ألـوان فبرايـر
جريدة طنجة – تـوفيق بوعشرين
الجمعة 20 فبراير 2015 – 17:09:55
اسمحوا لي أن أختلف كليا مع هذا الرأي، وأبدأ من تعريف حركة 20 فبراير، لكي نحكم على أدائها وأهدافها، وما حققته وما لم تحققه. 20 فيراير حركة اجتماعية وليست حزبا ثوريا، وشباب الحركة غير المتجانس خرج في إطار احتجاجات عفوية، ولم يكن في ساحة نضال ثوري ببرنامج يستهدف الإطاحة بالنظام والاستيلاء على السلطة ونصب المشانق لأعداء الشعب. إذا سلمنا بهذه الحقيقة، فيجب أن نسلم بأن الاحتجاجات الاجتماعية والانتفاضات الديمقراطية تدخل في خانة التوجهات الإصلاحية وليس الثورية، والحركات الإصلاحية بطبيعتها مبنية على أسس تراكمية، وليس على قطيعة سياسية مع الماضي والواقع القائم، وبالتالي، فإن مفعولها ممتد عبر الزمن في السياسة والثقافة والذاكرة والعقل الجماعي.
الآن لنطل بسرعة على ما حققه الحراك المغربي.. جاء بدستور جديد لأول مرة يضعه المغاربة وليس الخبراء الفرنسيون، ورغم كل الملاحظات المسجلة عليه، فـــإن الدستور وثيقة تعكس موازين القوة في لحظة من اللحظات، وموازين القوة سنة 2011 كانت شبه متعادلة بين الدولة، وفيها القصر ومحيطه، والأحزاب ونخبها، ورأس المال ومصالحه، والإدارة واللوبي التابع لها، والخارج وفيه فرنسا وأمريكا.. كل هؤلاء كانوا مع إصلاح في ظل الاستمرارية، وفي الجهة الأخرى كان هناك جزء من الشارع والشباب المتحمس للتغيير و رياح الربيع العربي، وجزء من اليسار وجماعة العدل والإحسان وأطراف من المجتمع المدني وهؤلاء يعرفون ما لا يريدون في مغرب اليوم لكنهم مختلفون على ما يريدونه لمغرب الغد…
لكن ما يسمى في السوسيولوجيا السياسية بالكتلة الحرجة، أي الطبقات الوسطى، بقيت في الوسط، مع التغيير لكن في ظل الاستقرار، مع الإصلاحات لكن في كنف القصر لا خارجه… وهذا ما أعطى دستورا متقدما اقتسم فيه الملك جزءا من سلطاته مع رئيس الحكومة، وأعطى انتخابات هي الأكثر شفافية مقارنة بسابقاتها، وحكومة هي الأكثر تمثيلية مقارنة بحكومات التقنوقراط المطعمة بوجوه سياسية لا تمثل شيئا…
الربيع المغربي، كما قال بنكيران، نار «سخنت الطاجين المغربي لكنها لم تحرقه»، ليس لأن الربيع المغربي ضعيف، ولكن لأن الأوضاع في المغرب مختلفة عن تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، حيث الرؤساء في هذه البلدان فقدوا المشروعية، في حين أن الملكية في المغرب مازالت تتوفر على قسط كبير من المشروعية، وذلك لأنها تتعامل بمرونة وبرغماتية مع التحولات الجارية، وتجدد نفسها كل مدة، وتتكئ على مخزون ديني لم تفرط فيه في بلاد ومجتمع عُرفا تاريخيا بمحافظتهما…
الحراك المغربي لم يقتل حزب الأصالة والمعاصرة، مثلا، لكنه غير من وظيفته وقزم من طموحه. البام كان يستعد لتسلم مفاتيح الحكم في 2012، والقضاء على خصومه وأعدائه، وبناء النموذج التونسي في المغرب، حيث الأولوية للنمو الاقتصادي على حساب الحرية والديمقراطية والتعددية والحق في المعارضة، الآن، وبعد الحراك المغربي صار أقصى طموح الجرار أن يوقف زحف الإسلاميين، ويبطئ حركة المصباح، وربما المشاركة في الحكم معه سنة 2016، فشتان بين المخطط الأول والواقع الآن…
هذه أمثلة، وإلا فإن هناك العديد من المكتسبات التي خرجت من رحم 20 فبراير، ومنها كسر الخوف من السلطة في نفوس الناس. الربيع العربي نقل الخوف إلى الدولة من الشعب، وقبله كان الشعب من يخاف الدولة.
أعاد الربيع المغربي الحياة إلى الشارع، وأدخل إلى السياسة عشرات الآلاف من الشباب الذين كانوا بعيدين عن الاهتمام بالشأن العام. انظروا إليهم يتحركون وينشطون في المسيرات الاحتجاجية وفي مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحافة والجامعة والمعاهد وفي ساحة الفن والمسرح والسينما والتشكيل… هناك روح جديدة بعثت في هؤلاء الشباب، وغدا سينضمون إلى أحزاب قائمة، أو يؤسسون أحزابا جديدة، وسيواصلون ما بدؤوه في 20 فبراير بأشكال أخرى وألوان أخرى…
* المصدر –اليوم24