقة “الشرفاء” على من يذكر اسمه “حافيا” بلا مقدمات …
وفي هذا الصدد ، ذكر الأستاذ ادريس الكنبوري في عمود بيومية “المساء”، عدد أمس الجمعة، أن الراحل محمد بن الحسن الوزاني ربما كان أول من تصدى لهذه الظاهرة بمقال نشره في جريدة حزب الشورى والاستقلال “الرأي العام” نادى فيه بضرورة ضبط مجال آل البيت وإخراجه من التسيب والاستغلال.
إن الانتساب إلى النسب الشريف مسؤولية دينية وأخلاقية، و آل البيت في المهج والقلوب، نكن لهم المحبة والاحترام، ولكن أي امتياز ينبني على “الشرف النسبي” لا يؤسس لدولة الحداثة ، التي نعمل لها والتي يتساوى فيها جميع المواطنين على أساس الانتماء إلى الوطن، أمام القانون الذي يحدد واجبات ومسؤوليات الجميع، ، لا فرق بين “عامي” و “شريف” …إلا بالتقوى في محبة الوطن الكل.
وبينما كنا ننتظر أن “تسمح” الحكومة البنكيرانية المنتفخة الأوداج بتمرير هذا المشروع، تكريما للمواطنة وقطعا مع ممارسات مشينة يستغل فيها النسب الشريف لتحقيق امتيازات مادية أو معنوية، ومآرب أخرى، على حساب المواطنة ، طلعت علينا وزارتا الداخلية والعدل بقرار منع “بطاقات الشرفاء” كخطوة أولى، نتمناها، على طريق القطع مع تلك الممارسات المخلة بحق المواطنين في المساواة والعدل.
لا “سيدي” لا “مولاي” بعد اليوم . ولو كره الكارهون .
بقلم : عزيز كنوني