المرأة بين المشاريع والمخططات وواقع مغرب ما بعد الدستور الجديد
بينما تتعدد مسميات البرامج والمشاريع والمخططات الرسمية بشأن حقوق المرأة في مغرب ما بعد دستور 2011، بدءا من المدونة ــ التي خرجت من الخيمة “مايلة” ـــ بالرغم من بعض الايجابيات “النظرية” التي جاءت بها، ووصولا إلى مخطط “كرامة” أو “إكرام” الذي قيل إنه سيفصل في المسألة الأساسية، المتعلقة بالمساواة والمناصفة، مرورا بمشاريع قوانين محاربة العنف ضد المرأة، و مناهضة “جميع” أشكال التمييز بين الجنسين، إلى إحداث مرصد وطني لحماية امرأة ضد العنف ، إلى إحداث اللجنة الوزارية للمساواة، إلى الخطة الحكومية للمساواة في أفق المناصفة 2012 ـ 2016، ولا تزال ترسانة التشريع حبلى بالمشاريع التي تخص تمتيع المرأة بحقوقها الطبيعية والانسانية التي نص عليها الدستور خاصة في فصله 19.
كل ما سبق، يخرج من “دواة” الخطب السياسية، التي تكتب وتلقى لأغراض سياسية ومن أجل امتصاص غضب النساء اللائي يشكلن فوق نصف المغاربة واللائي يقفن في مواجهة “أقلية عددية ذكورية” “تقرر” في شأن المرأة ، على أساس “خلفيات” مذهبية مختلفة، وأحيانا متناقضة، ولكن بمنطق القوة والنفوذ والنظرة “الدونية” إلى المرأة “التي لا تصلح إلا لتأثيث صالونات الرجال، كما وصفها “الحكيم” بنكيران، حين شبهها بالثريات التي “يجب” أن تظل حبيسة السقوف الداخلية ، للزينة والإضاءة، حتى إذا “خرجت” انقلب الضوء إلى ظلام، وضيع الرجل اتزانه وحَصافته و رَجاحته.
والذي اطلع على رد رئيس الحكومة بالبرلمان خلال يونيه الماضي، على سؤال بخصوص مكانة المرأة في البرنامج الكومي، يلاحظ، بدون عناء، أن أعلب ما ورد في ذلك الرد الشهير، نظري، يندرج في حكم الأماني والطموح والعزم ــ الذي تقهره الإرادة السياسية الغائبة ــ .
والذي يتتبع أحوال المرأة المغربية، على أرض الواقع، لا يلبث أن يلاحظ، بألم، الفارق لبين النظري والعملي، بين المؤمل المعلن والحاصل الملموس ، بين خطب التفاؤل و صدمة الحال المحسوس.
وخير شاهد على حالة المرأة المغربية ما تطلع علينا به الصحافة الوطنية، كل صباح، من حالات الاعتداء على المرأة ، وحالات الإجرام في حقها، سواء من طرف الأقارب أو الأباعد فهي معرضة باستمرار، لكل أنواع التعذيب من اختطاف وسرقة وابتزاز وضرب وتحرش واغتصاب وقتل، أحيانا ، سواء كانت محصنة أم غير محصنة. ولعل حالات النساء اللائي تضطرهن ظروفهن إلى وضع موالدهن على الرصيف أو بداخل سيارات الأجرة، أو بأبواب المستشفيات، أو حتى بمراحض تلك المستشفيات، لدليل على الإهمال الذي يشكل “حصة المرأة بل “وقدرها” في مغرب الألفية الثالثة .ا….
وتكفي إطلالة على محاكم الأسرة، ليتأكد الإنسان من حالات الشقاء والتعاسة التي تعيشها النساء في ظروف صعبة، أمام قلة الرعاية الرسمية، وتعقد المسطرات الادارية وهزالة النتائج المحصل عليها وخلو التشريع من تلك اللمسة التعاطفية والتضامنية الانسانية ، إزاء المرأة التي كثيرا ما تجد نفسها في “بحر الظلمات”، تتقاذفها أمواجه العاتية، دون شفيق أو رحيم إلا الله.
أما نساء البوادي فحدث ولا حرج .ا لا سكن، لا ماء، لا إنارة، لا دفء طبيعي أو بشري، لا مدارس، لاطرق، لا مواصلات، لا مستشفيات، لا حماية……حقيقة إن بالبوادي “خلايا” مشاريع “تنمية”، ولكنها ليست كافية ولا اقتربت من الكفاية المطلوبة، ولا هي أيضا مطابقة لـ “الاحصائيات” الرسمية التي تقول، مثلا، إن الكهرباء تغطي 98 بالمائة من البوادي المغربية وأن 98 بالمائة من الأطفال المغاربة متمدرسون، أو أن الصحة العمومية تغطي كل التجمعات السكنية بالحواضر والبوادي…..
ليس من الضروري أن يكون الانسان “إحصائيا” ليتأكد، بالملاحظة والمقارنة، أن الإحصائيات شيء والواقع شيء آخر. ولعل الكثير من الشاباب الذين شاركوا في عملية الإحصاء العام للسكان بالمغرب،قد اختزنوا، في ذاكرتهم، الشيء الكثير عن حالة المغرب بالحواضر والبواديبوصف عام.
ومع تنامي “الزواج بالكونطرادا” الشائع اليوم في بعض مناطق جهات الوسط الجغرافي للبلاد، والذي كان مؤخرا، موضوع برنامج تلفزي مغربي، اتضح أنه مجرد “بيع” البنات من طرف أوليائهم، لأغراب مقابل مال لا يزيد أحيانا عن خمسة آلاف درهم، راجت أخبار عن موافقة البرلمان على مقترح “حركي” بتمديد أجل قبول دعاوى ثبوت الزوجية لفترة خمس سنوات أخرى .
المادة 16 من مدونة الأسرة (2004) فصلت في هذا الموضوع من أجل توثيق حالات الزواج العرفي أو الزواج بالفاتحة الذي يبتعد عن أحكام الشرع القاضي بتوثيق الزواج حماية للأسرة وللعترة. ومع ضرورة العمل على توثيق ثبوت الزوجية والقضاء نهائيا على كل أنواع التلاعب بالزواج “المخدوم” الذي يصبح غطاء للفجور ولاستعباد المرأة، تخشى المنظمات النسائية العاملة في ميدان حقوق المرأة من أن يستغل تعديل هذه المادة لاستمرار استغلالها، كغطاء لزواج القاصرات أو لتعدد الزوجات خارجا عن الإطار القانونق الذي حددته المدونة والذي يجب مراجعته في اتجاه “تجريم” التعدد.
ذلك أنه في حالة رفض القاضي الإذن بزواج القاصر، يعمد أهلها إلى تزويجها بالفاتحة أو بالكونطرادا، ثم يلجأون إلى العمل على ثبوت الزواج عن طريق التوثيق البعدي.
لقد كان من الضروري على الدولة أن تأخذ هذا الموضوع بكامل الجد وتجند له الأمكانات الضرورية الكفيلة بمعالجته نهائيا إن بالحواضر أو بالبوادي عبر تنظيم القوافل وفتح مراكز التسجيل وتوظيف مآت الآلاف من المتطوعين من أجل تسهيل عملية إثبات الزوجية حتى لا يبقى بالبلد زواج واحد دوت إثبات أو طفل واحد دون هوية تمكنه من أن يعيش حياة طبيعية ويكطون نفسه وشخصه وفق ميولاته وطموحاته الشخصية، بعيدا عن القهر و الظلم والميز والتواطؤ الاجتماعي.
ومعلوم أن مؤسسة “يطو” لإيواء وإعادة تأهيل النساء ضحايا العنف، سبق وأن كشفت النسبة المرتفعة والصادمة للزيجات الغير موثقة بالأطلس، خاصة، الأمر الذي تترتب عنه تبعات خطيرة بالنسبة للأسرة والأطفال بوجه خاص ، وترى المنظمة أنه من بين أسباب هذا الأمر، عدم توفر التجمعات السكنية الأطلسية على وثائق لثبوت الهوية، ثم لتشتت المؤسسات القضائية وصعوبة ولوجها ، وهو ما يدفع السكان إلى اللجوء لزواج الفاتحة، وهو عرف متمكن من سكان البوادي المغربية، خاصة في المغرب العميق.
ألا تشفع ظروف المرأة المغربية في دولة الحق والقانون، أن تتبوأ المكانة اللائقة بها في المجتمع التي هي جزء فاعل فيه ، علما وعملا، وأن تتمتع فيه بكامل حقوقها كبشر وإنسان ومواطنة كاملة الأهلية، على أرض الواقع، وليس على ظهر مشاريع القوانين وعبر الخطب السياسية الرنانة، الفارغة والمغرضة.
سُميّة امغار