جهة طنجة ـ تطوان ليست للبيع .ا
ثم إن إنشاء القطب الاقتصادي بطنجة حول الميناء المتوسط ضاعف من حظوظ التكامل على مستوى الجهة ــ نظريا ــ بالرغم من أن ”العنصر الشمالي” يشكل أقلية بين عمال المنشآت الصناعية والاقتصادية بالمنطقة التي تستقطب عمالها من خارج جهة طنجة ـ تطوان، حتى إنه ليخشى أن تتقلص استفادة جهة طنجة ـ تطوان من هذا القطب الاقتصادي إلى حد التفاهة.
هذه المقدمة، على طولها، كانت ضرورية لوضع القارئ في الصورة الحقيقية لجهة طنجة ـ تطوان التي اشترك أبناؤها في وضع أسس الخاصيات التي تطبعها والسمات التي تميزها وتتحد عندها ومنها انفتاحها المبكر على العالمين العربي والغربي الأمر الذي ساهم في تركيب الشخصية المميزة للمنطقة.
وبينما كنا نتوقع أن يمر “تسونامي” الجهوية بسلام بعد ردود الفعل الغاضبة والمتشنجة في بعض الجهات والأقاليم بالشمال والوسط والجنوب، خاصة بجهة الريف التي “تناطح” نور الدين البركاني ومحمد بودرا حول المدينة المؤهلة لتكون عاصمة الجهة ، حيث طالب الأول بمدينة الناظور بينما ألح الثاني على أن الحسيمة “كانت دائما وأبدا” عاصمة الريف الكبير أو”المغرب المتوسط”، طلعت علينا هيئات سياسية وأهلية ريفية تطالب ب، “ضم” إقليم الحسيمة لجهة طنجة ـ تطوان، بل إن جمعية “أمازيغ صنهاجة” ألحت على إدماج الحسيمة في هذه الجهة وتقدمت بملتمس إلى جلالة الملك، بهذا الخصوص، كما طالبت بإنشاء عمالة صنهاجة ـ ترجيست.
وكرد فعل عن هذا “التحرك” الذي يشبه العاصفة، قدمت جماعة من أهل الريف عريضة أولى تطالب بإلغاء “التعديل” الذي أدخله وزير الداخلية على تقسيم لجنة عزيمان والقاضي بإلحاق الحسيمة بجهة طنجة ـ تطوان، والإبقاء عليها حيث هي ، داخل جهة الريف، لاعتبارات إثنية واقتصادية واجتماعية وثقافية… إلى آخره. وقد نشرت جريدة “الشمال” تحقيقا في الموضوع، في عددها 769 (27 يناير ـ 2 فبراير) بعنوان “الحسيمة بين جهة طنجة ـ تطوان ومقترح “الريف الكبير” من النهر إلى البحر”.
إلى أن “السجال” لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن زمرة من منتخبي الريف، استبقوا حكم الحكومة التي “تحفظ” رئيسها على مقترح وزيره في الداخلية بشأن ضم إقليم الحسيمة إلى جهة طنجة ـ تطوان، وطلعوا علينا بــ “عريضة” مفاجئة ومثيرة في نفس الوقت، “تقلب الآية” طولا وعرضا، وتطالب بضم “الريف الغربي” الذي هو، في نظرهم، “جهة طنجة وتطوان”، إلى “الريف الشرقي” الذي هو “الناظور ـ وجدة” والجمع بين القطبين الاقتصاديين في قطب واحد، نظرا، للتكامل الاقتصادي والجغرافي والاجتماعي والثقافي” الموجود بين القطبين معا.
لا، بل إن “شهية” الموقعين على تلك العريضة تفتحت أيضا على تازة وتاونات حيث طالبوا بــ “عودة” هذين الإقليمين إلى حظيرة الريف الكبير، باعتبارهما “ذاكرة الريف”…بمعنى أن الريف الكبير هو منطقة ” الحماية الاسبانية” بشمال المغرب، زائد تازة وتاونات…ومع ما يظهر مستقبلا .ا…
من بين الشخصيات الريفية التي وقعت على العريضة المذكورة عن الحسيمة : نور الدين مضيان (حزب الاستقلال)، سعاد الشيخي (العدالة والتنمية) ومحمد لعرج (الحركة الشعبية) وعن الناظور” محمد أبرشان (الاتحاد الاشتراكي) ومصطفى المنصوري (التجمع الوطني للأحرار) ووديع التملابي من الحركة الشعبية فضلا عن مستشارين بالغرفة الثانية ورؤساء بعض الجماعات الترابية والهيئات الأهلية أو ما يسمى بــ ” المجتمع المدني”….في حين لم يدعم حزب الاصالة والمعاصرة موضوع العريضة لأسباب سوف تظهر عند انتخاب مجلس جهة طنجة ـ تطوان .ا.ا.ا.
أصحاب عريضة أهل الريف استندوا في مطالبهم بضم طنجة وتطوان “وما قاربهما ” إلى “الريف الكبير” ــ الذي لا تغيب عنه الشمس ــ، إلى “التكامل الاقتصادي والجغرافي والانسجام الاجتماعي والثقافي وإلى الابعاد الاقتصادية وتكامل الأدوار بين “قطبيي الريف” المطاوب “ضمهما” في قطب واحد، وإلى ما أسمته العريضة بــ “البعد النفسي للانتماء إلى منطقة الريف” وهو بعد يرتبط بمجالات الثقافة والتاريخ والحضارة.ا.ا.ا…..
إن الخوض في تحليل هذه الحيثيات يدفع بنا إلى الإقرار بأن الرابط الوحيد بين ما أسمته العريضة بـ “قطبي الريف الكبير” هو الرابط “الجغرافي” والذي لا مسؤولية ولا فضل لأحد في وجوده .ا.. أما “التكامل الاقتصادي و “الانسجام الاجتماعي والثقافي و”البعد النفسي للانتماء إلى الريف”، إنما هي “أدبيات إنشائية”، ليس إلا.
ذلك أن للريف حضارته وتاريخه وثقافته ولغته المميزة وله أيضا رجالاته الذين أبلوا البلاء الحسن في الدفاع عن شخصيته المادية والمعنوية في إطار الوحدة الوطنية وعلى رأسهم الأمير محمد عبد الكريم الخطابي الذي يعتبر واحدا من أكبر نوابغ هذا العالم في النصف الأول من القرن العشرين.
أما أن نتحدث عن “البعد النفسي” لانتماء أهل جهة طنجة ـ تطوان إلى الريف فإنما هي “مزايدات كلامية رخيصة و ” باطل أريد به حق” (.ا) ثم من خول لأصحاب العريضة التحدث باسم جهة طنجة ـ تطوان بولايتيها وعمالتيها وأقاليمها الخمسة وباسم سكانها الذين يشكلون 9 بالمائة من سكان المغرب والدفع بضرورة “ضمها” للريف الكبير، دون استشارة أهلها أو ممثليهم والأخذ برأيهم؟ ألم يطالب أهل الريف، عبر ممثليهم وجمعياتهم الأهلية بحق استشارتهم في التقسيم الجهوي الذي أقدمت عليه الحكومة وفق نصوص الدستور الجديد. فكيف يدوسون، اليوم ، حق غيرهم فيما استباحوه، بالأمس ، لأنفسهم، ويطالبون بضم جهة طنجة تطوان أو ما أسموه ، باطلا، بــ “الريف الغربي” إلى الريف الكبير الذي لا يربطها به إلا الجغرافية والمواطنة…والخير والإحسان……
مثل هذا التصرف يترجم قلة “النضج” السياسي لدى أصحابه حيث يحشرون أنوفهم فيما لا يعنيهم ويتطاولون على حقوق سواهم، والحال أن لمدن طنجة وتطوان والعرائش والقصر الكبير والشاون ووزان والبلدات والقبائل المجاورة وجود تاريخي يميزهم ومقومات ثقافية وعلمية وحضارية متعددة المشارب، تخصهم و يتفردون بها بين جهات المغرب الأخرى، ولا يعقل أن يتم “التشطيب” عليها وإلغاؤها من الوجود، بجرة قلم.
إن جهة طنجة ـ تطوان ليست، ولن تكون أبدا، جناحا جغرافيا “غربيا” لأي جهة كانت. إنها كيان قائم الذات منذ ثمانية آلاف عام، وقد لفتت إليها أنظار حكماء اليونان وغزاة الروم ومن جاء بعدهما من أجناس وأقوام، تشكلت لديها بحكم هذا الاختلاط الإثني والحضاري العجيب والمتنوع ، ثقافة خاصة وتفكير فارق ذو علامات متميزة. ونحن متأكدون أن لا أحد من مسؤولي هذا البلد، يقبل بنظرية “الريف الغربي” في ما يخص جهة طنجة ـ تطوان التي يوجد أهلها في “مكان جغرافي” وحضاري مريح، عند ملتقى البحرين الذي يحدد مزاجهم وتفكيرهم ومشاعرهم.
متى شكلت جهة طنجة ـ تطوان “الريف الغربي” ؟
بقلم : عزيز الكنوني