و دقت طبول السباق نحو اقتسام الوزيعة…
بدأ العد العكسي للانتخابات الجماعية المقبلة، المُـزْمَـع إجـراؤُهــا في شَهر يـونيـو المُقبل، مـا لم يحـدُث أي طـارئ، ومن دُون شك فــان هاته المعركة ستكون أكثر شَراسَة بمدينة طنجة، بالنظر لما بـاتت تكتسيهِ المدينة من أهمية جيــواقتصادية ما فَتئَت تتعَـاظم يومًـا عـن يــوم..
.
كل المعطيات تفيد أن موقعة الانتخابات ستكون طاحنة بين العديد من المكونات السياسية الطامحة لإيجاد موطئ قدم في الأجهزة المسيرة لمجلس المدينة ومقاطعاتها الأربع، والأكيد أن طموح هاته المكونات ستكون متناقضة بتناقض مواقعها ومواقفها…
الاصالة والمعاصرة سيكون أمام تحديين كبيرين، أولهما هو محو صورة القوة الساعية إلى التحكم في المشهد السياسي التي التصقت به منذ التأسيس، حيث لا زال الجميع يتذكر أجواء تنصيب العمدة المستقيل سمير عبد المولى، الذي رضي لنفسه أن يتم تنصيبه عمدة للمدينة وهو لا يمتلك الأغلبية، قبل أن يرغم على الاستقالة بعد حوالي سنة، ويقرر الرحيل إلى حزب العدالة والتنمية، حيث صار اليوم الفتى المدلل لحزب المصباح، ورمزا للطهارة السياسية.
بينَمـا التّحَدي الثـاني للبــام، فـمطـروح بـالدّرجة على فــؤاد العمــاري الذي يوجد أمــام إكــراه ليس من اليسير تجـاوُزه، فهو مَطــالب من جهة أولى بالحـفــاظ على منصب العمودية، وحصيلته على مستوى التدبير لا تمنحه امتيازا واضحا، بالنظر للانجازات التي لم ترق إلى مستوى التزاماته المُعَبّــر عنهــا فـــور تَحمُّله مَسْؤولية رئاسة المدينة.ّ
من جهَةٍ ثانية الحزب لم ينجح في استغلال موقعه في دفة التسيير لبناء حزب قوي، وهو اليوم يجد نفسه مضطرا لاستقطاب بعض الأسماء الوازنة، القادمة من أحزاب أخرى، لتحسين وضعيته التنافسية، مستفيدا في ذلك من سوء تدبير هاته الأحزاب لأوضاعها التنظيمية…
حزب العدالة والتنمية بطنجة مقبل اليوم على مرحلة جديدة في تدبير ملف الانتخابات الجماعية، في سياق مطبوع بفقدانه لبكارته السياسية، التي كان مزهوا بها مع انتخابات 2009، خاصة وانه شارك في تدبير مقاطعتي طنجة المدينة ومغوغة و كذا مجلس العمالة، ولذلك فإنه صار يراهن على تعزيز مواقعه في دواليب تدبير المدينة، بعدما ذاق منتخبوه حلاوة التموقع في الأجهزة المسيرة…
وإذا كان هذا الرهان يحضى بالإجماع داخل حزب المصباح، فإن أسلوب تحقيق ذلك لا يبدو أنه موضع اتفاق داخل مكوناته، ولذلك فإن كل المؤشرات تؤكد أن الحزب سيدخل الانتخابات موزعا بين قطبين، الأول يمثله البشير العبدلاوي، المعروف عادة بجناح الحمائم، الذي يراهن على تطبيع علاقته مع جميع المكونات السياسية والتحالف معها للوصول إلى موقع التسيير بما فيها حزب البام، حيث يصر العبدلاوي، المدعوم من بنكيران، على بسط يده للجميع حتى لأولئك الذين كان ينعتهم الحزب بأباطرة الفساد الانتخابي بالمدينة…
فيما يتزعم القطب الثاني محمد خيي، الكاتب الإقليمي للحزب، الذي لا زال مؤمنا بالحفاظ على ما تبقى من عذرية سياسية للحزب، وعدم الارتماء في أحضان من ينعتهم دائما برموز الفساد الانتخابي بالمدينة، لكن يبدو أن موقفه ضعيف جداً، ولن يستطيع مقاومة المد الجارف لجبهة المستشارين الذين ذاقـوا حـَلاوة التَموقُـــع في أجهزة التسيير، والمدعومين بكل الطامحين الذين يراهنون على انتزاع نصيبهم من كعكة المناصب في الانتخابات المقبلة…
ثالث مكون سياسي يسعى إلى خوض غمار الانتخابات المقبلة برهانات متعددة، أولها الحفاظ على موقعه كقوة ثانية بعد حزب المصباح التي حققها في انتخابات 2009، ولم لا تحسين موقعه في الأجهزة المسيرة لمجلس المدينة والمقاطعات، يتعلق الأمر بحزب التجمع الوطني للأحرار، بقيادة منسقه الجهوي محمد بوهريز. لكن يبدو أن حزب الحمامة اليوم ليس في كامل لياقته البدنية، التي تأثرت كثيرا بسبب عجزه عن تدبير خلافاته الداخلية، مما دفع العديد من كبار منتخبيه إلى الرحيل عن الحزب، وهو ما سيؤثر على قدراته الانتخابية، كما أن الأحرار موزع اليوم بين وفائه لتحالف الحكامة الجيدة، الذي بموجبه تم تنصيب فؤاد العماري عمدة للمدينة، وبين تحالفه الحكومي مع العدالة والتنمية، هاته الوضعية الشاذة تجعل المنسق الجهوي للحزب بين نارين أحلاهما مر…
أما حزب الاستقلال ، فيبدو أن ضربة إلياس العماري و شباط بجمع آل الأربيعن تحت سقف حزب الميزان، كان الهدف منه بالدرجة الأولى إفشال مخطط العدالة والتنمية، الذي كان يراهن على عبد الرحمان الأربعين، كعراب للحركة الشعبية، حيث كان المطلوب منه تمويل قوائم حزب السنبلة، الحليف المفترض للمصباح في المعركة المقبلة. ولذلك فإن إلحاق عبد الرحمان بحزب الاستقلال أعدم أي إمكانية لاستنبات الحركة الشعبية بطنجة. بالمقابل سيفيد حزب الاستقلال في تعزيز نفوذه بمقاطعتي بني مكادة و السواني، وهذا سيكون في مصلحة البام، الذي يراهن على ضمان أغلبية بمجلس المدينة تضم أساسا أحزاب المعارضة الحكومية…
بالمقابل يبقى الاتحاد الدستوري في وضعية أفضل من الانتخابات السابقة، بل يطمح إلى الرهان على الرتبة الثالثة، مستفيدا في ذلك من الاستقطابات التي قام بها في السنوات الخمس الماضية، وأيضا من المجهود التنظيمي الذي تم بذله في هدوء ومن دون ضجيج، و لذلك فهو لا يخفي طموحه نحو تحسين مواقعه في أجهزة التسيير بالمدينة والمقاطعات، ضمن تحالف البام وحزب الاستقلال أولا، من دون استبعاد أي انفتاح على مكونات سياسية أخرى إذا وجد نفسه مهضوم الحقوق مع حليفيه المبدئيين…
لكن يبقى السؤال المطروح، هل تمتلك هاته المكونات السياسية، النخب المؤهلة لتسيير مدينة تستعد إلى دخول نادي الأقطاب الحضرية الأكثر تأهيلا وتطورا في حوض البحر الأبيض المتوسط، بعد تنزيل مشاريع طنجة الكبرى التي رصدت لها الدولة 700 مليار سنتيم في أربع سنوات؟…
مع كامل الأسف لا يبدو أن المكونات السياسية السالف ذكرها تمتلك أي تصور واقعي وعقلاني لتسيير مدينة بحجم عروس البوغاز برهاناتها المتعددة، مما يؤشر على أن المعركة المقبلة ستتحول إلى صراع محموم نحو اقتسام كعكة المناصب، سيلجأ خلالها المتنافسون، من دون شك، إلى جميع الأسلحة بما فيها الضرب من تحت الحزام، لكونهم يعلمون علم اليقين ما ستغدقه هاته المواقع والمناصب من امتيازات ومنافع.