بدون جيوب !!! عزيز كنوني
وغير بعيدة تلك “الحملة” المدوية التي أسقطت عددا كبيرا من موظفي الجمارك والأمن بباب سبتة، وحيث أننا بلد “الحملات” بامتياز، كوسيلة مثلى لـ “قضاء المآرب”، وإسقاط ألف عصفور بنصف حجر، فقد برأ القضاء “الموقوفين” الذين جرفتهم الحملة “الإصلاحية”، فوجا بعد فوج، ليتضح أن القضاء قضاء والحملات حملات وكفى، لا تحقق نفعا ولا تدرأ شرا !
نعود للميناء المتوسط الذي يعد ، بحق، “مفخرة” المغرب الجديد، هذا الميناء الذي ما دفع إلى البحر بأولى حاوياته المليونية، حتى ضج ميناء الجزيرة الخضراء وطريفة، صراخا من هول تسونامي “الكتامي” المعتق، الذي كان يعبر وفق “المسالك” المعهودة والعالية التقنية، دون أن يحس به الشيخ سكانير الذي ما ثبت على سكته حتى أسلم الروح لباريها وأراح واستراح، عملا بالمقولة المتداولة، “عين لا ترى، قلب لا يوجع ” !
وحسب ما تداولته بعض الصحف والمواقع الوطنية، ، فإن سلطات الميناء ، وبعد طول تفكير وعناء، اهتدت إلى طريقة متجددة وبديعة، وفريدة، لمحاربة الرشوة، والرشوة أشكال وأنواع وأصناف، تتنوع كالحرباء، وتتغير “ألوانها” بدافع الحاجة وعامل الزمان والمكان، و”اختلاف الليل والنهار”، عملا بالحكمة القائلة “الحاجة أم الاختراع” ، “وما في رأس الجمل، في رأس الجمالة” !!!
لنعترف أنه ليس من السهل مقاومة إغراء ات الرشوة، خاصة وأنها أصبحت طريقا سالكة لتحقيق المآرب ، خاصة ، أيضا، وقد لا تجد اليد العليا حرجا في “دس” الأوراق الزرقاء أو الحمراء ، في اليد السفلى، على عينك يا بن عدي، وقد تكون اليد السفلى االقابضة أعلى درجة دنيوية من اليد العليا المانحة، ومع ذلك، فلا حرج !
بعد تفشي ظاهرة الرشوة والابتزاز، بما لا يطاق ولا يمكن الصبر عليه، لأنها قفزت على كل الحواجز وتخطت كل العقبات والعوائق ، لتصبح وسيلتنا إلى ممارسة مواطنتنا بنوع من “السيولة” ومن الأمن والأمان، أصبح من الضروري مواجهتها بالصرامة الضرورية، وبإجراءات زجرية “قاضية” ومنها الإعلانات التليفزيونية من باب “الرشوة تقتل” نصيحة من ديوان رئيس الحكومة !
ولكن المعنيين بمحاربة الرشوة لم يتوقفوا عند “ويل للمصلين”، بل اتخذوا في مسيرتهم لمواجهة آفة الرشوة، “المنهجية التجريبية العلمية المبنية على “المساءلة التشاركية أفقيا وعموديا، وفق نظرية “المسؤولية والمحاسبة” التي جاءت بها توصيات المناظرة الوطنية بخصوص محاربة الرشوة التي لم تنظم بعد، والأوراش المقترح تنظيمها تزامنا مع إصلاح المنظومة التربوية في أفق 2030، ومشروع قانون حماية المال العام الذي يطعن فيه كل من اقترب منه، إلى غير ذلك من الإجراءات الهادفة إلى تخليق الحياة العامة، والإدارة العامة، والمالية العامة، …. لتقرر سلطات الميناء خياطة ملابس بدون جيوب للعاملين بها.
ذلك أن سلطات الميناء “فطنت” إلى أن فلوس الرشوة التي تحصل عليها فئات من عمالها خاصة في الأرصفة، “تستقر” داخل جيوب الملابس التي يرتديها العمال وبعض المسؤولين، وبالتالي، فإن “حذف” هذه الجيوب، يعني في النهاية، “اقتلاع” الرشوة من جذورها و”تجفيف منابعها” و “مستقراتها” بشكل جذري ونهائي .
وحيث أن سلطات الميناء أجمعت على “تبني ” سياسة “الحذف” و “الإلغاء” في حق جيوب الملابس “المعتمدة” داخل الميناء، فقد تم إبلاغ اللجنة البرلمانية التي تشكلت لاستطلاع الأمر بشأن الرشوة بالميناء المتوسط، بقرارها الصارم هذا، مع التأكيد على فعاليته ونجاعته. الأمر الذي لابد وأن تكون اللجنة البرلمانية قد وثقت به واعتمدته، وعممته، لربما، في خياطة ملابس العاملين بالبرلمان….
جريدة “أخبار اليوم” التي نشرت خبر “الجيوب المقتلعة” في عدد الأربعاء الماضي أوردت أن اللجنة البرلمانية المعلومة أشارت في تقريرها إلى أن إدارة الميناء كشفت لها عن مخططها لمحاربة الرشوة، القاضي باعتماد ملابس خاصة بالأعوان والمستخدمين بالميناء لا تتوفر على جيوب، “لمنعهم من الحصول على أي رشوة”، نظراً إلى “احتكاكهم المستمر بالمسافرين”. ويبدو أن مسؤولي الميناء أكدوا للجنة نجاعة هذا الإجراء في مقاومة الرشوة بين مستخدمي الميناء .
والسؤوال العجيب هو كيف أن الإدارة المغربية التي نخرتها الرشوة منذ الاستقلال لم تفكر في اقتلاع الجيوب من ملابس بعض موظفيها الذين يدفع بهم سوء حظهم إلى الاحتكاك بالمواطنين ، حماية لهم ووقاية من تسرب الرشاوي إلى تلك الجيوب الملعونة التي ما “خلقت” إلا لابتلاع رشاوى المواطنين الراغبين في قضاء حاجاتهم. وبالتالي، فإن “تخليص” ملابس الموظفين، منها، تخليص لهم من إغراءات الرشوة وبلاويها وتخليص ، أيضا، للوطن من آفات الرشوة والفساد الذي يبدو أن بنكيران لم يقو على مواجهته أو محاربته لأنه أقوى مما كان يتصور وينتظر،وأنه “سرطان” يتخذ أشكالا وأحجاما مختلفة تستعصي على كل ترصد ومتابعة !
ولكم أن تتصوروا بعض الأزياء المدنية والعسكرية بدون جيوب، ومن أفراد أصحاب تلك الأزياء من يحملون أدوات و “روجيستات” لتسجيل المخالفات، وقد تم “تصوير” بعضهم في حالات لا يحسدون عليها، كان الله في عونهم وعون ذويهم، ولعن الله الشيطان الذي يغري بما يغري….ويدفعهم إلى بسط اليد والخد لتصطادهم كاميرا هاتف ملعون “يسربها” إلى أركان الدنيا الأربعة ، في لمحة بصر، لتعم الفاجعة، ويكون ما كان و يكون. !…
لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما، على ضعف رواية “الرائش”
ومرحى بأزياء منزوعة الجيوب !!!.. على وزن منزوعة السلاح!..