السّيرك البرلماني: فرجة ومتعة
تَعـودُ بنا الذّاكـرةُ، مـرّة أخرى، إلى حِكايةِ “السِيرك” الّـذي نَعتَ به الرّاحل الحسن الثاني برلمان الأمّـة، في الـثَمانينـات من القَرْن المـاضي، بسَببِ البهلـوانيات و المُهـاتـرات التي كانت تطبع ممارسات نـُواب الأمة، تحت قبة البرلمان الذي تخطّى اليوم، نصف قــرن من وجـودهِ .
طـرائـف البرلمانيين لا زال المغاربة يتندّرون بها حتّى أن البثَ التليفزيوني للجلسات العامّـة و جلسات الأسئلة الشفوية صـارَ يحصلُ على أعلى نسبة مُشَاهدة، بما يحمل من فُرجَة ومُتْعَة وسُخريّة .
هـذا القولُ يَسْري على النواب كما يسري على وُزراء الحكومـة المُتعدّدة الانتماءات والتوجهات، المُتحدة الهَوى والالتزامات فيما يخص التَضْييق على أرزاق عباد الله وعلى حـرّياتهم التي صارت على “كفة عفريت“… رغم الوعود الانتخابية التي اتضح أنها كانت، في معظمها، وعودا…وكفي. “و عفا الله عما سلف” .
قـامـوس الجَدَل السياسي، على عَهْد الحُكومة الحـالية، داخـل البرلمان وخارجه ، “ممتع” بكل المقاييس، وهو أكيدًا ، لا يَخْلو من غَـرابـة و طرافـة.
فبعد أن طلع علينا بنكيران بتماسيحه وعفاريته و شياطينه ، مُستعيرا بها عن رهط “المشوّشين” ويعني بهم، لا شكّ، لوبيات المفسدين، وصحافة المشاغبين، تكرّم الشوباني من جهته بأن أضاف إلى القاموس السياسي المغربي العجيب، “الضفادع الصمّاء” الذي لا يعلم إلا هو، من وما المقصود بهذا الكائن الذي لا يؤكل منه إلا فخذاه، خاصة في فرنسا وما جاورها.
وكان عبد الواحد الراضي، في زمانه، قد أثار قصّة “ الفيل والفيلة” حين “نهر” نائبا من أغلبية ذاك الزمان، طالبا منه الكف عن الكلام والعودة إلى مقعده. كما أن بعضهم أدخل “الحلّوف إلى البرلمان، مطالبا بإسقاط “الحصانة عنه !!
ولعل الملاسنات التي تحدث بين بعض النواب وبعض الوزراء وفيما بين النواب أنفسهم، والتي تصل أحيانا حدّ السوقية، تزيد العمل البرلماني طرافة وعجبا، ومنها حصّة “الستريبتيز” التي أهداها نائب بالبرلمان لزملائه وزميلاتهحين كشف عن بطنه بما فيه صُرّته، في عملية “إقناع” بأن بطنه خال من “مواد ممنوعة” أو محظورة، تكون قد وصلت إليه بطرق غير مشروعة.
ولا ننسى حكاية النائبة التي مدّت رجليها إلى المقعد الأمامي بعد خلع حذائها ، ما تسبب في “تراجع” “صايتها” إلى منتصف فخديها في مشهد سريالي بديع. كما لا ننسى البرلماني الذي دخل في “طرح” كارطا إليكترونية تحت قبة البرلمان والجلسة “شاخذة” ….ولا أبالي !!!..
وبطبيعة الحال، لا ولن ننسى خناق زعيم حزب الاستقلال، شباط، و زميل له بالبرلمان، ساعة بعد خطاب ملكي سام، وجه فيه جلالته انتقادات إلى الفاعل الحزبي الذي لا يرقى دائما إلى تطلعات المواطنين. الخناق تحول إلى مشادّاة سوقية، تمّ خلالها التشابك بالأيدي وتبادل السب والقذف والضرب و….العضّ أيضا، على طريقة “الدراري”… وبطبيعة الحال، التنابز بالألقاب المنكرة…
مبارزة الديكة !!! …..
أما مسألة غياب البرلمانيين، فحدّث ولا حرج، بالرغم من “ابتكار” حكاية الاقتطاعات في الأجور التي سنها الطالبي العلمي وانتقلت “عدواها” إلى مجلس بيد الله، ولكن “الانتقائية” في التشهير ببعض”المتغيبين، لـ “مكانتهم الاعتبارية” التي باشرها رئيس مجلس النواب أفقدت هذه العملية الكثير من بريقها حيث أنه بالرغم من تحذيرات رئيس البرلمان والتهديد بالاقتطاعات “التافهة” التي لوّح بها، فلم يحضر للتصويت على مشروع ميزانية 2015، ــ التي سترهن ممارسة السيادة الوطنية، من الوجهة المالية لمدة سنة كاملة ــ ، سوى 261 نائبا، من 395 نائبا هم مجموع عدد أعضاء مجلس النّواب.
أما باب المُلاسَنات بين النُواب وبين الـوُزراء، فحَدّث ولا حَرج . خاصة بين الوزير المُثير للجَدل محمد الـوفـا والـرّاضي و الـداودي و نواب الاستقلال وبنكيران و فـرق المعـارضة التي لم يتردد بمواجهتها بالمثل الشعبي المأثور : “اللي فيه شي فزّ كيقفز” (!)
الخلاصة أنّـهُ في خِضمّ “الهرج والمرج” ” الجامعفناوي” الذي تشهده قُبّة البَرْلَمَان، تندرجُ الملاسنات الأخيرة بين وَزير العدل والحريـّات، مُصطفى الرميد، وبين الفريق الاسْتقلالي الّـذي واجهَ الـوزير بسُؤال شَفَوي حَوْلَ مـا أسماهُ “انتقـائية” في تقديم ملفـات الفَساد للنيابة العامة .
السؤال تقدم به الكيحل ليرمي كرة “التعقيب” في ملعب فريقه. رد الـوزيـر كان قـانونيـا في شقه الأول. إلا أن الفريق الاستقلالي كان هدفه ، كمـا يبدو، جـر الـوزير إلى معركة جانبة ، بخُصوص تصريحاته لمحطة “ميدي آن تيفي” حيث ردّ بانفعال على انتقادات النقيب الاستقلالي الحبيب طلابي، بأن أعلن وجود نائبين استقلاليين في حالة فرار في وجه العدالة.
الكيحل نجحَ في استدراج الوزير الرزين إلى هذا الموضوع المثير، كما نجح في استفزازه بالرغم من أن النائب عبد العزيز أفتاتي هرع لنجدته،إلا أن الوزير انتفض في وجه الكيحل متحديا فريقه أن يشكل لجنة برلمانية تتقصى الحقيقة فيما يدعي حزب الاستقلال من وجود انتقائية في طرح ملفات الفساد على النيابة العامة.
كلمة الفَساد هذه أشْعَلت الفِتْنَة خـلال الجلسة التي تـَرأستها النـّائبة رشيدة بنمسعود ، والتي اضطّرَت إلى تَـوْقيفها بعـدَ أن تشَبّث الـوزيـر المُكلّـف بالعـلاقات مـع البرلمان بالكلمة ليقول و يـؤكّـد ويكرر أن مقاطعة الــوزراء “غير قانوني“.
مصطفى الرميد وجه الكلام إلى الفريق الاستقلالي بما معناه أنه وضع اليد على المكان الذي يُؤلمهم في جسدهم الحزبي، واعتبر أن الجسد الحزبي كالجسد البشري “يُفرز أوساخا بشكل طبيعي فيحتاج الانسان إلى أن يذهب إلى الحمام ليتخلص من أوساخه” وأنه من ل يتخلص من الأوساخ، تتحول هذه الأوساخ إلى ميكروبات وفيروسات تؤدي إلى هلاكه”.
و لـم يتأخـر رَد الفريـق الاستقلالي الّـتي اعتبر، في نقطة نظَام مُسْتفـزّة، أن البرلمان انتقل من اللّغَة التّشْريعية و القانُونية إلى لُغَــة الحمـامات والكسالـة ، مضيفًــا أنـه إن كانت هُناكَ أجْسادًا وسخة وتحتاج إلى تنظيف، فــإن هناك، أيضا، أفـواهـا وسخة تحتاج إلى تنظيف”.وإذا ظهر المعنى…..
ومع أني أعرف بما يكفيني من مُنــاورات الاستقلال في تَعاطيهم مع شؤون البلاد، منذ الاستقلال، إلا أني كنت أودّ أن لا ينزلق الوزير إلى هذا الحد، ويفقد توازنه بسبب استفزازات الفريق الاستقلالي الذي قد يصعب عليه أن يعطي دروسا للآخرين، في النزاهة والاستقامة وحسن تدبير الشأن العام، منذ الاستقلال.
أكيد أن الوزير لم يَقوَ على التّحكُم في أعصابهِ، ونزلَ إلى مُسْتَوى الأوساخ والحمام و الميكروبات و الجراثيم و الهـلاك، ومـا كان عليه أن يستعمل لُغةَ “البالوعات” حتى وإن تعلق الأمر بردّ الصاع صاعين. ففي اللغة العربية من فنون البديع من طباق وتورية وجناس وغيرها، ما كان في الإمكان أن يُغنيه عن لغة الحمام.
وكَفانـا نحن الشعب ، وقد خَبرنـا الأحـزاب “الوطنية” قبل وبعد الاستقلال، كما خَبرنا ما تـَلاها من أحزاب لا حاجة لذِكـر المطبـخ الذي خرجت منه، أن نكون قد تكـوّنت لدينا ثقافة سياسية حـزبية واضحة، تُمكننا من التمييز بين الصالـح و الطـالـح، وتجعلنا نُشفق من حال “المعلم” الذي كان “يجب أن يبدأ بنفسه قبل أن يُعلّم غيره” ومن ذاك الذي يصف الدواء لمريض عساه يُشفى من سقمه وهو سقيم، ويُسدي النصح والرشد لغيره وهو من الرشاد عديم.
معان من قصيدة للمتوكل الليثي، من شُعراء الحّماسة.
لا تنهَ عَنْ خُلُق و تـأتـي مثلهُ عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ