ذكرى ميلاد أمير الرحالة ابن بطوطة الطنجي
جريدة طنجة – هشام البُخـاري
الخميس 26 فبراير 2015 – 11:42:08

و أتقَنَ ابن بطوطــة خـــلال رحلاته الثـلاث التـي قَطعها في مائة وأربعين ألف كيلو متر اللغتين الفارسية والتُركيـة ، وهو رقــم لـم يكسره أي رحـالـة مُنْفَـــرد إلاّ بَعْد اخْتــراع السُفن البُخـاريــة، و تعرض إبن بطوطة للأخطار و المَهــالك في الصَحــاري و الـغابـَات، وأفلت من قُطــاع الطُرُق في البر، و قـَراصنة البحر، و نَجــا مرارًا من الموت والأسر.
قـامَ في الرّحْلة الأولـى بزيــارة شَمـال المغرب الأقصى و الجزائر و تونس و طرابلس الغرب و مصر، و الحجاز وجنوب بلاد العرب، وشرق إفريقية، وفلسطين والشام والعراق وشبه جزيرة الفرم، والقسطنطينية وبلدان آسيا الصغرى، وبلدان آسيا الوسطى وأفغانستان والهند والصين، ثم عاد إلى بلاده عن طريق جاوة وسومطرة وبلاد العرب فطنجة وفاس عاصمة المملكة آنذاك.
وفي الرحلة الثانية ذهب إلى الأندلس فزار آخر ممالكها الإسلامية غرناطة ، أما الرحلة الثالثة، فكانت إلى بلدان السودان الغربي و هو الحيز الجغرافي الذي يشمل حاليا بلدان مالي و النيجر و تشاد و التي ارتبطت بالمغرب دائما بروابط سياسية و دينية.
و ما يميز رحلات ابن بطوطة عن بقية الرحالة و المستكشفين الغربيين أمثال ماركو بولو أنها لم تكن لأغراض تجارية أو استكشافية تحت الطلب بل بحثا عن المعرفة و العلم و بتمويل ذاتي. حيث اتصل خلال تجواله بكثير من الملوك والأمراء و الحكام فمدحهم، فكان يستعين بهباتهم على أسفاره.

اتصل ابن بطوطة بالسلطان أبي عنان المريني عند عودته لوطنه المغرب الأقصى ، أقام في حاشيته يُحَدِّثُ الناس بما رآه من عجائب الأسفار، ولما علم السلطان بأمره وما ينقله من طرائف الأخبار عن البلاد التي زارها أمر كاتبه الوزير محمد بن جُزَي الكلبي الغرناطي المولد والتعلم، أن يكتب ما يمليه عليه ابن بطوطة فانتهى من كتابتها سنة 1356م، وسماها (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) وتُرجِمَتْ إلى اللغة الإنجليزية، ونُشِرَت في لندن سنة 1829م، وتُرجِمَت إلى اللغة الفرنسية، وطُبِعَت في باريس، وفي عام 1853م وتُرجِمَت إلى الألمانية، وطُبِعَت سنة 1912م، وكذلك تُرجِمَت إلى اللغة التركية.
يقول محمد بن جُزَيّ الغرناطي مُقدما للكتاب “ونقلت معاني كلام الشيخ أبي عبد الله بألفاظ موفية للمقاصد التي قصدها، مُوضحة للمعاني التي اعتمدها، وربما أوردت لفظة على وضعه فلم أخل بأصله ولا فرعه، وأوردت جميع ما أوردت جميع ما أوردت من الحكايات والأخبار ولم أتعرض لبحث عن حقيقة ذلك ولا اختيار، على أنه سلك في إسناد صحاحها أقوم المسالك، وخرج عن عهده سائرها بما بما يشعر من الألفاظ بذلك، وقيدت المشكل من أسماء المواضع والرجال بالشكل والنقط ليكون أنفع في التصحيح والضبط،وشرحت ما أمكنني شرحه من الأسماء العجمية لأنها تلتبس بعجمتها على الناس، ويخطئ في فك معماها معهود القياس”).
و عن كتابه «تُحْفَة النُظار في غَرائبِ الأمْصَار و عَجـائب الأسْفَار» يقول المستشرق ريجيش بلاشير: “لهذا الكتاب أهمية فائقة في التعرف على العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الميلادي، ففيه يكثر الاستطراد وتختلط الأساطير مع الحكايات البعيدة عن التصديق، والأوصاف المتكررة تكشف فيها أيضًا معلومات تاريخية دقيقة ومفيدة، لاسيما تلك التي لا تحصى والمتعلقة بعقائد وعادات وأخلاق السكان كما يراها هذا الرحالة المسلم، الذي يتفوق عنده حبُّ الاستطلاع على حدَّة الذكاء”.

ويقول الباحث اليابـانـي “يـاموتو”رَدًا على انتِقـادات بعْض المُسْتَشْرقين “من العَسير القول بأن جميع حكايات ابن بطوطة عن الصين هي من نسج الخيال وحده، حقًّا إن وصفه لتلك البلاد يشمل عددًا من النقاط الغامضة، لكنه لا يخلو من فقرات مُعينة تعتمدُ على مُـلاحظة مُبــاشرة، فضلًا على أنـّهُ من المُسْتحيل القول بأن رواياته التي وجدت توكيدًا في المصادر الصينية وفي أسفار ماركو بولو قد كانت من تلفيق مخيلته”.
وفي هذا الإطَار، كان يدْعُو دائمـًا المُؤرخ عبد الصمد العشاب رحمه الله مدير و أمين مؤسسة عبد الله كنون إلى تجميع كل الكتب والمقالات التي حررت عن ابن بطوطة ورحلاته المتعددة بكل اللغات في سبيل إحداث متحف أو ناد عن هذه التجربة التي قادت الرحالة لتبوء مكانة «أمير الرحالة المسلمين»، حسب جامعة كامبردج.
تضاربَت الرّوايـات حَوْل مَكان دفنه بين فاس ومراكش، لكن الرواية الغالبة هي توليه القضاء آخر أيامه في جهة الشاوية حيث وافته المنية بتلك المنطقة و هو قاضي سنة 1377، وهناك العديد من الروايات والوثائق التاريخية أهمها رواية ” الحافظ ابن الحجر” التي تنفي أنه دفن بطنجة وتؤكد دفنه بمكان ما في الدار البيضاء الحالية، فالقبر الموجود بالمدينة العتيقة لطنجة هو فقط مزار للرحالة ابن بطوطة وليس قبره، فالقبر فهو لأحد صلحاء المدينة واسمه سيدي أحمد بن علال.
وحسب الشهادات التاريخية للمؤرخ الكبير عبد الهادي التازي، الذي قام بتحقيق كتاب «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» ، فابن بطوطة كان يعيش في آخر حياته قاضيا في تمسنا أو الدار البيضاء حاليا، حيث صرح سنة 2008 في لقاء صحفي جَمَعهُ بـــالإعلامي اللبناني سامي كليب مقدم بـرنــامج “زيارة خاصة” على قناة الجزيرة القطرية بأن السلطان الحسن الأول كان قد حاول التدقيق في الموضوع، فـأجْمعَ مُــؤرخو طنْجَــة وعلى رأسهم الفقيه العـالم السكيرج مــؤلف كتاب “رياض البهجة في أخبار طنجة” و أيدهم في ذلك مؤرخ طنجة المشهور عبد الله كنون، وأكدوا أنه لم يدفن في طنجة.

المراجع :
كتاب “إيران بين الأمس واليوم” قراءة جديدة لرحلة ابن بطوطة للدكتور عبد الهادي التازي (منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، 1984
مجلة دعوة الحق – العدد 274 – أبريل 1989 –عبد الله العمراني : (في ذكرى شمس الدين أبي عبد الله ابن بطوطة).
مجلة الوعي الإسلامي – العدد 557 – نوفمبر – ديسمبر 2011 – الرحالة المسلم ابن بطوطة.. 29 عامًا وراء المعرفة.