الفقيه المقاصدي…. والمرأة تهافت التهافت
في مسعى مَكْشُوف لتبرير مــا لا يُبـَرّر، من تصريحاتٍ سابقة، حولَ النّساء الَمغربيات اللائــي وصفهن بـ “الجُدد” أو “الحداثيات“، أدلى فقيه “المقاصد” بحديث جديد لجريدة “المساء” أثار فيه عددا من القضايا والمفاهيم التي يمكن إدراجها في خانة “الأبوية الأصولية” المستفزة التي تسعى إلى فرض الحجر المحجور على النساء من باب “القوامة” التي قال عنها بعض “العلماء” كابن جرير وابن كثير وابن العربي ما معناه أنها ” من تمام النعمة الإلهية على النساء والرجال الذين فضلهم الله عليهن “من سوقهم إليهن مهورهن وإنفاقهم عليهن أموالهم وكفايتهم إياهن مؤنهن ولذلك صاروا “قوامين، نافذي الأمر عليهن” (!)…….
وليست المرة الأولى التي يخوض فيها الفقيه المقاصدي الحديث عن المرأة وليست المرة الأولى كذلك التي يرفع صوته منددا ومحذرا من “مخاطر” المنادين بملاءمة النصوص القانونية التنظيمية الوطنية مع مقتضيات المعاهدات الدولية بشأن ضمان حقوق المرأة في الحرية والكرامة والمساواة التامة مع الرجل ضد الإقصاء والتمييز. الفقيه المقاصدي اعتبر تلك القوانين مدعاة للفتنة، والحال أن أهل الفتنة الحقيقيين هم الذين يدعون إلى تكريس عقلية المصادرة و الاسْتِبْداد وإشاعَة الكَراهية والمَيْز بينَ المواطنين.
في جوابهِ عن رُدود الفعل الغاضبة للمدافعين عن حقوق المرأة، رجالا ونساء، قال الفقيه إن هؤلاء يسقطون في “السب والشتم والغوغائية” بينما الفقيه كان سباقا لوصف النساء “الجدد” و “الحداثيين” توصيفات دونية حاطة بالكرامة، حين قال في حقهن إنهن ينجذبن إلى “المتعة والفرجة والتجارة والإجارة والإثارة” .ا…..وهو ما أثار استياء منظمات نسائية عديدة، خاصة تلك التي تنضوي تحت لواء “الرابطة الديمقراطية لحقوق الانسان” و “بيت الحكمة”، فضلا عن هيئات النساء المنتخبات وطنيا وجهويا…. كلهن اعتبرن أن كلام الشيخ العائد من الخليج “قدح في النساء الحداثيات” لا يرى فيهن غير “أجساد وعورات وأدوات جنسية” للذكور. كما اعتبرن أن كلام الشيخ الذي فقد الكثير من بريقه لا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ولا في حركة التوحيد والاصلاح، هجمة بدائية ضد المدافعين عن حقوق المرأة وجزءا من حملة انتخابية سابقة لأوانها الهدف منها إضفاء الشرعية الدينية على “العقليات والنماذج المتحجرة التي لا زالت تحن إلى زمن العبودية والحريم”!..
من الذي سَقط إذن، في الشتم والسب و الغـوغائية، هل الذي يصف المرأة الحداثية بالدعارة والفجور أم الذين يدافعون عن إنسانية المرأة التي كرّمها الله في كتابه العزيز وخصها رسوله الكريم بالكثير بوصاياه إلى المؤمنين بإكرامهن ومعاملتهن بإحسان لأنهن “شقائق الرجال”…..
قال الفقيه إنه لن يسكت عن الحق.
جميل. ومن منعه من أن يعبر عن أفكاره الفقهية، في إطار المروءة والصوابـ، بعيدا عن الكلام “الفاحش” المتضمن لأوصاف مبتذلة في حق النساء المغربيات، وهل أنه ـ على واسع علمه بفقه اللغة قبل فقه المقاصد، لم يجد في معجم اللغة العربية سوى تلك الكلمات “الجارحة” ، “الظالمة”، “المفترية”، “المقززة”، “المثيرة” ليندد بوجود بعض السلوكات المنحرفة التي لا يخلو منها مجتمع أو بلد، في زماننا الحاضر، كما في الأزمنة الخالية، ولعل حكاية “الراية الحمراء” تذكر الفقيه بأن الفسق والفجور رافق المجتمعات من النشأة الأولى، وحيث ما كان يوجد الرجل والمرأة كان هناك “الوقيد والبارود” يقول أجدادنا الحكماء!…
الفقيه قال ما معناه إن ما ذكره هو “عين الحقيقة”….فهل يعتقد الفقيه أنه يملك “الحقيقة” بعينها؟ الحقيقة المجردة ، الثابتة، وهل لا يعلم أن الله هو الحقيقة الوحيدة الأزلية ، وأن كل الحقائق نسبية، تتطور بتطور مدارك الانسان وتدرجه في اكتشاف كنه هذا العالم الذي يدل عن وجود الله وعظمته.
ويفصح الفقيه في لحظة عن “المستور” عند إشارته لكتاب التونسي الطاهر الحداد، وهو الميراث والتعدد. وهما، في نظره خطان أحمران لا سبيل لتجاوزهما ولو من باب “التدرج” في الشرع الاسلامي، فالفقيه يعلن أن له “رؤية شرعية سياسية ” في موضوع المرأة وموضوع الأسرة عامة، في ظل الهوية والمرجعية الاسلامية.
الميراث قضية إقتصادية تحقق مصالح مادية للذكر، على حساب نصيب الأنثى، وحتى إن كان هذا الذكر يستفيد من موارد الزوجة أو يعيش كليا على نفقتها، فإنه يستفيد من المعادلة الغير متكافئة التي أقرها الشرع انطلاقا من مبدإ القوامة التي ذكرتها في السابق.
أما التعدد، فلا حاجة إلى البحث عن أسباب تشدد الفقهاء والعلماء على ضرورة “حمايته” ضد “المتطرفين” الذين يحاولون منعه أو تقنينه إنه الشرع الذي أحل للرجل “مثنى وثلاث ورباع” والحمد لله رب العالمين!
ويُمعن في تأكيد صواب دُفوعاته المثيرة بخصوص المرأة، فيشدد في ردّه على أن موقفه “أخلاقي، عقائدي، سياسي، اقتصادي” ، وهو يعلم أن الأخلاق، كالحقيقة، قابلة للتطور مع الزمان وأن مفهومها يخضع لظرف الزمان والمكان. والبيئة الاجتماعية،….فما كان بالأمس أمرا لا أخلاقيا أصبح اليوم سلوكا عاديا، لا يلفت النظر، والعكس صحيح.
ولعل حكاية “الراية الحمراء” تذكر الفقيه بمسألة الدعـارة التـي كانت أمرًا مُباحـًا من المُمارسات التي تقبلها “الأخلاق العامة” في المجتمع العربي الجاهلي، حيث كانت العرب تمارس نكاح الرهط ، ونكاح السفاح، وأيضا نكاح التبضع، وهي أمور انتقلت من المباح في الماضي إلى المحظور الممقوت المكروه المقزز في زماننا الحاضر، لآن مفهوم الأخلاق تطور بعد أن أدرك الإنسان خطورة مثل هذه الأفعال على المجتمع وعلى النسل.
وكذلك الشأن بالرق ،حيث سمح الشرع الحكيم للرجل شراء الجواري كما سمح له أن يطأهن بدون عقد شرعي ويستمتع بجسدهن بحق ملك اليمين ” (سورة المؤمنون 5 -6). هذه ممارسات لا أخلاقية في وقتنا الراهن، نفهمها اليوم، على كل حال، بعد أن أقر العالم بحقوق الانسان، وقد كانت بالأمس عملا عاديا بل شرعيا… يُعــاقـب القانون عليه اليوم، بعد أن تم تحريم وتجريم الرق، باتفاق الأمم المتحضرة على أن الناس يولدون أحرارا. ولا يحق استعبادهم!…….
ونصل إلى حملة “حجابي عفتي” التي كانت من إبداع حركة التوحيد والاصلاح والتي دافع عنها الفقيه المقاصدي ، وهذا حقه، ولكن الذي لم يكن من حَقه هو أن يلوح بـ “التبـرُج” في حق الغير متحجبات. والتبرج مرتبط ببعض سلوكات “غانيات” المجتمعات الجاهلية قبل الاسلام، التي كانت تعُـج بما يُسمّـى اليـــوم بــ “الفساد” ، وقــد ارتبط مـدلــول التَبَــرُج فـي بعضِ المفاهيم القديمة بالإثارة الجنسية عند الكشف عن شعر الرأس أو عنق المرأة أو عن ساقيها، أو عند تزينها ببعض الحلي، فالمرأة في منطقهم “عورة” من رأسها إلى أخمص قدميها…..ومكانها السجن المؤبد داخل خيمة الرجل يلهو بها كدمية أو كملك يمين، متى وأين وأنى شاء……
ومن المثير أن بعض الفقهاء “يتطوعون” لإبداء أرائهم وتقديم فتاواهم بخصوص أمور تهم المجتمع، دون أن يطلب منهم ذلك، فقد ليتصدروا الأحداث والأخبار و ليصنعوا “البوليميك” بين الفينة والأخرى في أمور لم تعد من اهتمام المجتمع ولا من أولوياته.
حبذا لو تَركَ الفُقَهـاء النّـاس يعيشُونَ حَيـاتهم كمـا يُـريدون و يشتَهُون، فــلا كَهَنــوت في الإسلام، ولا وصاية لمخلوق على مخلوق في هذه الدنيا، والأمر كله لله الذي وسعت رحمته كل شيء، وهو القائل جل علاه : “قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم“. صدق الله العظيم.
بقلم : سُميّة امْغـار ..!!