زخات الدعاء
جريدة طنجة – آية الحَسّانـي :
الثلاثاء 13 يناير 2015 – 11:37:09
كانت كلما دنت منها شياطين النوم ، تَصُدهــم بـزخـات مــائية في وجهها . لتُبعـدَهُـم عن عَيْنيهـا الـذابـلتين . كانت كُلّمـا ضـَاقـت بها تَـردد : ” اللهم أنت المسهل ، و أنت الميسر ، يسر أمري و حَقّـق مطلبي و سخر لي ما هو خير .. ” تكابر و تكابد ، تلخص هذا الدرس ، تراجع ذاك و تحفظ ذلك … تتمثل أمام عينيها صورة النجاح ، صورة النصر ، صورة تخرجها من الجامعة .. تتخيل لمعة الفخر ف-ي أعين والديها ، نبرة الحقد في تهنئات أعدائها ، وتشجيعات من إحتضنوها .. حينها تتضائل أمام عينها حجم الكوارث النفسية التي تمر بها .
سطع نور الصباح ، و أضفى البهجة على الفضاء ، فعلى الأقل إستفاقت الديكة لتؤنس وحدتها . و تسللت أشعة الشمس من شرفة منزلها ، لتدغدغ ملامح وجهها المجعد ، و لتهنئها على الجهد العضيم الذي قامت به في غسق الدجى . فتحت النافذة ، فداعب نسيم الصباح جدائل شعرها الشقراء ، وحيتها أغصان الشجرة الخضراء ، وقبلتها وردة البستان الحمراء . كان هذا المشهد مشهدا جماليا بإمتياز ، تتخيله كلما أحست بالإعياء و الفشل ..
إقتربت الساعة السابعة صباحا بتوقيت الأمل ، فــارتدت ملابسها الصوفية ، لتواجه بها العاصفة الخارجية الهوجاء حاملة مظلتها المزركشة الصفراء ، لتختفي بها من كيد المراوغين ، المخادعين ، المفترسين ، المرتديين بذلة الحرباء . و قبل أن تخرج ، امطرتها حنون بزخات من الدعاء ، زخات عاصفة ممطرة ، واجهتها بمَظلة ” آميين .. ” . تَعْصف و تعصف و تعصف : ” سهل الله أمورك ، يسر الله مَسارك ، فتح عليك الله فتح العارفين بر حمته ، منحك الله قَلمًــا ذهبيـة تـرقـص طربًـا فـوْقَ خَشَبـة الـوَرَق ، زادَكَ الله عِلْمـًا من عِندهِ … ” . و ختمت دعواتها ب : ” رضي الله عنك يا إبتي .. ستكون دعواتي سنَدًا لكَ . ” ..
خرجت من منزلها تـاركـَة خَلْفهَــا البـاب مَفتُوحًـا على مِصراعيه ، لتتبعهـا دَعَــوات جدتهــا الحَنُون .. لم تأبه بالمارة ، و لا بأحــرفُهم المُبعَثرة و كلماتهم المشتتة . كما تجاهلت نظراتهم البغيظة ، و تناست حجم الهوة بين الأمل و اليأس . فتشبثت بالأمل ، و تسلحت بالتفاؤل ، و دخلت ساحة المعركة بقلب قوي ، بعقل حكيم ، و كان سلاحها ( القلم ) سلاحا فتاكا ، دمر العدو ( الأسئلة ) إلى أن رفع رايته البيضاء معلنا إستسلامه لبراعة ذلك السلاح . حينها تذكرت دعوات جدتها المتواصلة ، و تيقنت أنها كانت أقراص مقويات ، كبسولات فيتامينات ، وحقن لمضادات حيوية للمحارب . فبفضلها تمكن المحارب البسيط من القضاء على المستعمر الإمتحاني .
إبتسمت إبتسامة نصر ، إبتسامة أمل ، إبتسامة قوة وقالت : سأتواكل على زخات دعائك الغزير يا ” ماتي ، فأمثالك تستحي السماء أن توصد في وجههم .
آية الحساني